كتابات فكرية

الزمن الجميل بين النباهة والجهالة

الزمن الجميل بين النباهة والجهالة
بقلم / لطف لطف قشاشة
الاحد10يوليو2025_
ظهرت بعض صفحات التواصل الاجتماعي صفحات تحمل في طياتها اسم ( الزمن الجميل ) وكل منشئيها يهدفون من خلالها الى تزيين ما مضى من ايامهم قبل عقود ويتذكروا ملامح تلك المرحلة وأغلب هؤلاء يوجهون رسائل للزمن الحاضر انه ليس جميلا ليعززوا مقولة الدهر لا يأتي بأحسن..
الزمن الجميل من وجهة نظرهم كما يفهم من عناوينهم المتداولة داخل تلك الصفحات انه الشخصية الفلانية او الحدث الفلاني او فوز في لعبة او ما شابه وكلها انطباعات شخصية رسمت في مخيلة الاشخاص في حين وقعها واستحضارها اليوم كحدث جميل ترك اثرا في محيطه بغض النظر عما اذا كان مشروعا او مخالفا للشريعة وربما كان في وقته حديث الساعة كهدف العملاق صالح بن ربيعة لاعب المنتخب الوطني في مرمى منتخب الصين رغم انه حدث رياضي، الا ان اكثر الناس خاصة الرياضيين في اليمن يتذكرونه جيدا ويجعلونه حدث جميل في زمنهم الجميل ..
بالنسبة لي فإن الزمن الجميل عندي هو ما اعيشه اليوم من احداث واتحمل فيه مسؤولية مع مجاميع اخرى من منطلقات دينية وانسانية واخلاقية رغم مأساويتها خاصة ما تتعرض له غزة من حرب إبادة الا انها تقع ضمن متغيرات الصراع العربي الإسرائيلي، لطالما كنا قبل عقود نتمنى ان نراها واقعا يتجسد داخل الامة في صراعها المرير مع الكيان الإسرائيلي الغاصب بعدما ضيعتها مزاعيم السلام والتطبيع ..
في الزمن الجميل الذي يسترجع فيه الآخرون احداث وشخصيات ثمانينات القرن الماضي، مثلا كنت أسأل بعد سماعي لخبر عملية فدائية نفذتها المقاومة الوطنية الفلسطينية ولماذا فقط يقوم بالتنفيذ مقاوم فلسطيني أو ليست القضية الفلسطينية قضية الامة بأكملها حسب ما كانوا يعلموننا ونتلقاه في اعلامنا، فلا أجد إجابة الا اجابة واحدة تكرس لدي ان هناك مسؤولية مباشرة في هذا الصراع تقع فقط على عاتق الفلسطينيين اما العرب فهم بعيدون بعد اخفاقاتهم وهزائمهم في حروبهم مع هذا الكيان في النكبة والنكسة وغيرها..
وفي زمن تسعينات القرن الماضي وبعد مؤتمر العار ( مدريد) كنت اعيد التساؤل لكن من زاوية أخرى وهي لماذا ذهبت الدول العربية الى تحمل مسؤولية القضية الفلسطينية في مؤتمر ( الارض مقابل السلام ) بينما كانت تكرس الهزيمة في اعلامها من عدم جدوى فعل المقاومة الوطنية وانها لم تثمر تحريرا لكافة فلسطين وهو الشعار الذي رفعته منظمة التحرير الفلسطيني حينها، واليوم نلاحظ هذه الدول تروج للسلام وإن كان لا يعطي الفلسطينيين الا ما نسبته اقل من 30% من اراضي القدس الشرقية والضفة والقطاع وتلغي شعار المنظمة، ورغم انني كنت أتساءل مع نفسي الا انني كنت ارفض عنوان السلام مع إسرائيل كون التربية بداخلي كانت تمقت الاحتلال ولا تراه الا طارئا لابد ان يزول .
احداث السلام مع الكيان ايام الزمن الجميل رافقها مثلا زيارة دريد لحام لليمن وتقديم مسرحية شقايق النعمان وإلهاء الناس بقضايا هامشية بينما كانت عملية السلام تتجه نحو تصفية القضية الفلسطينية واختزالها في قضية فلسطينية إسرائيلية وتخرج العرب من مسؤولية تحمل همها بينما الشعوب التي تعتبر ذلك الزمن بالزمن الجميل كانت غارقة في هوامش الرياضة والفن والاتجاه الى قضايا الداخل السياسية وغيرها واهمال واحدية الامة وقضاياها المصيرية ..
إن الذين يقصدون بالزمن الجميل ما سبق وقتنا الراهن بثلاثة او اربعة عقود عليهم ان يدركوا انه كان اكبر انتكاسة للامة العربية خاصة عندما تفردت امريكا بحكم العالم عندما سقط الاتحاد السوفيتي .
الزمن الجميل الذي يعشعش في مخيلتهم كان في حقيقته عبارة عن انسلاخ تدريجي من القيم الدينية والعروبية لأنه كان البوابة للولوج لعالم العولمة وسيطرة الانحلال الغربي وذوبان الشباب العربي في هذا الانحلال وضياع قيم الامة العظيمة وقد كنت ادرك انه محطة لتنفيذ مخطط الصهيونية العالمية الذي سبقه محطات الاحتلال وتقسيم الوطن العربي وهزيمة العثمانيين وسقوط فلسطين بيد العصابات الصهيونية..
الزمن الجميل هذا كان فاصلا لضياع حتى القيم الشخصية والاجتماعية كاحترام حقوق الجار وتوقير الكبار واحترام المعلم وغيرها من تلك القيم ومكارم الاخلاق التي ضاعت في مجتمعاتنا بعد دخول العولمة فلماذا يراها هؤلاء زمنا جميلا ويشدون الناس الى جزئيات بسيطة ظلت راسخة في وجدانهم حين وقوعها بينما كان هناك مخطط خبيث يدور وينفذ من حولهم وهم لاهون ..
الزمن الجميل ذلك الذي جاء بتحرير المرأة من عفتها وضياع الشباب مع المخدرات والمسكرات وانحلال قيم الاسرة المتماسكة العفيفة لا يمكن ان يسمى زمنا جميلا مطلقا ..
كما قلت ان ما يعتبره هؤلاء بانه زمنا جميلا ما هو الا خديعة كبرى نفذتها الصهيونية والرأسمالية المتوحشة داخل امتنا حتى قضت على مقومات عزتنا وشرفنا ووجودنا ..
الزمن الجميل هذا هو زمن تهافت الانظمة العربية والنخب السياسية لتقديم قرابين الولاء للغرب ولإسرائيل حتى تكونت داخل الامة منظومة عميلة مدجنة خانعة تسمى بمحور ( الاعتدال العربي ) التي تقوم اليوم بالدفع باتجاه التطبيع في مواجهة مفتوحة مع قوى محور الجهاد والمقاومة.
يبدو ان ما نشأت عليه اجيال الثمانينات والتسعينات وصولا الى بداية جيل الالفية الثالثة هو الذي جعلنا اليوم ننظر وبحرقة للإبادة داخل غزة وهي تقابل بصمت رهيب من شعوب الامة فكيف نستسيغ ان نسمي المراحل التي عاشتها تلك الاجيال بانه زمن جميل وهو الذي اوصلنا الى هذه النتيجة ..
لذلك انا اعتبر ان زمننا الراهن هو الزمن الجميل فعلا حتى ولو فيه المآسي الا انه زمن ظهر فيه جيل يرفض العولمة ويقاوم الاستسلام ويعود الى القيم الدينية الجميلة ويتحمل مسؤولياته الملقاة على عاتقه ليكون خير امة اخرجت للناس كونه يقف على ارض صلبة استفاقت من وهم التغريب وعرت المزاعم الغربية حول الحقوق والحريات والديمقراطية والعدالة والمساواة التي ما كانت الا عناوين جوفاء سرعان ما انكشف زيفها برغم ان هناك من تلقاها وهم الجاهلون المطبعون بلا ادراك وانطلت عليهم حتى تحولوا الى بيادق منخرطة في محاربة الامة خاصة في اهم قضاياها وهي القضية الفلسطينية اليوم ..
اخيرا لن انسى ان اذكر في نهاية هذه الكلمات ان اذكر ان لنا زمنا جميلا كنا فيه منذ بداية تسعينات القرن الماضي في حلقات تتلقى العلوم الشرعية داخل الجامع الكبير المقدس بصنعاء وفروعه على يد علماء الزيدية الافذاذ الذين غرسوا فينا الوعي والبصيرة واصبحنا اليوم ننعم بالمشاركة في حرب الاسناد مع غزة الابية المباركة لأننا أصبحنا اكثر وعيا ونباهة ومعرفة بالعدو ومخططاته اما من كان زمنه الجميل ما صنعته الصهيونية في خططها فلا عزاء عليه اذا وجدناه يلهث وراء ( خيلت براقا برع ما لمع ) .
والله من وراء القصد ..


اقرأ أيضا:وقفة تأمل في تأملات حسن الدولة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى