كتابات فكرية

صفقة تبادل الأسرى بين حماس والاحتلال: مشروع تسوية أم تصفية للمقاومة؟

صفقة تبادل الأسرى بين حماس والاحتلال: مشروع تسوية أم تصفية للمقاومة؟

صفقة تبادل الأسرى بين حماس والاحتلال: مشروع تسوية أم تصفية للمقاومة؟

  • بقلم الدكتور : عبدالرحمن المؤلف

الأحد29يونيو2025_

وسط اشتعال المواجهة في غزة، وتواصل التوترات الإقليمية، تتسرب من أروقة المفاوضات الجارية في المنطقة، أنباء عن مبادرة تقودها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر مبعوثه الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، تهدف إلى إبرام صفقة تبادل أسرى بين حركة حماس والاحتلال الصهيوني. لكن ما يبدو في ظاهره إنسانيًا قد يخفي بين سطوره محاولة عميقة لإعادة تشكيل المشهد الفلسطيني وتصفية مشروع المقاومة برمّته.

معالم الصفقة المقترحة: بين العفو والتهدئة ونزع السلاح

تشير المعلومات المسرّبة إلى أن الصفقة تتضمن عدة بنود بالغة الخطورة، منها:

1. حصول رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على عفو دولي من التهم الموجهة إليه في المحكمة الجنائية الدولية بعد المجازر المرتكبة في غزة، مقابل تسهيلات تفاوضية وإعلامية

2. توسيع دائرة اتفاقيات التطبيع ضمن ما يُعرف بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية”، لتشمل دولًا كالسعودية ولبنان وسوريا والسودان، رغم المعارضة الشعبية العارمة في هذه البلدان، وتعقيدات الملفات السياسية الداخلية والإقليمية، خاصة في لبنان وسوريا.

3. إخراج حركة حماس من المشهد السياسي في غزة، مقابل رفع الحصار وإعادة الإعمار، وتشكيل إدارة دولية أو محلية لإدارة القطاع، مع شرط جوهري: أن تكون غزة منزوعة السلاح بشكل كامل.

4. توقيع اتفاق هدنة وليس إنهاء للحرب، ما يُبقي الباب مفتوحًا أمام الاحتلال لمواصلة سياسة “الاغتيالات الفردية” بحق قيادات المقاومة بعد تنفيذ الصفقة، وفقًا للنموذج اللبناني.

الاحتمالات الواقعية: قبول أم رفض؟

رغم الضغوط السياسية والعسكرية، تبدو احتمالات قبول حماس بهذه الصفقة ضعيفة، لأسباب جوهرية:

الصفقة تعني فعليًا انتحارًا سياسيًا وعسكريًا لحماس، إذ لا ضمانات تكفل سلامة قادتها، ولا مؤشرات على التزام الاحتلال باتفاقات سابقة.

التجارب التاريخية تُثبت أن نزع سلاح أي فصيل مقاوم في المنطقة يفضي إلى الاجتثاث لاحقًا، كما حدث مع منظمة التحرير بعد اتفاق أوسلو (راجع: Finkelstein, Image and Reality of the Israel-Palestine Conflict, Verso, 2003, p. 204–215).

الشارع الفلسطيني رافض تمامًا لأي مشروع تفريط في السلاح أو السيادة، خاصة بعد مئات الآلاف من الشهداء والتضحيات التي دفعت من أجل الحفاظ على حق المقاومة.

السيناريوهات المحتملة

1. الرفض الكامل للصفقة:

تُواصل المقاومة تمسكها بسلاحها، ويقتصر التفاوض على صفقة تبادل إنسانية محدودة، تشمل الأسرى المدنيين مقابل هدنة مؤقتة، دون بنود سياسية موسعة.

2. مناورة سياسية من حماس:

قد تُظهر الحركة مرونة تكتيكية في بعض البنود، دون التفريط بسلاحها أو سلطتها، مستغلة تراجع مكانة الاحتلال سياسيًا وعسكريًا.

3. الانهيار الداخلي للاتفاق:

نتنياهو يواجه أزمات داخلية عميقة، والجيش يعارض تقديم “تنازلات مجانية”، ما قد يؤدي إلى إجهاض المبادرة قبل اكتمالها.

الاحتلال يسعى لتصفية الحسابات الإستراتيجية

وفقًا لتقارير عديدة (انظر: International Crisis Group, Middle East Briefing No. 91, May 2024)، فإن أهداف الاحتلال من هذا الطرح تتجاوز مسألة الأسرى إلى ما يلي:

تفكيك البنية العسكرية لحماس، ومنع إعادة تسليحها.

إنهاء أي تهديد إيراني أو مقاوم في غزة مستقبلاً.

تهيئة الأجواء لإنهاء القضية الفلسطينية على قاعدة الأمر الواقع، بعد القضاء على الداعمين الإقليميين (إيران، حزب الله، فصائل المقاومة العراقية واليمنية).

خاتمة: مناورات ما بعد الحرب

في ضوء هذه المعطيات، تبدو الصفقة المقترحة محاولة أمريكية – صهيونية لترميم الانهيار السياسي والعسكري للاحتلال، بعد عجزه عن تحقيق نصر ميداني في غزة. المقاومة بدورها، لا تمانع التفاوض على أسس إنسانية أو أمنية، لكن ليس على حساب إستراتيجيتها ولا وجودها.

إن ما يجري اليوم ليس مجرد صفقة أسرى، بل مواجهة بين مشروع مقاومة ومشروع تصفية. وحماس، كما يُفهم من رسائلها السياسية والميدانية، لن تكون شريكًا في مشروعٍ يراد منه أن ينقلب على تضحيات شعبها وقضيتها.

 اقرأ أيضا :كيف استخدم الموساد بصمة الصوت والذكاء الاصطناعي في اغتيال العلماء والقادة الإيرانيين؟

الصورة ارشيفية من صفقة تبادل سابقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى