قراءة تحليلية في مقال في العصبية الحزبية للأستاذ المفكر السياسي القاسم بن علي الوزير

قراءة تحليلية في مقال في العصبية الحزبية للأستاذ المفكر السياسي القاسم بن علي الوزير
بقلم/أبراهيم الحبيشي
الجمعة 12 ديسمبر 2025-
يمثل مقال الأستاذ المفكر السياسي القاسم بن علي الوزير في العصبية الحزبية نموذجاً رفيعاً للنقد الاجتماعي والسياسي الحاد، الذي ينفذ إلى جذور العلل التي تعيق بناء المجتمع المدني الحديث وتقوض أسس الدولة الوطنية. لا ينفصل هذا المقال عن مشروعه الفكري في نقد العصبيات الثلاث: الدينية والقبلية والحزبية، بوصفها أوجهًا متعددة لمرض واحد أعراضه التمزق والانحطاط.
يمكن تحليل المقال من خلال المحاور الرئيسية التالية:
التشخيص: من القبيلة إلى الحزب… نفس الداء
يبدأ الأستاذ القاسم الوزير مقاله بمقدمة ذكية يربط فيها بين العصبية القبلية والعصبية الحزبية، ليؤكد أنها في الجوهر صورة معادة لأثارها.
فهو لا يبتدئ من الصفر، بل يبني على إدراك القارئ لمساوئ العصبية القبلية المعروفة (إعلاء العرف على القانون، إشاعة الفوضى، سفك الدماء، ضعف الدولة) ليظهر أن العصبية الحزبية عندما تستفحل هي نسخة حديثة بل وأكثر فتكاً من نفس الداء.
العصبية القبلية: تحل عضلات القبيلة محل قوة القانون فتضعف الدولة وتغيب العدالة.
العصبية الحزبية: تحل مصلحة الحزب محل المصلحة العامة فتهدر الحرية وتنسحق حقوق الإنسان وتصبح أدوات الدولة الجهنمية أداةً للإخضاع.
هذه المقارنة الذكية تجعل القارئ يفهم طبيعة الخطر بشكل فوري، فالحزب المتعصب هو قبيلة جديدة بثياب عصرية، لكنه يحمل نفس النزعة تجاه الانغلاق والانقسام والعدوانية.
مستويات تجلي العصبية الحزبية من الاستبداد إلى التمزق الاجتماعي
لا يقدم المفكر السياسي القاسم الوزير صورة أحادية للعصبية الحزبية، بل يحللها إلى عدة مستويات:
عصبية الحزب الحاكم الاحتكار هنا يصل الخطر ذروته. عندما يحتكر حزب واحد السلطة، يصبح فوق القانون، ويحوّل مؤسسات الدولة إلى أدوات لخدمته. النتيجة هي إلغاء الحرية والمساواة والعدالة، وتحويل الشعب إلى قطيع يطعَم فقط ليبقى يدور في معصرة الدولة لصالح الحزب. هذه هي أقصى درجات الاستبداد الحديث. عصبية الأحزاب في مجتمع التعددية المريضة:
حتى في وجود تعددية حزبية شكلية، يمكن للعصبية أن تمزق المجتمع. يحدث هذا عندما يتحول كل حزب إلى دولة داخل الدولة، ويقدس ذاته إلى درجة جعل مصلحته مقدسة وتسقط عنه كل المعايير الأخلاقية والقانونية. يصبح العضو معصوماً طالما هو يدافع عن الحزب، حتى لو خان القيم أو خرج على القانون. هذه الحالة تشبه الهوس أو التقديس المبهم الذي يفسد المنطق ويمزق النسيج الاجتماعي.
نقد التعددية الشكلية: عندما تصبح الديمقراطية غطاء للعصبية
من أعمق أفكار المقال نقده اللاذع للتعددية الحزبية عندما تكون دخيلة على الديمقراطية. يميز الأستاذ القاسم الوزير تمييزاً حاسماً بين:
تعددية حقيقية: تنبع من مجتمع معافى متوازن، تقوم على قواسم مشتركة ومصلحة عامة جامعة، وتعمل فيها الأحزاب ضمن هذا الإطار الجامع لتمثيل مصالح فرعية مشروعة.
تعددية مزيفة شكلية هي مجرد غطاء لصراع عصبيات (قبلية، طائفية، عائلية، جهوية) تغتصب ثوب التعددية الذي لم يفصَل لها. هذه التعددية لا تعبر عن قيم الديمقراطية بل تؤدي دوراً مضاداً للديمقراطية بتزييفها لحقائقها واستخدامها مسمياتها الجميلة لتغطية التشوهات العميقة.
هذا التحليل يضرب بعمق في واقع العديد من المجتمعات العربية حيث تمارس أسوأ أنواع المحاصصة والولاءات الضيقة تحت شعارات الديمقراطية والتعددية.
الآثار المدمرة: تمزيق العقل الجمعي وإفساد الأخلاق
فهذا الخطر لا يقف عند حدود السياسة، بل يتجاوزها ليطال أساس المجتمع ذاته، حيث ينعكس أثره في تخريب العقل الجمعي، من خلال إفساد المنطق وتشويه التاريخ وتزويره. وتمزيق النسيج الاجتماعي: بنشر ثقافة التهم والافتراء والكراهية.
وإماتة الأخلاق: حيث تستباح كل الحرمات في الصراع الأناني، حتى كرامة الموتى.
يرى الأستاذ المفكر السياسي القاسم الوزير أن موت الأخلاق هو مأساة فظيعة تسبق الصراع الدموي وتهيئ له.
ويطلق العنان للعبث الخارجي لنهب موارد الأمة وإلحاقها بتبعية، كما يمنح الذريعة للمؤسسة العسكرية للانقضاض على الحكم.
أن الحل الذي يطرحه الأستاذ القاسم الوزير ضمناً لا يقوم على إلغاء الأحزاب،
بل على تأسيسها على فكرة واضحة وبرامج محددة، وعملها في إطار المصلحة العامة والقواسم المشتركة التي تجمع أطراف المجتمع. إنه يدعو إلى إحياء الجامع المشترك الذي يمنع انفراط عقد المجتمع ويحول دون تحول الاختلاف الطبيعي إلى صراع وجودي مدمر.
يختم المفكر السياسي باستدعاء حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوها فإنها منتنة وليس منا من دعا إلى عصبية، مؤكدا أن النتن واحد، سواء جاء من قبيلة أو حزب، وأن النتيجة واحدة: الانحدار عن قيم الإسلام والإنسانية التي تدعو إلى الوحدة والعدل والتعاون على البر والتقوى.
بعبارة أخرى، يقدم الأستاذ القاسم الوزير في هذا المقال تحذيراً مبكراً ومستمراً من تحول الأدوات الحديثة للدولة والمجتمع (كالأحزاب) إلى أدوات للهدم عندما تختطف من قبل الروح العصبية القديمة، مؤكداً أن بناء الدولة الوطنية والقوية يبدأ بمحاربة هذه العصبية في كل أشكالها.



