كتابات فكرية

نزع سلاح الشعوب تحت الاحتلال: حين يصبح الوعد بالسلام مقدمة للإبادة

نزع سلاح الشعوب تحت الاحتلال: حين يصبح الوعد بالسلام مقدمة للإبادة

بقلم: د / عبدالرحمن المؤلف

الخميس24يوليو2025_

في كل مرة يتكرر فيها الحديث عن “نزع سلاح” شعبٍ واقع تحت الاحتلال، تتردّد في الأذهان مشاهد تاريخية مرعبة لما أعقب مثل هذه الوعود من خيانة وتصفية جماعية.

فمن غرناطة إلى غزة، ومن شعب اللاكوتا إلى سربرنيتسا، نُزِعت الأسلحة باسم “السلام”، لكن النتيجة كانت دومًا واحدة: التطهير، القهر، أو الإبادة.

السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه:

هل يُطلب من الضحية نزع سلاحها بينما يواصل الجلاد التسليح؟

دروس التاريخ التي لا تُنسى

حين سقطت غرناطة عام 1492، وعد الملكان الكاثوليكيان المسلمين باحترام دينهم وثقافتهم إذا سلموا المدينة طواعية. لكن بعد عقد فقط، بدأت محاكم التفتيش، وانتهى الأمر بطرد مئات الآلاف من الموريسكيين.

في أمريكا الشمالية، صدّقت قبائل الهنود الحمر وعود الجيش الأمريكي باتفاقيات سلام، مثل معاهدة فورت لارامي (1868)، التي منحتهم “أراضي محمية” مقابل نزع السلاح. لم تمر عقود حتى جرى ذبحهم في مذبحة “الركبة الجريحة” عام 1890.

في العراق (1920)، سلم الثوار سلاحهم بعد وعود بريطانية بحكم ذاتي، فكان الرد اعتقالات جماعية وفرض الانتداب.

وفي سربرنيتسا، أعلنتها الأمم المتحدة “منطقة آمنة” سنة 1995، وانتُزع سلاح البوشناق المسلمين، ثم وقف الجنود الأمميون مكتوفي الأيدي أمام ذبح أكثر من 8,000 رجل وصبي على يد القوات الصربية.

أما فلسطين، فكمثال صارخ ومتجدد، تُظهر التجربة أن تسليم السلاح في مدن مثل اللد والرملة كان بداية لمجازر وتهجير قسري استمر لعقود. نزع السلاح لم يحقق السلام، بل فتح الأبواب لمزيد من العدوان.

المعايير المزدوجة: لماذا لا يُنزع سلاح المُعتدين؟

في حين تُطالب قوى كبرى، وبتواطؤ مؤسسات دولية، الشعوب الخاضعة للاحتلال بنزع سلاحها، فإنها في الوقت ذاته تُغدق السلاح على المعتدين.

الولايات المتحدة، أكبر مُصدّر للأسلحة في العالم (بحسب تقرير SIPRI 2024)، تواصل تسليح إسرائيل بأحدث الطائرات والصواريخ، وتوفر لها الدعم التكنولوجي والاستخباراتي من خلال الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي.

بريطانيا وفرنسا، اللتان خاضتا حروبًا استعمارية طويلة في آسيا وأفريقيا، لا تزالان شريكتين أساسيتين في دعم الترسانة العسكرية الإسرائيلية، في الوقت الذي تطالبان فيه بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية تحت عنوان “السلام”.

بل إن الدستور الأمريكي نفسه يجيز للمواطنين حمل السلاح وتنظيم ميليشيات، وهو ما ظهر بوضوح في أحداث اقتحام الكونغرس عام 2021، دون أن يُطلب نزع أسلحة المواطنين حتى بعد الجرائم اليومية الناجمة عن حيازة السلاح.

المقاومة ليست إرهابًا… بل بقاء

المقاومة لا تعني العنف المجاني، بل هي دفاع عن الوجود، وضمان للمستقبل.

في لبنان، كان السلاح هو من طرد الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، وليس قرارات مجلس الأمن.

في فيتنام والجزائر، خاضت الشعوب معارك دامية لتحرير أراضيها، ودفعت ثمناً باهظاً، لكنها انتصرت.

وحتى في غيتو وارسو، حيث ثار اليهود ضد النازيين عام 1943 بأسلحة بسيطة، سُجل ذلك في الذاكرة كواحدة من أشرف الانتفاضات.

اللافت أن الأمم المتحدة، التي أعلنت سربرنيتسا “منطقة آمنة” وسحبت سلاح سكانها، لم تتمكن من حمايتهم، لتبقى الوعود الدولية، في معظمها، حبرًا على ورق إذا تعارضت مع مصالح الكبار.

لماذا يُطلب فقط من الشعوب المستضعفة أن “تتخلى عن السلاح”؟

هل لأن قوتها رمزية؟

هل لأن مقاومتها تُحرج الدول الكبرى أخلاقيًا؟

أم لأن وجودها المسلح، حتى وإن كان محدودًا، يُبقي على إمكانية التفاوض ويمنع عملية الإبادة الكاملة؟

في الحقيقة، نزع سلاح الشعوب لا يحقق السلام، بل يُسهل للعدو فرض واقع جديد من دون مقاومة، كما حدث في العشرات من الأمثلة التاريخية التي لم يتعلم منها العالم شيئًا.

الختام: لا سلام بلا توازن

إذا كان المجتمع الدولي جادًا في السعي نحو “السلام”، فليبدأ بنزع سلاح المعتدي أولًا، لا تجريد الضحية من وسيلتها الوحيدة للبقاء.

أما دعوات نزع السلاح تحت الاحتلال، فهي أشبه ما تكون بطلب من سجين أن يخلع درعه بينما سجّانه يحمل سوطًا وسيفًا، ثم يُقال له: “لا تقلق، نحن نضمن لك السلام”.

المصادر والمراجع:

SIPRI Arms Transfers Database (2024) – https://sipri.org

Encyclopedia Britannica – [Treaty of Fort Laramie (1868)]

United Nations reports on Srebrenica (1999)

Khalid Bin Sulaiman: Srebrenica: Anatomy of a Genocide

Noam Chomsky – The Fateful Triangle: The United States, Israel and the Palestinians

Constitution of the United States – Second Amendment

Human Rights Watch & Amnesty International reports on arms to Israel

📌 ملاحظة للناشرين: يُسمح بإعادة النشر بإذن الكاتب شرط الإشارة إلى المصدر الأصلي.

اقرأ أيضا للكاتب :خمسون ألف مقاتل… والوجهة: السويداء!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى