كتابات فكرية

لماذا لا نرى جُسورًا عربيّةً لإنقاذ ضحايا الزّلزال في سورية المُحاصَرة أُسوَةً بتركيا؟

لماذا لا نرى جُسورًا عربيّةً لإنقاذ ضحايا الزّلزال في سورية المُحاصَرة أُسوَةً بتركيا؟

عبدالباري عطوان

رئيس الوزراء الإسرائيلي كاذبٌ مُحترف، ولهذا لم تُفاجئنا تصريحاته المدسوسة التي ادّعى فيها “أنّه وافق على إرسال مُساعدة إلى سورية التي ضربها زِلزالٌ عنيف بعد أن تلقّى طلبًا من دِمشق عبر قنواتٍ دبلوماسيّة”، وسارعت السّلطات السوريّة بنفي الخبر فورًا وبعد دقائق معدودة، وتساءل مصدر مسؤول فيها “كيف لسورية أن تطلب المُساعدة من كيانٍ قتل وشارك في قتْل السوريين طِوال العُقود والسّنوات الماضية”.

سورية عاشت وتعيش حربًا تدميريّةً تقف خلفها الولايات المتحدة الأمريكيّة و”إسرائيل” وبدعمٍ من تركيا ودول عربيّة وخليجيّة لأكثر من 11 عامًا، والهدف الرئيسيّ من هذه الحرب، المصحوبة بحِصارٍ تجويعيٍّ خانقٍ، هو تركيعها ودفعها للانضِمام إلى منظومة التّطبيع الخِيانيّة، ولكنّها قاتلت وصمدت وقدّمت مِئات الآلاف من الشّهداء ولم ولن تركع أبدًا.

نستغرب هذا العُقوق من بعض الدّول العربيّة تُجاه هذا البلد العربيّ الأصيل الذي لم يَعتدِ على أحدٍ، وكان ضحيّةً كُبرى لعُدوانٍ أمريكي إسرائيلي، فقد أقامت دول عربيّة شقيقة جُسورًا جويّة، لتقديم المُساعدات وإرسال الخُبراء لإنقاذ ضحايا الزّلزال في تركيا، بينما لم تفعل إلا قليل القليل لسورية التي تجاوز عدد ضحايا الزّلزال أكثر من ألف شخص، وآلاف الجرحى، وما زال المِئات، وربّما الآلاف تحت الأنقاض.

نُؤيّد هذه الجُسور الجويّة العربيّة لإنقاذ ضحايا الزّلزال في تركيا ونُباركها ونَراها واجب إنساني وأخلاقي حتميّ، فتركيا دولة إسلاميّة شقيقة، ولكن ما نستهجنه أنّنا لم نَرَ مثيلًا لها إلى سورية، الأكثر حاجةً ليس بسبب ضخامة حجم الخسائر البشريّة والماديّة، وإنّما أيضًا لأنّ هذا البلد العربيّ يعيش حِصارًا أمريكيًّا أوروبيًّا خانقًا تلتزم بإجراءاته الإجراميّة العديد من الحُكومات العربيّة، ويتعرّض لعُدواناتٍ إسرائيليّةٍ مُستمرّة مُنذ أكثر من خمس سنوات، وأكّد برنامج الأغذية العالمي التّابع للأُمم المتحدة في تقريرٍ نُشر يوم الجمعة الماضي “أن 12 مِليون سوري لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التّالية، وأكثر من ثلاثة ملايين يعيشون على وجبةٍ واحدةٍ بائسةٍ يوميًّا، وأن أكثر من 70 بالمِئة من السّوريين قادرين على وضع طعام على مائدة عائلاتهم وأطفالهم، وقال لنا وزير سوري سابق إنّه يعيش وأُسرته على راتبٍ تقاعديّ لا يزيد عن 40 دولارًا شهريًّا.

وفي ظِل هذا الوضع الإنساني مُتفاقم الصّعوبة والقهر، يأتي هذا الزّلزال الذي ضرب شِمال البِلاد في بلدٍ خدماته الصحيّة مُنهارة، والكهرباء مقطوعة، وتحتلّ قوّات أمريكيّة آباره النفطيّة، وخزّانه الغذائي شرق الفُرات، بينما تحتلّ القوّات التركيّة أكثر من 20 بالمِئة من أراضيه في شِمال البِلاد، ولا تجد حافِلاته المازوت لمُباشرة عملها في نقل العمّال إلى مصانعهم والتّلاميذ إلى مدارسهم، ويقف مُعظم العرب الأثرياء في موقف المُتفرّج، ويتمترس بعضهم في خندقِ الحِصار والعُدوان.

مُؤلِمٌ جدًّا أن نرى العديد من الدّول العربيّة الثريّة تتسابق لإغاثة ضحايا الزّلزال في تركيا، وتُصدّر العديد من الهيئات الإسلاميّة وعُلماؤها البيانات الحاثّة على هذه الخطوات الإنسانيّة وضرورة إقامة جُسور إغاثة لتركيا، ولكنّنا، وحتّى كِتابة هذه السّطور لم نسمع عن جسرٍ جويّ حقيقيّ باتّجاه سورية، وشعبها العربيّ المُسلم، ولو قامت جميع الحُكومات العربيّة بواجِبها الإنسانيّ والخُلقي ولو بحدّه الأدنى في الوقوف إلى جانب الشعب السوري في مِحنَته لما حاول نِتنياهو الكذوب الصّيد في الماء العَكِر والادّعاء بأنّ سورية طلبت مُساعدة حُكومته الفاشيّة قاتلة الأطفال.

حُكومات عربيّة هي التي لعبت الدّور الأكبر في الحرب لتدمير سورية وحِصارها سواءً بضخّ مِئات المِليارات من الدّولارات بأمْرٍ أمريكيّ، أو بتمويل وتسليح مِئات الآلاف من المُقاتلين المُسلّحين، وكُنّا نأمَل أن تستغلّ فُرصة هذه الكارثة الإنسانيّة للتّكفير عن خطاياها، وإرسال المُساعدات الفوريّة الإنسانيّة لضحايا الزّلزال، ولكنّها، أو مُعظَمها لم يفعل للأسف.

سورية، وبعد أن وقفت سدًّا قويًّا في وجْه الاحتِلال الإسرائيلي وكانت وستظل من الدّول العربيّة القليلة جدًّا التي لم تركع لأمريكا، ولن تُفكّر، مُجرّد التّفكير، بالتّطبيع مع دولة الاحتِلال، سورية ستتجاوز هذه المِحنَة، وستَعبُر إلى برّ الأمان، مثلما تجاوزت 11 عامًا من المِحَن الأكبر، واستعاد جيشها العربيّ مُعظم أراضيها من براثِنِ المُؤامرة وأنصارها وداعِميها.

نتقدّم في هذه الصّحيفة بالعزاء لأهلنا في سورية وتركيا بضحايا هذا الزّلزال ونتمنّى الشّفاء العاجِل لكُلّ مُصابيه، ونحن على ثقةٍ أن الشّعب السوري وقِيادته الصّامدة، كاظمة الغيْظ سيتجاوز هذه المِحنَة، ولن يتسوّل المُساعدات حِفاظًا على كرامته مثلما فعل دائمًا، حتّى من الذين يُفترض أنّهم أشقّاء في العُروبة والعقيدة، فهذه هي سورية التي تمتدّ جُذور حضارتها إلى أكثر من ثمانية آلاف عام، وكانت حاضنةً للعديدِ من الامبراطوريّات، وخاصّةً أوّل امبراطوريّة إسلاميّة في التّاريخ.

خِتامًا، نُقدّر لجميع الحُكومات العربيّة التي بادرت بإرسال المُساعدات العاجلة وفرق الإنقاذ لسورية وتركيا معًا، وإذا كُنّا نُعطي أولويّةً أكبر للأُولى، أيّ سورية وذلك لأنّها تخضع لحِصارٍ أمريكيّ أوروبيّ ظالم يستهدف شعبها، وتستحقّ اهتمامًا أكبر على الصُّعُدِ كافّة، وندعو بالرّحمة لكُلّ الضحايا أتْراكًا كانوا أو سُوريّين دُونَ استثناءٍ أو تفرقة، ونتقدّم بالعزاء لحُكوماتهم وأُسرهم، ونتمنّى الشّفاء العاجِل لجرحاهم.

أقرأ أيضا:اليمن يؤكد استعداده لإغاثة الشعب السوري المنكوب

“رأي اليوم”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى