القرار الأهم .. تحقيق السلام وإعادة اللحمة في اليمن

القرار الأهم .. تحقيق السلام وإعادة اللحمة في اليمن
- حسن الدولة
الأربعاء9يوليو2025_
يقال انه “إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره: سلب ذوي العقول عقولهم” وقد علمنا ديننا بأن لا نلقي بأيدينا إلى التهلكة، وان ندخل في السلم كافة، وأن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، وضرب لنا مثلا بابن آدم عليه السلام الذي تقبل الله منه عمله إذ قال لأخيه: (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين).فنحن عاجزون عن صرف مرتبات الموظفين، ومعاشات المتوفين وأبناء الشهداء، فالأولى أن نحقق السلام في اليمن ونعيد اللحمة وننهي الانقسام ونعيد لليمن لحمته، أما غزة فهي مسؤولية الدول العربية والإسلامية جميعا، وعلينا أن نعتبر بما جرى للأقوام من قبلنا فكفى عبثا بالوطن.
وقد قيل أن من السهل اتخاذ قرار الحروب ، لكن من الصعب إيقافها ولدينا مثال حي وهو ما قررته قيادات حماس الداخل دون تنسيق أو تشاور مع قيادات حماس في الخارج ومع بقية الفصائل الفلسطينية ، ومع محور المقاومة، لأن ما اتخذته من قرار يخص مصير فلسطين ومع ذلك أحرجت حزب الله الذي فضل خيار الإسناد، وقد أعلنت إيران أنها تفاجأت بيوم ٧ أكتوبر ،وصنعاء كذلك أعلنت أنها لم تكن على مسبق بمعركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، كذلك نلاحظ أن حماس منذ ذلك اليوم وهي تطالب بوقف الحرب وذلك بسبب وحشية جيش الاحتلال وحرب الإبادة الجماعية التي يمارسها ضد النساء والأطفال ،والكيان الغاصب يراهن على طول أمد الحرب بغية تهجير سكان غزة والاستمرار في القتل وتدمير المنازل ، أقول هذا لأننا في يمن الحكمة والإيمان نسمع ونرى من يحاول جر اليمن في حرب غير متكافئة، والله سبحانه يقول : ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، وخاصة أننا نعيش في أتون في لحظات اشتداد فيها العواصف، لا تقاس الشجاعة باستدعاء الحروب وتحدي من هم أقوى منا سلاحا وعتادا بل بمن هو أكثر قدرة على رؤية ما وراء الغبار والدخان، واتخاذ القرار الذي ينقذ شعبهم، وحقن الدماء وحفاظًا على العمران.
هكذا يُصنع القادة عبر التاريخ؛ فلم تكن البطولة تعني دوما المواجهة بالسيف والتحدي، والمثل يقول: “اثنان غلبوا جيد” و”أن مغالبة الغالب نقصان في العقل” بل أحيانا، يكون التراجع المحسوب بدقة هو الشجاعة التي تفضي إلى تجنب الدماء والدمار، والبطل هو من يقبل السلام – مهما كانت شروطه مجحفة – حين يكون ثمن الرفض أكبر من ثمن القبول.
ولدينا في التاريخ العبر فقد ضرب الله لنا ب :ملكة سبأ” التي تلقت رسالة من نبي الله سليمان عليه السلام، وفيها ما يمكن اعتباره تهديدًا مبطنًا، لم تسلك طريق الحرب، رغم أن قومها قالوا لها: ” نحن أولو قوة وأولو بأس شديد، والأمر إليكِ فانظري ماذا تأمرين”. لكنها كانت تدرك عواقب استعداء من لا طاقة لها بتحديه، فقالت قولتها الخالدة التي ذكرها القرآن على لسانها : “إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون”. فاختارت المسار السلمي، فنجت ونجا شعبها، بل وتحول اللقاء إلى هداية إلى دين الإسلام لا مواجهة.
وكذلك فعل الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحابته المنتجبين ،حين جلس إلى سهيل بن عمرو وقَبِل بشروط صلح الحديبية التي رأى فيها بعض الصحابة إجحافًا، لم يكن يُساوم على الدين، بل كان يشتري عشر سنوات من السلام لبناء مجتمع أقوى. ورغم اعتراض عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد تبيّن لاحقًا أن هذا الصلح كان فتحًا مبينًا ومقدمة لانتصارات لاحقة، وتحولاً في ميزان القوى.
وكذلك فعل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، حين قبل بالتحكيم مع معاوية بن أبي سفيان، رغم أن النصر كان قاب قوسين أو أدنى على يد مالك الأشتر. فقبل الإمام علي التحكيم من موقف قوة لا من موقف ضعف، حرصًا على وحدة الأمة وحقن دماء المسلمين، حتى وإن كان يعرف أن الخديعة جزءا من الاتفاق، حيث اختار محكما غير أبي موسى وهو عبدالله بن عباس ، لان السلام يحتاج إلى التضحية حيث لا تقاس الانتصارات بما يجري أو يجري في الميدان، بل بما يُحفظ الدين والنفس والعقل، والمال وهي ما تعرف في الشريعة الإسلامية بالكليات الخمس.
وإذا خرجنا من التاريخ الإسلامي إلى التاريخ العالمي، لنستفيد من العبر عملا بقوله سبحانه: (قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) [الأنعام ١١] وقوله سبحانه: (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين) [آل عمران١٣٧]، فلنتأسى بموقف لحكام جنبوا شعوبهم ويلات الحروب، ولنذكر إمبراطور اليابان هيروهيتو بعد الحرب العالمية الثانية نموذجا نادرا في الواقعية السياسية. فشعبه كان قد غُرس فيه حب الموت على الحياة، والجندي الياباني كان يُفجِّر نفسه ولا يستسلم. ومع ذلك، خرج الإمبراطور عن قدسيته لأول مرة، وتحدث إلى شعبه قائلاً: “لقد قبلت وقف الحرب”، رغم الشروط المهينة، والتنازلات الكبيرة، حتى في التعليم والثقافة. والنتيجة؟ اليابان التي نراها اليوم: قوة علمية واقتصادية، لا دمار وركام.
أما من لم يتعظ، فنهايته كانت مأساوية. صدام حسين، رفع شعار الكرامة وتحدى العالم منفردا، فكانت النتيجة أن سُحقت بلاده، واحتلت، وانتهى هو في قبو مهين، لأنه لم يكن يمتلك شجاعة هتلر الذي فضل الموت على أن يرى بلاده تمزق أمام عينيه.
ولا نريد أن يتكرر المشهد، تحت شعار المقاومة والكرامة، وهو يعلم علم اليقين أن لا تكافؤ في القوة، ولا ميزان في المعركة.
وعلى ضوء ما تقدّم، فإن من أوجب الواجبات على من يتخذ القرار السياسي، خصوصًا إذا كان متعلقًا بالحرب والمواجهة، أن يدرس كل تبعاته بتمعّن، لا انفعال. فليست السياسة فن الشعارات، ولا البطولة في الاندفاع، بل هي علم دقيق في تقدير المآلات، واستشراف ردود الفعل، ومعرفة العدو قبل المبادرة. فالقرارات الحربية لا تُتخذ من على المنابر أو في لحظة غضب، بل من غرف التقدير والتحليل الاستراتيجي، حيث يتم حساب الكلفة البشرية والمادية والمعنوية، ويتم تقييم قوة العدو وتوقّع رد فعله. فالحروب لا تُقاس بالبداية، بل بما تُسفر عنه في النهاية.
لقد رأينا كيف أن إطلاق الصواريخ من اليمن باتجاه كيان الاحتلال، ورغم شعارات “المناصرة”، لم يحقق أي مكسب فعلي، بل جرّ على اليمن خسائر هائلة، زادت من تدمير بنيته التحتية المنهكة، وأثقلت كاهله الذي لا يتحمل معركة إضافية. فهل تم تقييم العواقب قبل اتخاذ القرار؟ أم أنها مغامرة جديدة تضاف إلى سلسلة الاندفاعات غير المحسوبة؟ وعلى من يتصدرون المشهد، ويدّعون القيادة، أن يضعوا أمام أعينهم حقيقة واضحة: أن اليمن ليس أقوى من حزب الله، ولا من إيران ، ولا حتى من روسيا – القوة النووية الأكبر في العالم، القادرة على تدمير الكوكب خمس عشرة مرة. ومع ذلك، لم تستعرض عضلاتها، بل خاضت حربها في أوكرانيا، الأضعف منها بكثير بالسلاح التقليدي ، وهذا لا يعني أننا نؤيد تلك الحرب الظالمة التي يشنها بوتين على أوكرانيا بل نضرب مثلا أن روسيا وهي القادرة على الرد على محو بلدان غربية من غلى وجه الأرض، إلا أنها تعلم أن الاستعراض الفجّ له عواقب وخيمة ويعتبر تهوّرا عبثيا.
فمن يظن أنه سيرهب العدو عبر التصريحات أو بضعة صواريخ ، لم تحدث أثرا كبيرا ولا يحسب لردود الفعل التي كانت موجعة لكل يمني حيث طالت المصانع والموانئ محطات الكهرباء، ومطاري صنعاء والحديدة ..الخ. والأخطر تهديد الملاحة الدولية. فإغلاق البحر الأحمر سينعكس أثره على حياة اليمنيين ويزيد خصمه قوة وتعاطفا، ويعرّض بلده وأهله لعقاب قد لا يكون عادلا، لكنه حتمي. ومن يريد تحويل اليمن إلى ساحة حرب دولية، عليه أن يتقي الله في نفسه، وفي بلده، وفي شعبه، فالوطن ليس مسرحا لتجريب السلاح أو نفاية لسلاح يريدون التخلص منه بتجربته في جبال اليمن وبنيتها التحتية.
وعليكم أن تعلموا بأن القرارات الكبرى، خاصة تلك التي ترهن مستقبل الشعوب، لا تتخذ انفعالا ، بل تروّيا وعقلا فالأمور تقاس بنتائجها، لا بنيّاتها. والتاريخ لا يرحم من ألقى بشعبه إلى الجحيم ثم اختبأ خلف الشعارات والبيانات.
أيها القادة :
إن من الحكمة أن نتعلم من مواقف من سبقونا، وألّا نكرر التجارب الكارثية ذاتها. الشعوب ليست حطبا في معارك الشعارات، والأطفال ليسوا وقودا للمعارك العبثية أو وقودا لمغامرات لا يُدفع ثمنها من دماء القادة، بل من دماء الأبرياء.
ارحموا أنفسكم وشعبكم.
إلى هنا وكفى! !؟
فإن “مغالبة الغالب نقصان في العقل”، وفيما يجري لأهالي غزة اليوم، منذ سنة وعشرة أشهر، لعبرة لمن يعتبر. فالمغامرات غير محسوبة العواقب تكون نتائجها وخيمة…!!! والله من وراء القصد..
اقرأ أيضا:العميد سريع يؤكد غرق السفينة ماجيك سيز
- نجدد التأكيد أن المقالات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبر نهائيا عن توجه اتحاد القوى الشعبية أو موقع صوت الشورى
