كتابات فكرية

خطة ترامب بشأن غزة: إعمار بمالٍ عربي ـ تفكيك المقاومة ـ سيادة منقوصة

خطة ترامب بشأن غزة: إعمار بمالٍ عربي ـ تفكيك المقاومة ـ سيادة منقوصة

بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

الاثنين 29 سبتمبر 2025-

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية (2025/8/20) تقريرًا يتضمن خطة من 21 نقطة يُزعم أنها مقترحة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة. وعلى الرغم من أن الخطة لم تُعتمد رسميًا بعد، فإنها تكشف ملامح رؤية واشنطن لشكل غزة القادمة: مزيج من الترتيبات الأمنية والسياسية والاقتصادية، يقوم على إخراج إسرائيل من عبء الإدارة المباشرة للقطاع، وتفويض “العمل القذر” إلى أطراف عربية ودولية.

أبرز بنود الخطة

وفق التقرير، تتضمن الخطة وقفًا فوريًا لإطلاق النار، إطلاق سراح الرهائن، تدمير أسلحة حماس، وإتاحة “مرور آمن” لعناصرها إذا استسلموا. كما تقترح إنشاء إدارة انتقالية من فلسطينيين وخبراء دوليين، مع نشر قوة دولية لحفظ الأمن، وانسحاب إسرائيلي تدريجي مع بقاء صلاحيات أمنية في محيط غزة.

وتشمل البنود كذلك ضخ مساعدات إنسانية، ضمان حق العودة لمن يغادرون مؤقتًا، ربط العملية بمسار نحو “دولة فلسطينية مستقبلية”، وإشراف دولي على إعادة الإعمار.

أين تكمن الإشكاليات؟

1. انسحاب إسرائيلي بلا مسؤولية

الخطة تُحرّر الاحتلال من عبء إدارة غزة وإعادة إعمارها، مع تفويض التكلفة إلى المانحين العرب والدوليين. بينما يتفادى الاحتلال أي اعتراف بمسؤوليته كقوة محتلة عن الدمار.

2. نزع سلاح المقاومة كشرط أولي

الشرط المركزي في الخطة هو تدمير قدرات حماس العسكرية، أي تصفية المقاومة المسلحة قبل أي مسار سياسي. وهو ما يعيد إنتاج التجارب الفاشلة التي جُرّبت سابقًا في الضفة الغربية.

3. إدارة انتقالية تحت سقف الاحتلال

الخطة تطرح هيئة انتقالية بمشاركة فلسطينيين “مؤهلين” وخبراء دوليين. لكنّ الاحتلال، خاصة بتركيبته اليمينية الحالية (نتنياهو، بن غفير، سموتريتش)، يرفض أي عودة للسلطة الفلسطينية أو أي كيان ذي سيادة حقيقية. ما يعني أن الإدارة المقترحة ستكون شكلية، تعمل تحت قيود الاحتلال.

4. قوة دولية محل نزاع

الاحتلال يعارض نشر أي قوة عربية أو أممية بصلاحيات أمنية داخل غزة، خشية أن تتحول إلى رادع لتدخلاته العسكرية. وبالتالي، قد تُفرغ الفكرة من مضمونها لتتحول إلى بعثة مراقبة بلا فعالية.

5. تغييب الفلسطينيين عن القرار

الخطة تتعامل مع غزة باعتبارها ملفًا إداريًا – أمنيًا، لا قضية شعب يسعى لتقرير مصيره. إذ تُقصي حماس تمامًا، وتُهمّش أي دور حقيقي للقيادة الفلسطينية، بينما يُترك تقرير مستقبل القطاع للدول الكبرى والمانحين.

قراءة مقارنة: واشنطن، الاحتلال، العرب

واشنطن: تريد إنهاء الحرب بسرعة، تحييد غزة أمنيًا، وفتح الباب لتسوية سياسية تُسجَّل كإنجاز انتخابي لترامب.

الاحتلال: يسعى إلى غزة ضعيفة بلا مقاومة، بلا سلطة فلسطينية، وبلا كيان سياسي موحد، مع احتفاظه بحرية العدوان متى شاء.

العرب: يُستدرجون لتحمّل فاتورة الإعمار وتمويل سلطة انتقالية، بينما يُطلب منهم القيام بمهمة “تفكيك المقاومة” نيابة عن الاحتلال.

الخلاصة: خطة لتصفية لا لتسوية

الخطة كما نشرتها واشنطن بوست تبدو في ظاهرها “خريطة طريق إنسانية وسياسية”، لكنها في جوهرها تعيد صياغة الصراع:

إعمارٌ بأموال عربية ودولية،

إدارة انتقالية شكلية بلا سيادة،

نزع للمقاومة المسلحة،

وبقاء اليد الأمنية والعسكرية للاحتلال.

إنها وصفة لتخفيف أعباء الاحتلال، لا لإنهاء الاحتلال نفسه. ما لم يُشترط تحميل إسرائيل مسؤولية الدمار، وتثبيت حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، فإن هذه الخطة قد تكون مجرّد مسرحية سياسية جديدة هدفها تسجيل النقاط الانتخابية في واشنطن، وتثبيت الهيمنة الإسرائيلية في غزة والشرق الأوسط.

  أبرز بنود خطة ترامب بحسب واشنطن بوست

1. وقف فوري لإطلاق النار

تبدأ الخطة بوقف عسكري فوري، كخطوة أساسية لبدء تنفيذ باقي البنود.

2. إطلاق جميع الرهائن الأحياء وإرجاع رفاة الضحايا

تتضمن الخطة إطلاق سراح جميع الرهائن الذين ما زالوا أحياء خلال 48 ساعة، وإعادة رفاة الضحايا.

3. تدمير الأسلحة الهجومية لحماس

جزء من الخطة يتطلّب تدمير القدرات الهجومية لحركة حماس، بما في ذلك الأسلحة والبنى التحتية العسكرية.

4. العفو أو المرور الآمن لأعضاء حماس

تقترح الخطة تقديم خيار عفو أو مرور آمن لأعضاء حركة حماس، شرط الإفصاح عن استسلامهم أو تعاونهم مع السلطة الانتقالية.

5. هيكل حكم مؤقت لغزة بقيادة فلسطينيين وخبراء دوليين

تقترح الخطة إقامة إدارة انتقالية مؤقتة لغزة تضم فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، بدعم من هيئة دولية جديدة.

6. قوة دولية للتثبيت الأمني

إدخال قوة دولية (استقرار / حفظ سلام) للإشراف على أمن غزة، بينما تتراجع إسرائيل تدريجياً إلى دور “حضور محيطي محدود”.

7. انسحاب إسرائيلي تدريجي مع الحفاظ على بعض الصلاحيات الأمنية

إسرائيل ستنسحب تدريجيًا، لكنها ستحتفظ بصلاحيات أمنية في محيط غزة كمنطقة دورية مراقبة أو احتياطية.

8. إطلاق المعونات الإنسانية والبنى التحتية فورًا

تدشين ضخ مساعدات إنسانية وإعادة تأهيل البنى الأساسية (الماء، الكهرباء، الطرق) تحت إشراف الأمم المتحدة والجهات الدولية.

9. عدم إجبار السكان على مغادرة غزة

الخطة تُشير إلى أن السكان لن يُجبروا على مغادرة المنطقة، وإنما يُعرض عليهم خيار مؤقت بالمغادرة سعيًا لتسهيل إعادة البناء.

10. حق العودة واحتفاظ بالملكية

من الذين قد يغادرون مؤقتًا يُضمن لهم حق العودة في وقت لاحق، والحفاظ على حقوقهم في الملكية أو تعويضها.

11. ربط الخطة بمسار دولة فلسطينية مستقبلاً

الخطة تشير إلى أن إكمال الإصلاحات والتنمية قد يمهّد لتسوية سياسية تؤدي إلى دولة فلسطينية تُقرّ في نهاية المطاف.

 اقرأ أيضا للكاتب:بين شعارات التحرير وترتيبات المصالح: أردوغان وترامب.. ثورة أم نفاق سياسي؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى