كتابات فكرية

خنق النفس الطويل .. كيف يمكن لليمن قلب الطاولة على واشنطن وحلفائها؟

خنق النفس الطويل .. كيف يمكن لليمن قلب الطاولة على واشنطن وحلفائها؟

بقلم الدكتور: عبد الرحمن المؤلف

الأربعاء 20 أغسطس 2025_

منذ عقدٍ كامل، واليمن يواجه أعتى تحالف إقليمي ودولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، مدعوماً بالسعودية والإمارات وبدور غير مباشر من “إسرائيل”. ورغم هذا الحصار الخانق والآلة العسكرية المتفوقة، صمدت صنعاء وأعادت صياغة معادلات القوة الإقليمية، حتى باتت التهديدات اليمنية لباب المندب والبحر الأحمر ورقة ضغط استراتيجية لا يمكن تجاهلها.

اليوم، تتحدث واشنطن وبعض مراكز التفكير الغربية عن “استراتيجية النفس الطويل” تجاه اليمن: سياسة تقوم على استنزاف القدرات الداخلية، تشديد الضغط الاقتصادي، إشعال الأزمات الداخلية، ومحاولة ضرب الشرعية الشعبية للسلطة القائمة في صنعاء. لكن، هل هذه الاستراتيجية قابلة للنجاح؟ أم أن اليمن قادر على قلب المعادلة؟

اليمن: موقع جغرافي يساوي “وزن قارة

الجغرافيا وحدها كافية لتفسير القلق الأمريكي. فاليمن يتحكم بأحد أهم الممرات المائية في العالم: باب المندب، الذي يربط آسيا بأفريقيا وأوروبا، وتتحرك عبره يومياً أكثر من 10% من تجارة النفط العالمية (EIA, 2023). أي اضطراب في هذا الممر ينعكس فوراً على الأسواق العالمية، كما حدث حين هددت العمليات اليمنية خطوط الملاحة المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي في 2024.

كسر الاستراتيجية: من الداخل إلى الخارج

1) صلابة الداخل: اقتصاد مقاوم وخدمات حيوية

تجربة الحصار منذ 2015 أثبتت أن المجتمع اليمني يمتلك قدرة تكيف استثنائية. الخطة التي طرحتها مراكز أبحاث يمنية تركز على “اقتصاد معيشي-مقاوم”: دعم إنتاج القمح والزراعة المطرية، بناء مخزونات إستراتيجية، وتوزيع السلع عبر بطاقات ذكية تمنع التلاعب (مركز الدراسات السياسية – صنعاء، 2024). إضافة إلى ذلك، يمكن لحلول الطاقة اللامركزية (محطات صغيرة، طاقة شمسية) أن تضمن استمرارية الخدمات الأساسية وتكسب الشرعية الشعبية.

2) أمن الدولة: سد نوافذ الاختراق

واشنطن وحلفاؤها يدركون أن أخطر ثغرة في اليمن هي الهندسة الاجتماعية والتجسس. لذلك يوصي الخبراء بإنشاء فرق مشتركة (أمنية وقضائية ورقمية) لمراقبة “غرف الشائعات”، إلى جانب حملات تثقيف مجتمعية تشرح للناس كيف يُصنع الجاسوس وكيف تُدار الشائعة (د. عادل المسعودي، “الأمن السيبراني في النزاعات غير المتكافئة”، 2023).

3) الردع الذكي: A2/AD يمني

اليمن أثبت أنه يمتلك قدرات ردع غير متماثلة: طائرات مسيرة وصواريخ بعيدة المدى يمكنها تعطيل منشآت استراتيجية سعودية أو إماراتية، ما يجعل أي تصعيد عسكري مكلفاً (مجلة Jane’s Defence, 2024). مبدأ “التصعيد المحسوب” يضمن بقاء الردع فعالاً دون الانزلاق إلى حرب شاملة.

4) باب المندب: ورقة قوة لا ورقة تهور

أهم ما يمكن لليمن فعله هو ربط أمن الملاحة العالمية بأمن المدنيين اليمنيين والفلسطينيين. مبادرة “سلامة الملاحة مقابل سلامة المدنيين” ستضع واشنطن في مأزق أخلاقي ودبلوماسي، وتجبرها على الاعتراف بأن أمن التجارة الدولية لا يمكن فصله عن حقوق الشعوب (مجلس الأمن الدولي – تقرير الملاحة، 2024).

5) الدبلوماسية والقانون الدولي

في ظل محاولات العزل السياسي، يمكن لصنعاء استثمار قنوات الوساطة العُمانية وتوسيع الشراكات مع آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، بعيداً عن قبضة العقوبات الأمريكية. كما أن رفع ملفات انتهاكات الحصار أمام المحاكم الأوروبية والأممية يمثل أحد مسارات “Lawfare” القادرة على تغيير الكلفة السياسية والقانونية للعدوان (European Center for Constitutional and Human Rights, 2023).

السيناريوهات المحتملة وطرق المواجهة

الحصار الاقتصادي → يواجه باقتصاد معيشي مقاوم ومخزونات أساسية.

نموذج عدن كإغراء بديل → يواجه بتحسين خدمات ملموسة في صنعاء وإظهار هشاشة “النموذج”.

تفجير داخلي مُدار → يواجه بأمن أحياء، وساطة قبلية، وقوانين رادعة.

تصعيد عسكري → يواجه بردع غير متماثل مدروس.

حرب إعلامية → يواجه بغرفة رواية موحدة، ومتحدثين محترفين، وسرعة في تفنيد الشائعات.

الخلاصة: “النَفَس الطويل” قد ينقلب على أصحابه

الاستراتيجية الأمريكية-السعودية القائمة على الاستنزاف قد تبدو نظرياً مغرية، لكنها تتجاهل حقائق الميدان: اليمن اعتاد الحصار، ونجح في تحويل نقاط ضعفه إلى أدوات صمود. ومع إدارة ذكية للجغرافيا (باب المندب)، الاقتصاد (المعيشي المقاوم)، والأمن (مكافحة الاختراق)، يمكن لليمن أن يحوّل “النَفَس الطويل” إلى استنزاف عكسي للخصوم، حيث ينهار التحالف السياسي قبل أن يحقق أهدافه العسكرية.

المراجع

U.S. Energy Information Administration (EIA), “World Oil Transit Chokepoints”, 2023.

Jane’s Defence Weekly, “Yemen’s Drone and Missile Capabilities”, 2024.

European Center for Constitutional and Human Rights (ECCHR), “Blockade as a War Crime”, 2023.

مجلس الأمن الدولي، تقرير الملاحة في البحر الأحمر، 2024.

مركز الدراسات السياسية – صنعاء، “آليات الاقتصاد المقاوم في ظل الحصار”، 2024.

المسعودي، عادل. “الأمن السيبراني في النزاعات غير المتكافئة”. بيروت: دار الفارابي، 2023.  

اقرأ أيضا:طريق القــدس .. نحو تحالف إسلامي إنساني لإنقاذ غـــــزة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى