كتابات فكرية

قمة الدوحة كشفت العدو الرئيسي للعرب لمن لا يعلم

قمة الدوحة كشفت العدو الرئيسي للعرب لمن لا يعلم

  • بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف 

الأربعاء 17 سبتمبر 2025-

على مدى عقودٍ طويلة، جرى تسويق سردية خطيرة مفادها أنّ “إيران هي العدو الحقيقي للعرب”، وأنّ “إسرائيل شريك سلام وأمان للمنطقة”. هذه السردية لم تولد من فراغ، بل صيغت بعناية في مراكز القرار بواشنطن وتل أبيب، وروّجت لها وسائل الإعلام الغربية والخليجية، ثم تحوّلت إلى قناعة زائفة لدى بعض الأنظمة العربية.

لكن ما حدث اليوم في الدوحة، حيث انعقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة عقب العدوان الصهيوني على دولة قطر، نسف هذه السردية من جذورها. فالبيان الختامي للقمة، الذي أدان العدوان الغادر على قطر واعتبره اعتداءً على الأمة بأسرها، أعاد توجيه البوصلة نحو الحقيقة: إسرائيل هي العدو الوجودي، وليست إيران.

إيران لم تفعل… وإسرائيل فعلت

للتذكير فقط:

إيران لم تهاجم الدول العربية، بل إنّ بعض الدول العربية هي من دعمت صدام حسين في حربه على إيران (1980–1988) بتمويلٍ وتسليحٍ وخطاب تحريضي واضح (انظر: تقارير بي بي سي عربي، 2016؛ الجزيرة نت، 2020).

إيران لم تعلن نيتها توسيع أراضيها على حساب الدول العربية، في حين أن إسرائيل نفذت فعليًا مشاريع ضم واستيطان منذ 1948 وحتى اليوم، بما في ذلك القدس والضفة الغربية والجولان.

إيران لم ترفض حدود سايكس–بيكو، بينما إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تحدد حدودها حتى الآن، وتبني استراتيجيتها على التوسع المستمر (انظر: Pappé, The Ethnic Cleansing of Palestine, 2006).

إيران لم تغيّر وجه الشرق الأوسط بالقوة، بينما إسرائيل دمّرت فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وغزة واليمن عبر اعتداءات متكررة، بدعم أمريكي وغربي مباشر.

إذن، العدو الذي قام بكل هذه الجرائم على الأرض ليس إيران، بل الاحتلال الصهيوني.

قمة الدوحة: سقوط الوهم

البيان الختامي الصادر عن القمة العربية الإسلامية في الدوحة (سبتمبر/أيلول 2025) كان واضحًا في بنوده العشرة: إدانة العدوان الإسرائيلي على قطر، واعتبار أمنها جزءًا من الأمن القومي العربي والإسلامي، دعم المقاومة الفلسطينية، والتأكيد على أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع.

هذا البيان يحمل دلالة استراتيجية خطيرة: سقوط الرواية الأمريكية–الإسرائيلية التي وُظفت لإشغال العرب عن عدوهم الحقيقي عبر خلق “بعبع إيراني”. لقد فشل المشروع، وها هي الأنظمة نفسها تعود لتجد أن الخطر الذي يطرق أبوابها ويقصف عواصمها ويستهدف سيادتها ليس إيران، بل إسرائيل.

واشنطن… الشريك غير الموثوق

العدوان على قطر، وما سبقه من خطوات أمريكية استباقية (زيارة نائب الرئيس الأمريكي لمسؤولين قطريين في نيويورك، سفر وزير الخارجية روبيو إلى تل أبيب، إعلان دعم مشاريع الضم والتهجير)، يوضح حقيقة أخرى: الولايات المتحدة لم تكن يومًا “الحليف الموثوق” للعرب.

حتى حلفاء واشنطن التقليديون في أوروبا (فرنسا، ألمانيا) بدأوا يتحدثون عن أمريكا كـ”شريك غير موثوق” منذ أزمة أوكرانيا، مرورًا بأزمات الطاقة، وصولًا إلى الملف الفلسطيني (Le Monde Diplomatique, 2023). فكيف للعرب أن يصرّوا على البقاء في بيت طاعتها؟

الخيارات أمام العرب

اليوم، السؤال الذي يفرض نفسه:

هل وعَت الأنظمة العربية أن إسرائيل هي العدو الحقيقي؟

هل وعَت أن أمريكا ليست شريكًا يعتمد عليه؟

هل آن الأوان لإعادة صياغة السياسات العسكرية والاقتصادية والتحالفات بعيدًا عن المنظومة الأمريكية؟

الإجابة لا تزال رهينة موازين القوى داخل النظام الرسمي العربي: محور الخليج المطبّع سيحاول التخفيف من لهجة المواجهة، بينما محور المقاومة سيضغط لفرض قرارات عملية مثل تعليق التطبيع ووقف تصدير النفط.

لكن المؤكد أن قمة الدوحة شكلت نقطة تحوّل: فقد سقط القناع عن إسرائيل، وانكشف زيف رواية “العدو الإيراني”. وما لم يترجم هذا الوعي إلى خطوات عملية (اقتصادية، عسكرية، دبلوماسية)، فإن القمم ستظل مجرد منصات للبيانات الرنانة.

الخلاصة

لقد دفعت قطر ثمنًا باهظًا لتكشف للعرب ما كان واضحًا منذ عقود: الاحتلال الصهيوني هو الخطر الوجودي على الأمة. أما إيران، فهي خصم سياسي يمكن التفاهم معه، ولم تُطلق يومًا صاروخًا على عاصمة عربية.

الدوحة اليوم أعادت رسم خارطة العداء والحلفاء:

العدو هو إسرائيل.

الشريك غير الموثوق هو واشنطن.

والحل يكمن في بناء تحالفات جديدة، خارج العباءة الأمريكية، لحماية الأمن القومي العربي والإسلامي.

المراجع:

BBC Arabic, حرب الخليج الأولى: كيف دعمت الدول العربية صدام حسين ضد إيران؟ (2016).

الجزيرة نت، إيران والخليج: محطات في العلاقات المتوترة (2020).

Ilan Pappé, The Ethnic Cleansing of Palestine, Oneworld Publications, 2006.

Le Monde Diplomatique, The US is no longer a reliable partner (2023).

البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية الطارئة – الدوحة، سبتمبر 2025.

اقرأ أيضا:القمم العربية والإسلامية في وعي المواطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى