في أربعينية الرفيق ناجي الجوفي (أبو قيس)

في أربعينية الرفيق ناجي الجوفي (أبو قيس)
- أمين الجبر
الأحد13يوليو2025_
يا رب… ما أقسى الكلمات حين تعجز عن حمل لوعة الفقد، وما أثقل الحزن حين يغوص في الأعماق كالسكين! يا لهول المصيبة التي تهزّ الروح، ويا لجسارة الخسارة التي تُذري الدمع صرعى أمام عظمة الفاجعة.
آهٍ يا زمنٌ قاسي… كيف تخطف الأعزاء من بين أيدينا بلا رحمة؟ كيف تختطف الطيبين دون سابق إنذار، وتترك القلوب جريحةً تئنّ تحت وطأة الفراق؟ إنه قدرُ الله المحتوم، نؤمن به رغم مرارته، ونخضع له إيمانًا واحتسابًا، ولو مزّق الأكباد.
فإذا كان المصاب جَلَلًا يُذهل العقول، والفاجعةُ تفوق طاقةَ الأحزان، والخطبُ فادحًا لا يُحتمل… فكيف للكلمات أن توفي حقَّ رفيقٍ كالرفيق ناجي؟ كيف للغة أن تعبّر عن سَوْرةِ الألم، أو تُترجِمَ لوعةَ الفقد؟ إنها عاجزةٌ أمام قامةٍ مثله، عاجزةٌ عن حملِ مآثرِ إنسانٍ بهذا العُلوّ.
ولكن… ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾… قدرٌ لا يُردّ، وحكمٌ لا يُستثنى منه أحد. فاللهمّ ارضَ، ولنرضَ، واجعلنا من الصابرين المحتسبين.
إنه الرفيق ناجي أحمد يحيى الجوفي… ذلك الحزبيّ المُنَظَّم، والإنسان الفذّ، والمناضل الصلب الذي لم يعرف الانكسار.
الرفيق العضويّ الملتزم: الذي تشبّع بالمبادئ منذ نعومة أظفاره، فكان شعلةً من الإيمان بالحرية والعدالة، عاش لها، وكافح في سبيلها، ولم يَخْنُقها رغم عواصف الزمن.
الإنسان المتزن: كان سِفينَةَ حكمةٍ في بحرِ الآراء المتلاطمة، يحترم المختلف، ويقدّر التنوّع، ولا يُغلّب الانتماء على الحقّ.
الحزبيّ الكفاحي: لم يكلّ ولم يملّ، حمل راية النضال في أحلك الظروف، وتقلّد المسؤوليات بجدارة، حتى آخر نَفسٍ في رئتيه.
الموظف النزيه: لم تُغْريه برستيج المناصب، ولا زخارف السلطة، فكان المثال الأخلاقي للقائد المتواضع، الذي يخدم بقلبه قبل وظيفته.
أما أنا…فقد ربطتني به علاقةٌ لا تشبه روابط الدنيا العابرة… علاقةٌ نضاليّةٌ صهرتها المعاناة، وأسّسها الفكر، وربطتها أيّامُ العمل السريّ. كان مُعلّمي الأول في مدرسة الاشتراكية، ورفيق دربي في زمنِ الحماس الثوري. وبينما ظلّ هو مُرابطًا في خندق الإيمان بأفكاره، وملتزما بمبادئ مدرسته، انطلقتُ أنا إلى آفاقٍ أخرى… جعلتني أتمرد على التأطير والتنميط الحزبي بعض الشيء، بل وأغادر تابوتية الايدولوجيا وتبوتقها، جراء بعض المراجعات والانخراط العلمي الأكاديمي المبكر، والذي منهج سعة الأفق، وحتم التجاوز واللاإحتواء..
لكنّ ذكراه تبقى نبراسًا يُضيء عتمة الدروب، وتعلم الإصرار والثبات، مهما كانت العواصف والتقلبات..
سلامٌ عليك يا أبا قيس…
فقد غِبْتَ عن أعيننا، لكنّك لن تغيبَ عن ضمائرنا.
اللهمّ اجعل الجنة مثواه، وألهم أهله ورفاقه الصبر والسلوان.
﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.
اقرأ أيضا للكاتب:أنثروبولوجيا الرغبة في اشتباك الغريزة مع المقدس
