كتابات فكرية

موقف الإسلام من المرأة

 موقف الإسلام من المرأة

أمين الجبر

السبت 20 ديسمبر 2025-

أولى الإسلام المرأة أهمية كبيرة في الحقوق والمساواة مع الرجل، فساوى بينهما على حد سواء دون أي انتقاص. منحها حق الملكية والتصرف في مالها دون رقابة أو ولاية، وجعل إذنها شرطاً أساسياً لصحة زواجها، وألزمها بحقوق زوجية مساوية لما عليها. كما جعلها مسؤولة مستقلاً في العبادات والمعاملات المدنية والجنائية، وفي الثواب والعقاب عند الله.

لا يوجد نص قرآني أو حديثي ينتقص صراحة أو ضمناً من حقوق المرأة كإنسانة كاملة الأهلية. التباسات تأتي من تفسيرات ثقافية مجتمعية حملت النص ما لم يحتمل، من خلال تأويلات مبتسرة تتلاءم مع العرف والعادات، وتخدم أجندات سياسية واجتماعية. المتأمل في النص الديني (قرآناً وحديثاً) يجد إنصافاً للمرأة تفوق أي قانون بشري، كقوله تعالى: “وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا”.

محاور الميراث، القوامة، والولاية/الشهادة أثارت جدلاً واسعاً، فسنركز عليها كنماذج لتجلية إنصاف القرآن وفحوى التفسيرات المغلوطة

أولاً: الميراث.. لاقى ميراث المرأة جدلاً فقهياً وسياسياً كبيراً. فسرت الآية “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ” بتباين، إذ اعتبرها البعض – خاصة الغربيون والمتأثرون بهم – تحيزاً بيولوجياً ضد المرأة، معتمدين تفسيراً حرفياً يتجاهل السياق الاجتماعي-الاقتصادي. بالمقابل، رأى آخرون معنى اجتماعياً، كمن قال إن إرث الأنثى “أصل مقرر معروف يُعرف به نصيب الذكر”. يشاركهم حامد أبو زيد في السياق السوسيو-تاريخي: “الذكر معيار القيمة، والمغزى خلق توازن بنقل الثقل إلى محور الأنثى لتحقيق المساواة الدينية ثم الاجتماعية”. ميز النص بين النوع البيولوجي (قليل الأحكام) والاجتماعي (الأغلب)، كقوله تعالى: “لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا”.

علة الحكم هنا اجتماعية-اقتصادية، مرتبطة بالعدل لا بالتمييز البيولوجي. يعلل رشيد رضا: إذا ورث الذكر ضعف الأنثى، فهو ملزم بالإنفاق على زوجته وأولاده، فيصبح نصيبه مساوياً أو أقل. ويؤكد بلتاجي: “الرجل ينفق على الجميع، أما هي فمالها لها وحدها”؛ في حين يرى طلعت: “رجال الأسرة يعولون النساء إن لم يكن لهن مال”. بينما يذهب العودي أبعد: البنت تبدأ “البلوغ” (العمل المنتج) في بيت زوجها دون مشاركة إخوتها، بينما يبقى الأخ في أسرة الأب يعمل، فإرثها نصف تعويضاً لذلك. وهذا ليس قاعدة عامة؛ فقد ترث المرأة مساواة أو أكثر (كالأم من زوجها). الأصل عدالة اقتصادية-اجتماعية، لا تمييز بيولوجي.

خلاصة الأمر لقد أنصف الإسلام المرأة مادياً، رغم تفسيرات حرفية خلطت الديني بالثقافي.

ثانياً: القوامة.. وردت “القوامة” في ثلاث آيات: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ”، و”كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ”، و”كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ” .اقتصر بعض المفسرين على الجزء الأول نصاً مطلقاً لقوامة الرجل بيولوجياً، متجاهلين السياق. لغوياً، تعني القيام بالأمر الديني للرجال والنساء. يجمع المحدثون على سياق اجتماعي-اقتصادي زماني-مكاني، كالعودي: “ليست قوامة بيولوجية، بل عقد اجتماعي لصالح المجتمع”.تتغير مع الظروف؛ إن أنفقت المرأة تنتقل إليها. هي وظيفة أسرية تكافلية، لا سلطة مطلقة تتعارض مع التراحم الإسلامي، خلافاً للنسوية الغربية أو التفسيرات الحرفية.

ثالثاً: الولاية والشهادة.. أثارت ولاية المرأة وشهادتها جدلاً بين الفقهاء والمستشرقين. الولاية حق بشري عام بشرط الكفاءة، لا تمييز بيولوجي، كقوله تعالى: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ”– خطاب عام. لا نص قرآني يمنع توليها الولاية العامة.الخلاف من حديث أبي بكرة: “لَنْ يَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً”، الذي يُرجَّح كحكم زماني-مكاني (الفرس). يدل على دور المرأة حادثة الحديبية (رأي أم سلمة)، وقول النبي في عائشة: “خُذُوا نِصْفَ دِينِكُمْ مِنْ هَذِهِ الْحُمَيْرَاءِ”، والتاريخ مليء بنماذج نسوية في المناصب.

 اقرأ أيضا: نصيحتي للسعودية بعد ما أذلتها الإمارات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى