كتابات فكرية

في ذكرى الرحيل.. الدكتور أحمد النهمي: الفكر الذي يتجاوز الزمن

في ذكرى الرحيل.. الدكتور أحمد النهمي: الفكر الذي يتجاوز الزمن

  • أمين الجبر

الثلاثاء10يونيو2025_

تمر خمس سنوات على رحيل المفكر اليمني الكبير الدكتور أحمد النهمي، وما زال صدى غيابه يذكرنا بفداحة الخسارة، ليس فقط على مستوى الشخصي، بل على مستوى المشروع الفكري الذي كرّس له حياته. كان النهمي أكثر من مثقف؛ كان رؤيويًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حمل هاجس الدولة المدنية الحديثة كقضية وجودية، ورأى فيها المنفذ الوحيد لليمن من دوامة التخلف والصراع. 

لم يكن النهمي مثقفًا منعزلًا في برج عاجي، بل كان عضوياً بالمعنى الغرامشي للكلمة: منغرسًا في هموم مجتمعه، حاملاً لقضايا الناس في فكره وسلوكه. تميز بقدرته النادرة على الجمع بين العمق الفلسفي والواقعية السياسية، فلم يكتف بالتنظير للدولة المدنية، بل سعى لتفكيك العوائق الاجتماعية والثقافية التي تحول دون تحقيقها. كانت كتاباته أشبه بصيحة تحذير: لا مستقبل لليمن دون عقد اجتماعي جديد يقوم على المواطنة المتساوية والقانون. 

  في زمن التحزّب والانغلاق الأيديولوجي، ظل النهمي نموذجًا للمفكر المستقل الذي لا يختزل في خانة ضيقة. كان يؤمن بالتعددية كشرط للحضارة، ويعتبر الاختلاف ثراءً لا تهديدًا. هذه الروح المتسامحة جعلت الجميع يرونه جزءًا منهم، دون أن يعني ذلك تنازله عن مبادئه. كان يرفض أن يكون تابعًا، لكنه لم يكن متعاليًا؛ فالحكمة عنده تكمن في القدرة على الحوار دون إذابة الذات في الآخر.   

اليوم، بينما يغرق اليمن في مستنقع الأزمات، تكتسب مقولات النهمي راهنية مؤلمة. فشعار “الدولة المدنية” تحوّل إلى مجرد أمنية بعيدة في ظل تصارع القوى  وتشظي الجغرافيا. لكن الفكر الحقيقي – كفكره – لا يموت بموت صاحبه؛ فهو يظل إما بذرة لتغيير قادم، أو مرآة تكشف حجم الانحدار. 

رحيل الجسد لا يقتل الأفكار، خصوصًا عندما تكون – كأفكار النهمي – أشبه بشمعة تُضيء دربًا لم يسلك بعد. فليست رحمته في ذكرانا له، بل في قدرتنا على استعادة جوهر مشروعه: اليمن الذي حلم به، والذين خانوا الحلم لم يقتلوه. 

“وتبقى الكلماتُ وحدَها شواهدَ على أننا كُنا هنا.. 

وأننا – رغم كل شيء – لم نكن ظلًا عابرًا” (من شعر النهمي).

الرحمة لروحه الطاهرة والخلود لأفكاره النيرة.

اقرأ أيضا للكاتب:مرثية الفكر والوجدان: في رحيل الرفيق ناجي الجوفي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى