كتابات فكرية

كربلاء تتجدد فعلا ونتيجة

كربلاء تتجدد فعلا ونتيجة

كربلاء تتجدد فعلا ونتيجة

 بقلم / لطف بن  لطف قشاشة

ما حدث يوم العاشر من محرم عام ستين للهجرة في ارض كربلاء، فاجعة أجمع على فضاعتها وتجريمها كل المستنيرين، واختلف على هذا الإجماع من حمل نفسيات المجتمع الذي تسبب مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في قتل الحسين بن علي عليه السلام وأهل بيته وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين  ..

دائرة المستهدفين لسبط رسول الله ( ص ) ليست محصورة في بني أمية ومناصريهم فقط بل هي واسعة بسعة المجتمع الإسلامي في ذلك اليوم المشئوم،وما سبقه من أيام وشهور وسنين حتى نصل إلى زمن الانحراف الأول عندما تركت الأمة وصية رسول الله ( ص ) التي ذكرها القرآن بقوله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) يوم أن سمعها المسلمون من فم رسول الله تعاطوا معها بنفسيات متنوعة أولها النفسية المؤمنة وثانيها النفسية السلبية غير المتحفزة للسمع والطاعة المكتفية بالبركة وبسفاسف الأمور، غير المتطلعة لان تدخل في زمرة خير امة أخرجت للناس والثالثة النفسية الخبيثة الحاقدة التي استحوذ عليها الشيطان وعصبية الجاهلية فتلقت الآية والتوجيه الذي حملته بازدراء وريبة ما لبثت هذه النفسيات الثلاث التي كانت تشكل المجتمع المدني في زمن حضرة النبي فيه وبفعل مرور الزمن ورحيل الرسول ( ص )  أن تنامت هذه الفئات وشكلت كل فئة من هذه الفئات مجاميع متصارعة في داخل جسد هذه الأمة، وإن كانت في بداية الأمر لم تظهر حجم الصراع المحتدم بقوة مثلما ظهر في يوم سقط الحسين مضرجا بدمه بسيف من يشهد إلا اله إلا الله وان محمدا رسول الله  ..

كان المجتمع المدني في حضرة النبي يتكون من عدة فئات، أو ما نسمية هذه الأيام أحزاب لكن وجود النبي أخر عملية إعلان كل فئة ( حزب ) عن نفسه حتى يوم السقيفة التي أبانت الانقسام المخيف في ذلك المجتمع، وهذه الحقيقة يستحيل إنكارها مطلقا فالمهاجرين أعلنوا عن نفسهم حينذاك ثم ما لبثوا أن تقسموا فئات الأولى أصحاب السقيفة من شكلوا الأئمة من قريش والثانية الإمام علي ومن معه والثالثة بنو أمية، والأنصار أعلنوا عن نفسهم وما لبثوا ان تشظوا فريق ابن عبادة وفريق من بايع أبو بكر  ..

تلك الفئات كانت في موضوع المودة لأهل البيت متدرجة في الهبوط وفي الصعود وكلما مرت الأعوام كان من تبنى بغض أهل البيت يتنامى حضوره بعد أن استفاد من انحراف الفئة الثانية التي ذكرناها عن معاني المودة عندما فسروها مجتهدين بالحب الوجداني وليس بالأحقية في الخلافة والحكم  ..

من خلال الانقسامات في تلقي توجيهات الله بالمودة في قربى الرسول، لاحظنا أن من قتل الحسين مباشرة هم الفئة الثالثة ومن سكت عن الدفاع عن الحسين وعن جريمة قتل الحسين واكتفى بالحوقلة والاسترجاع أو الاجتهاد في التأويل للقتلة بأنهم مجتهدون وان الحسين باغي فهم من دخل في أثم قتل الحسين بهذه الخزعبلات  ..

فاجعة كربلاء تتجدد في كل عصر ومجتمع وزمان فقد لحقتها فواجع قتل بني أمية لزيد بن علي وغيره من الأئمة، وقتل العباسيين للأولياء وبفظاعة اشد من فعل الأمويين وهلم جرا والسبب هو توارث المواقف والتفسيرات لدى القتلة المباشرين ولدى القتلة غير المباشرين  ..

اليوم ونحن نعيش مأساة كربلاء غزة وعشنا قبلها كربلاء مران وكربلاء عدوان التحالف العربي ولو أبعدنا القاتل الإسرائيلي من الوضعية سنجد بني أمية هم من قتل الحسين بن بدر الدين الحوثي ،ومن شن الحروب الست الظالمة ومن شن عاصفة الحزم ومن ساهم في إطلاق يد الصهاينة على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية بتواطئه بل ومشاركته المباشرة ومن اجتهد في تبرير المواقف المخزية لعربان الخليج وبعض الأنظمة العربية وصحح لهم جدوائية سكوتهم وتواطئهم وهذا يدخل ضمن القتل غير المباشر لكل مظلوم من الشعب الفلسطيني  ..

لا يعني تفريقنا هنا بين القتلة بكونهم مباشرين أو غير مباشرين أن يفهم منه أن القاتل المباشر للحسين السبط هو الذي خالف وصية المودة للقربى ويتحمل وزر هذه المصيبة بمفردة بل أن الوزر على غير المباشر يتوازى مع القاتل المباشر وقس على فاجعة كربلاء السبط كل كربلاء تتجدد في كل عصر ومكان ،أخوف ما نخافه اليوم أن يكون كاتب هذه السطور أو من يقرأ هذه الكلمات قد انزلق يوما ما أو في قضية ما في ارتكاب جريمة القتل غير المباشر عندما سولت له نفسه الخوض في التفسيرات والبحث عن المبررات لسكوته أو سكوت شعوب الأمتين العربية والإسلامية عن فاجعة كربلاء غزة أو انه إلى اليوم لا زال يبرر ليزيد بن معاوية جريمته وأعوانه المباشرين وغير المباشرين بأنه اجتهاد قد أخطئوا فيه فلهم أجر واحد لان مثل هذه التوجهات تعزز لكل يزيد في كل عصر أن يقتل حسين عصره، ويمر دون عقاب أو موقف معاداة لأنه اجتهد فأخطأ فالاجتهاد وإن كنا نعظمه وندعو إليه إلا انه لا يكون بتبييض صفحة الفاسقين الفاسدين الفاجرين كمن زعم أن النبي أمر بالسمع والطاعة للأمير وان جلد ظهرك واخذ مالك .. لان هذا الموروث يجعل من فاجعة كربلاء تستمر وتتجدد بفعل غباء المتفيهقين ومعطلي العقول عن البحث والإدراك  ..

والله من وراء القصد

اقرأ أيضا للكاتب:زيد البصيرة ..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى