كتابات فكرية

قراءة في مقال: ” فضيلة التداول السلمي للسلطة”

 قراءة في مقال: ” فضيلة التداول السلمي للسلطة”

  • حسن الدولة

الجمعة 25 ابريل 2025

 في مقاله الموسوم ب: “فضيلة التداول السلمي للسلطة” أكد القاضي “عبد العزيز البغدادي” على أهمية حكم الشعب نفسه بنفسه، عن طريق التداول السلمي للسلطة، باعتبار أن هذا التداول هو أهم الأسس الجوهرية التي تقوم عليها الديمقراطية، حيث تشمل هذه الأسس الجوهرية حكم الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة، وتعددية سياسية حقيقية (أحزاب سياسية)، ومن هذه الأسس أيضا الفصل بين السلطات مع استقلال القضاء، واحترام الحريات الأساسية وخاصة حرية التعبير.

 ويأتي التداول السلمي للسلطة كتتويج لهذه الأسس وضمانة عملية لحيوية النظام الديمقراطي، حيث يمثل الآلية التي تمنع احتكار السلطة وتجسد مبدأ المساواة بين القوى السياسية. كما يشكل التداول السلمي اختباراً حاسماً لمصداقية أي نظام ديمقراطي، فهو ليس مجرد إجراء شكلي بل جوهر العملية الديمقراطية الذي يحول دون تحولها إلى مجرد شعارات فارغة. هذه الرؤية لخصها القاضي عبد العزيز في أربع كلمات “فضيلة التداول السلمي للسلطة” مؤكدا في مقاله المذكور أنفا على أن التداول السلمي يمثل فضيلة سياسية وقانونية وأخلاقية، وطريقاً وحيداً للسلام بعيداً عن الصراعات الدموية على السلطة.

 وقد اعتبر القاضي عبدالعزيز هذه الفضيلة أنها الحل الجذري لأزمات العالم العربي، واليمنية بشكل خاص حيث بدأ بتشخيص المشكلة الأساسية المتمثلة في الصراع الدموي على السلطة الذي يغذيه خطاب زائف تارة باسم الوطنية وأخرى باسم الدين والأخير من وجهة نظره هو الأخطر يتستر خلف الواقعية أو الدين، بينما الحقيقة هي رغبة النخب في البقاء في الحكم بأي ثمن.

وحتى لا يظن البعض أنه يدعو لتقليد الغرب فأنه يشدد على أهمية التداول السلمي  عبر انتخابات حرة نزيهة وأن هذا الحق ليس حكرا على الغرب، بل هو مبدأ إنساني يجب تبنيه،  وينتقل لتحليل التجربة اليمنية بعد الوحدة عام 1990، حيث يرى أن غياب الديمقراطية الحقيقية هو الذي أدى إلى أن ينقلب الشريك القوي على الوحدة الاندماجية السلمية إلى وحدة ضم وإلحاق وعودة الفرع إلى الأصل حسب التعبير السيئ الذكر الذي أطلقه الذين عمدون الانفصال، عن طريق حرب صيف عام 1994م الظالمة سيئة الذكر التي قدمت ثلاثة أرباع مساحة اليمن للتوسعية الكبرى في طبق من ذهب.

وقد وفق المقال حين شدد على التداول السلمي للسلطة باعتباره أحد أهم ركائز الأنظمة الديمقراطية الناجحة، حيث يعتمد بشكل أساسي على إجراء انتخابات حرة ونزيهة تخضع لرقابة مستقلة وتتميز بالشفافية. هذه الانتخابات يجب أن تكون دورية وتتيح للمواطنين اختيار ممثليهم بحرية تامة، بعيداً عن أي تدخلات أو تزوير.

ونحن بدورها في هذه القراءة نؤكد أنه لكي نحقق فضيلة التداول السلمي للسلطة فإن من الضروري أن تغادر الجماعات المذهبية الساحة السياسية لتفسح المجال للأحزاب السياسية أن تتنافس برامجيا فيما بينها ، حيث تقدم كل حزب رؤيته في التي يجدها الأنجع للإصلاح السياسي والتعليمية والاجتماعي والصحي والاقتصادي..الخ . هذا التنافس الصحي هو وحده الذي يشكل ضمانة لعدم احتكار السلطة من قبل فئة واحدة، أو جماعة دينية أو عرقية أو جهوية، وهو وحده الذي يشجع على التداول السلمي للسلطة. كما أن وجود معارضة قوية وفعالة يلعب دوراً محورياً في مراقبة أداء الحكام وطرح البدائل السياسية.

وفي المقابل أيضا فإنه لا يمكن تحقيق التداول السلمي دون وجود مؤسسات دستورية قوية وفصل واضح بين السلطات (التشريعية والقضائية والتنفيذية والأمنية والقوات المسلحة ومؤسسات المجتمع المدني التي يتم شيطنتها ووأدها من قبل سلطات الواقع التي يسيطر عليها مليشيات مغتصبة للسلطة، مع ضمان استقلال القضاء الذي يعتبر حارساً للدستور وحامياً للحقوق. كما أن استقلال وسائل الإعلام وحرية التعبير تعد من العوامل الأساسية التي تضمن شفافية العملية السياسية وتتيح للمواطنين اتخاذ قرارات مستنيرة.

كما أن تعزيز الثقافة الديمقراطية بين المواطنين والقادة السياسيين على حد سواء يعد عاملاً حاسماً، حيث يجب ترسيخ مبدأ القبول بنتائج الانتخابات واحترام إرادة الناخبين، حتى عندما تكون النتائج غير مواتية لبعض الأطراف. كما أن مشاركة المجتمع المدني والمواطنين في الرقابة على العملية السياسية يسهم في تعزيز النزاهة والمساءلة.

على الرغم من التحديات التي تواجه بعض الدول في تطبيق هذه المبادئ، خاصة في البيئات التي تعاني من تراث استبدادي أو انقسامات مجتمعية عميقة، إلا أن التجارب الدولية الناجحة تثبت إمكانية تحقيق التداول السلمي عندما تتوفر الإرادة السياسية والبنية المؤسسية المناسبة. والنجاح في هذا المجال يتطلب عملاً متكاملاً يشمل الجوانب القانونية والمؤسسية والثقافية، مع التركيز على بناء الثقة بين مختلف مكونات المجتمع المدني.

 ونخلص مما سبق أن العلامة القاضي “عبدالعزيز البغدادي” يقدم في مقاله إلهان رؤية أخلاقية وسياسية واضحة: التداول السلمي فضيلة تفضي إلى السلام، بينما احتكار السلطة رذيلة تؤدي إلى الحروب. كما أنه يدعو إلى مراجعة نقدية لتجربة اليمن، معتبراً أن إنقاذ الوحدة يتطلب ميثاقاً وطنياً جديداً يقوم على التعددية والعدالة. كما أن المقال يطرح سؤالاً مهماً: (كيف يمكن تحقيق التداول السلمي في بيئة عربية تسيطر عليها العقلية العسكرية والقبلية؟ ) والإجابة تبدو صعبة في ظل غياب الإرادة السياسية وثقافة الديمقراطية، لكن الكاتب يؤكد أن البديل الوحيد هو استمرار الحروب والمعاناة.

اقرأ أيضا:الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب لـ صوت الشورى عن التداول السلمي للسلطة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى