كتابات فكرية

حرض كمدينة تحول تاريخي

 حرض كمدينة تحول تاريخي

  • عبدالرحمن مراد

الجمعة 19 ديسمبر 2025-

منذ شن العدوان السعودي الأمريكي غاراته على اليمن في مارس 2015م الى اليوم، برزت قضايا كثر في مسرح الاحداث والتفاوضات السياسية ولعل أبرز قضية التي غفل عنها الاعلام وغفل عنها الملف الإنساني في كل مؤتمراته التي عقدت في العديد من الدول هي قضية الجغرافيا الشمالية التي تضم جزء من مديرية حرض, وميدي, ومديرية حيران, هذه المساحة الجغرافية أصبحت مناطق محاصرة في مربعات.

مليشيات العدوان أو ما تسمى الشرعية، لا تستطيع تقديم أي خدمات لسكان هذه الرقعة إلا عبر السعودية , والحكومة الوطنية بصنعاء لا تستطيع الوصول اليها بحكم السيطرة العسكرية والأمنية للقوات الموالية للسعودية. , وأصبحت تلك الرقعة في حصار مطبق بين عدو يتربص بها الدوائر من الشمال وبين ترقب وحسابات عسكرية من الجنوب والغرب والشرق , فكان الحصار على سكان تلك الرقعة مؤلما وقاسيا , وترك معاناة كبيرة على سكان تلك المناطق , وعلى مدى سنوات الهدنة ظل الخوف والتربص هو المسيطر على كل الاطراف فكان الانسان هو الضحية ,و لا نرى مبررا عسكريا لبقاء الحال على ما هو عليه , إذ لا مصلحة للمليشيات التابعة للسعودية من بقائها في تلك المناطق , ولا مصلحة عسكرية لها حاليا .

وأصبح الملف الحاضر هو ملف التفاوض , والفكرة السائدة هي الوصول الى تسوية سياسية في اليمن ,وفق المتداول في الخطاب السياسي والاعلامي , كما أن خوف السعودية أيضا ليس مبررا منطقيا , فحرض وميدي لا يشكلان إلا جزء بسيطا من جغرافيا الحدود مع السعودية , وما يزال الجزء الأكبر على خط التماس مع صنعاء وهو مفتوح على الخيارات العسكرية وقد دلت سنوات المواجهة بين اليمن والسعودية على ذلك .

السعودية وفق كل المؤشرات السياسية لم تعد ترغب في النزاعات في اليمن وتميل الى تسوية سياسية تضمن لها الاستمرار في تنفيذ مشروعها الاقتصادي والحضاري , ولا خيار أمامها اليوم سوى ابداء حسن النوايا في ذلك ,من خلال سحب مرتزقتها من حرض وميدي وحيران وتطبيع الحياة في تلك المناطق, وتعويض سكان حرض والمهجرين قسريا من ديارهم التعويض المرضي نظير التدمير الذي لحق بالناس وبالحياة , وفتح منفذ الطوال حتى يخفف من معاناة المغتربين اليمنيين في ديارها ,هذه الخطوة ستعطي صنعاء طابع إيجابي للتعاطي مع كل المبادرات الانسانية وعلى التعاون مع مثل هذه المبادرات بما يكفل حسن الجوار ومصالح البلدين من باب لا ضرر ولا ضرار وفق القاعدة الفقهية في المصالح المرسلة .

لا يمكن لصنعاء أن تثق في السعودية طالما والأخيرة هي تصر على معاناة الناس وإذلالهم ولا تبدي حسن النوايا الصادقة في رفع المعاناة , فالقضية العسكرية والأمنية لم تعد ذات قيمة بعد أن تطورت تكنولوجيا الحرب اليوم , وبعد أن وصل الانسان المعاصر الى أسلحة متطورة تحارب فيها التقنيات والخوارزميات بدل الانسان , وبدل أن أصبحت الأسلحة تعمل بتقنية التحسس الحراري , وأصبح حركة الأنسان على هذا الكوكب مراقبة بالأقمار الصناعية , فالطرق التقليدية للحروب لم تعد كما كانت في سالف العصر والأوان .

تطبيع الحياة وعودة النازحين والمشردين الى الحدود الشمالية لليمن قضية جوهرية بالنسبة لليمن , ولها أهميتها , ولن يتحقق ذلك إلا بقرار سعودي يشعر اليمن بالنوايا الصادقة للجارة التي خاضت حربا عبثية في اليمن لم تحقق منها شيئا مذكورا سوى جروح غائرات في النفس , ودموعا تجرح مآقي الناس ممن تربطهم روابط متينة من القربى والدين ووحدة التاريخ والثقافة والانسان واللغة , على النظام السعودي ان يعي أن اليمن ليست عدوا ولكن للسياسة حساباتها، وهي في الغالب حسابات لا تصب في مصلحة الشعوب بل في مصالح الأنظمة التي ترتبط بشكل أو بآخر مع مصالح دولية , فالعدوان السعودي على اليمن وفق كل المقاييس الدولية في العلاقات بين الدول لم يكن لمصلحة السعودية مطلقا , ولو كان في مصلحة السعودية لذهبت اليمن الى الخيار القديم الذي قاله الإمام يحي حميد الدين للملك عبدالعزيز كما رواه العرشي في كتاب “نيل الوطر ” بعد النزاع على المناطق الجنوبية التابعة تاريخيا لليمن وهي نجران وجيزان, أو ما يسمى تاريخيا المخلاف السليماني عام 1934م , أثناء  حركة توسع الدولة السعودية في القرن العشرين بدعم من بريطانيا حيث قال الامام يحي : لو نازعني عبدالعزيز على عمامتي هذه لما حاربته عليها , لكن القضية كانت استراتيجية استعمارية بحتة لها امتدادها من جنوب اليمن الراضخ وقتذاك لبريطانيا ورغبة تحريره من قبل المملكة المتوكلية اليمانية حتى وصلت القوات المدعومة من الامام الى شبوة ولحج , واليوم حاول التاريخ أن يعيد إنتاج نفسه على شكل ملهاة ومهزلة ولم يحقق شيئا يذكر كما سلف معنا القول .

ندعو النظام السعودي للعودة الى العقل، خاصة بعد كل التطورات التي تحدث في جنوب الوطن وهذا هو لخيار الأمثل، كما أن السعودية تعلم العلم اليقين أنها فقدت مفردات السيطرة على مقاليد الامور في الجنوب وتعلم أن الامارات تلعب لعبة خطيرة في تلك المحافظات ومن وراء الأمارات بريطانيا وامريكا والحركة الصهيونية العالمية، وهي اليوم على يقين مطلق أن لا خيار للأمة سوى مقاومة المشروع الصيوأمريكي في المنطقة حتى تتمكن الأمة من استعادة سيادتها وقرارها على أرضها، وتكون أمة مؤثرة في مجرى الاحداث لا متأثرة به.

صنعاء اليوم بعد كل تلك الاحداث التي عصفت بالمنطقة تمثل قوة ردع لا يمكن الاستهانة بها وهي تشكل عمقا استراتيجيا للسعودية , والخيار الأمثل للسعودية بعد تلك التطورات هو تطبيع العلاقات مع صنعاء وابداء حسن النوايا وتعويض اليمن وأهله من حماقات العدوان , ولململة الجراح ورص الصفوف لمواجهة أعداء الأمة , وكل ذلك يبدأ من الحدود الجنوبية , والحدود الجنوبية مسار تاريخي كان نقطة تحول في القرن العشرين , ونأمل أن يكون نقطة تحول في القرن الواحد والعشرين وعلى ساسة الأمة أن يدركوا ذلك , وهذا رأي شخصي لا يمثل سوى كاتبه , ويأمل كاتبه أن يكون قبسا يضيء الطريق الى العزة والكرامة والعزة والوحدة وبما يحقق مصالح الأمة المرسلة.

اقرأ أيضا: جنوب اليمن بين الاستعمار المباشر والاستعمار بالوكالة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى