كتابات فكرية

الحسين .. ثورة لا تنطفئ ونبراسُ حريةٍ خالد

الحسين .. ثورة لا تنطفئ ونبراسُ حريةٍ خالد

بقلم الدكتور :عبدالرحمن المؤلف

 السبت5يوليو2025_

حين يُذكر الإمام الحسين بن علي عليه السلام، لا يُستحضر مجرد رجلٍ قاد معركة، بل تُستعاد أعظم ثورة وُلدت من رحم القيم الإسلامية الخالدة. فـكربلاء لم تكن مجرّد ساحة دم، بل مفرقًا تاريخيًا بين منطق التغلب والسلطة، ومنطق الحق والعدل الإلهي.

في العاشر من محرم سنة 61 هـ، وقعت فاجعة كربلاء التي لم تشهد مثلها الأمة الإسلامية منذ بعثة النبي ﷺ. فالحسين لم يخرج طلبًا للملك، بل قالها صريحًا: “إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولا ظالمًا ولا مفسدًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي” (تاريخ الطبري، ج4، ص304).

من المدينة إلى كربلاء: طريق الثورة

بدأ الإمام الحسين عليه السلام رحلته من المدينة المنورة إلى مكة، إثر رفضه مبايعة يزيد بن معاوية، الذي مثّل بنظره انحرافًا عن جوهر الإسلام. ثم غادر مكة يوم 8 ذو الحجة عام 60هـ متوجهًا نحو الكوفة بعد أن تلقى آلاف الرسائل من أهلها يدعونه لقيادتهم ضد الحكم الأموي (راجع: الإرشاد للشيخ المفيد، ج2، ص33).

مرّ الركب الحسيني بتنعيم، ثم قصر بني مقاتل، وهناك علم بنوايا الغدر، لكنه واصل السير، ووصل إلى كربلاء في الثاني من محرم، وهناك حُوصِر ومعه ثُلّة من أهل بيته وأنصاره الذين لم يتجاوز عددهم السبعين.

في عاشوراء: تجلّت القيم وسُفك النور

قُتل الحسين عليه السلام مظلومًا، وهو ينادي: “ألا من ناصرٍ ينصرني؟”، بعد أن سقط أصحابه وأهل بيته تباعًا: العباس، علي الأكبر، القاسم، وحتى الرضيع عبد الله. وكان الحسين آخر من بقي، فقُتل وهو ساجدٌ على الأرض، وارتفعت رأسه على رمح في صحراء نينوى، وأُسر أهل بيته.

وقد روت أم سلمة عن النبي ﷺ قوله: “إن الحسين يُقتل في أرض يُقال لها كربلاء” (سنن الترمذي، رقم 3773)، وأخرج الإمام أحمد في مسنده (ج6، ص294) حديثًا نبويًا بكى فيه الرسول ﷺ وهو يقبل الحسين وقال: “إن أمتي ستقتل هذا”.

ثنائية الحسن والحسين: صلح وتمهيد لثورة

تجلّى الفارق الاستراتيجي بين موقف الإمام الحسن عليه السلام حين قبل بالصلح مع معاوية، وموقف الإمام الحسين حين رفض بيعة يزيد، في اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية آنذاك. لقد كان الحسن يدرك أن الأمة منهارة في إرادتها، فاختار الصلح لإظهار زيف معاوية، وهو ما أعلنه معاوية لاحقًا بقوله: “كل ما اشترطته للحسن فهو تحت قدمي” (البداية والنهاية، ابن كثير، ج8، ص140).

أما الحسين، فقد وجد الأمة أمام طاغية مجاهر بالفسق، فكانت الثورة هي السبيل الوحيد لاستنهاض الأمة، وتحريك ضمائرها الغافية. يقول العلامة الطبرسي في “إعلام الورى” (ج1، ص453): “كان خروج الحسين عليه السلام ضرورة أخلاقية ودينية، لم يكن يملك منها بُدًّا”.

البُعد السياسي لكربلاء

كربلاء لم تكن معركة على خلافة، بل مشروعًا لإحياء الإسلام المحمدي الأصيل، ورفض الإسلام الأموي المحرّف. وقد قدّم الحسين بتضحياته المبدأ الإسلامي الثوري: أن الخروج على الحاكم الجائر واجب ديني حين يسقط ميزان العدالة، وهي رؤية وافق عليها عدد من كبار علماء السنة كالنووي وابن حجر، حينما قالوا إن يزيد كان “فاسقًا ظالمًا”، وخروج الحسين عليه كان “اجتهادًا محمودًا” (انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ج18، ص17).

كربلاء في وعي المقاومة المعاصرة

امتد أثر كربلاء ليصل إلى قضايا الأمة الكبرى، لا سيما فلسطين وغزة، حيث استُحضر الحسين في كل صرخة حرية. وكما قال السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي: “الحسين هو صوت المستضعفين، وثورته خريطة طريق للأحرار في كل عصر.”

واليوم، نرى محاور المقاومة في اليمن ولبنان وإيران تسير على خطى كربلاء في رفض الظلم والاستسلام، مستلهمة من الإمام الحسين قوة الموقف وسمو الهدف.

خاتمة: الحسين… مصباحٌ لا ينطفئ

لقد قال رسول الله ﷺ: “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة” (صحيح الترمذي، رقم 3768). واليوم، لا يزال الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة، ليس فقط في وعي المذهب، بل في وعي الشعوب الباحثة عن الكرامة.

وختامًا، فكما قال المفكر محمد مهدي شمس الدين:

“ليس الحسين قضية شيعية… بل إن الحسين قضية إسلامية، بل قضية إنسانية، لأنه وقف ضد الظلم، وضحى بنفسه ليعلّم البشرية كيف تُصان الكرامة.”

المراجع المعتمدة:

الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج4.

ابن كثير، البداية والنهاية، ج8.

الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2.

الترمذي، سننه.

أحمد بن حنبل، المسند، ج6.

شمس الدين، ثورة الحسين في الوجدان الشيعي والسني.

الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى.

النووي، شرح صحيح مسلم، ج18.

اقرأ أيضا:ما بين ثورة الحسين وثورة الـ21سبتمبر

الصورة لضريح الحسين في مصر

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى