كتابات فكرية

الإبادة في غزة .. صناعة أمريكية صهيونية عربية (1 – 2)

الإبادة في غزة .. صناعة أمريكية صهيونية عربية (1 – 2)  

  • قادري أحمد حيدر

الثلاثاء27مايو2025_

الإهداء:

إلى جمال عبد الناصر، القائد العربي والعالمي الكبير، والعظيم .. الرئيس، الذي جمع بين القيادة، والزعامة في صورة محبة الناس في كل مكان .. القائد/ الزعيم الذي لا تستطيع إلا أن تحبه وتجله وتحترمه .. الرئيس الوحيد، الذي وقف الشعب المصري، والعربي كله بجانبه، في زمن /النكسة/ الهزيمة، وبكته وحزنت لرحيله الفاجع الأمة العربية قاطبة .. القائد الذي فرض اسمه بعظمة دوره على المستوى العربي والعالمي .. القائد الذي دخل الشيوعيون السجون في فترة حكمه، أواخر الخمسينيات، وخرجوا من السجون يؤيدون ويدعمون إنجازاته الاجتماعية والاقتصادية (التنموية/ الإستراتيجية) في مصر، ويشيدون بمواقفه التحررية في المنطقة العربية، وفي العالم، وتبوأ بعضهم بعد خروجهم من السجون مواقع وزارية، وسياسية مرموقة،

على ملاحظاتهم النقدية حول قضايا الديمقراطية السياسية.

وجميعهم يؤكد – كما العالم كله – على نظافة يده وطهارة روحه، وإنسانية ضميره الأخلاقي والاجتماعي.

اسمه وتاريخه تجسيد عميق للحضور في الغياب، أكثر من الحكام العرب (الأحياء/ الأموات)، الذين حضورهم الزائف اليوم في حياة شعوبهم تعبير عن الغياب الذي يساوي العدم السياسي، والوطني، والقومي، والإنساني.

الله ما أعظمك يا ناصر في كل حين .. نفتقدك في كل الأحوال، وليس فحسب في “الليلة الظلماء”، أي في هذا الزمن السياسي المحاصر بالطغاة الذين استقدموا الغزاة إلى أرضنا، وأنتجوا إبادة جماعية، ليس في غزة/ فلسطين، بل وفي جميع تفاصيل حياة الوطن العربي.

لك عزيز المحبة، وجميل السلام، في علياء خلودك الأبدي.

ولا سلام ولا عزاء للحكام اللصوص والقتلة.

بداية الإبادة الجماعية الجارية اليوم – منذ سنتين – في غزة/ فلسطين، كانت مع التطبيع الساداتي المجاني في زيارته للكنيست الصهيوني عام 1977م، وبعدها عقده لصفقة العار القومية، “كامب ديفيد”، 1979م، ليقطع مع التاريخ الوطني، “ثورة يوليو 1952م”، ومع التاريخ القومي لمصر، في “كامب ديفيد”، التي لم تُخرج مصر من دائرة الفعل القومي العربي التحرري، بل هي بداية إضعاف القضية الوطنية المصرية، سياسياً، واقتصادياً، وهي – كذلك – بالنتيجة بداية تفكيك وانهيار بنية جدار “الأمن القومي العربي”، آخر ما تبقى لنا من معنى وروح للمقاومة.

ومن حينها بدأ العد التنازلي نحو المزيد من الانحطاط والسقوط في بنية النظام السياسي العربي الحاكم كله.

كانت ما تسمى “الجامعة العربية”، عنوان ذلك السقوط من نهاية حكم السادات قتلاً، حتى سقوط مبارك بثورة شعبية أُجهضت، والمجيء بأسماء “فاعلة” ضمن نهج التطبيع لتدير مؤسسة الجامعة العربية، باعتبارها مؤسسة ممثلة وخاضعة لإرادة الأنظمة، بقدر ما هي معادية لإرادة شعوب المنطقة، وكأن الجامعة العربية، هي وجه القمع الآخر المكمل لما يعجز عنه النظام السياسي العربي، خاصة فيما يتعلق بقضيتنا القومية (فلسطين).

إن بداية عنوان السقوط والإبادة الجماعية التي نراها ماثلة أمامنا اليوم بالصوت والصورة، إنما كانت مع سقوط أول عاصمة عربية /بيروت، عام 1982م، بعد أن تم غزوها واجتياحها (حصارها)، من قبل جحافل الغزاة الصهاينة، تحت سمع وبصر وموافقة ضمنية من الأنظمة العربية جميعاً، وعلى رأسهم نظام الأسد الأب، المستبد التاريخي الفاشل، أحد عناوين ما يجري اليوم في سوريا ولبنان، بل وحتى فلسطين.

لماذا التركيز هنا على حافظ الأسد، والسادات؟ لأنهما من زوايا وأوجه مختلفة، هما عنوان للسقوط السياسي والقومي العربي.

فقد سبق الاجتياح والحصار الصهيوني لبيروت، الاجتياح السوري/ الأسدي لها، في العام 1976م.

فسوريا بدون انقلاب الأسد، واستبدال حكم حزب البعث، بحكم عائلة الأسد، كان يمكن أن يكون حال سوريا أفضل وطنياً، وقومياً.

فالسادات، والأسد، وجهان لعملة استبدادية تاريخية واحدة، من مواقع مختلفة.

الأول، حكم باسم “مصر أولاً”، وباسم “الرخاء”، والديمقراطية الوهمية، ليجعل الأمة العربية أخيراً، والثاني، حكم سوريا باسم الشعار القومجي، بعد إفراغ القومية من معناها ومحتواها السياسي التحرري، الذي بدأ به حكمه العائلي.

ألم يكتب، ويعلن لأكثر من مرة، د. محمد الزعبي، ـ وغيره ـ وزير الإعلام السوري، في عام 1967م، أن إسرائيل احتلت الجولان دون مقاومة فعلية من الجانب السوري؟

الأول/ السادات، سار “بالاستيكة”، على تاريخ مصر القومي التحرري، للرئيس جمال عبد الناصر، والثاني، أفرغ حزب البعث من محتواه الوطني الديمقراطي، والقومي التحرري، وبهذا المعنى السياسي التاريخي، فسوريا، بدون حكم عائلة الأسد، كان يمكن أن يكون حالها – بكل المقاييس – أفضل.

سوريا، التي اهتمت بالتنمية الاقتصادية، وبالتعليم الحديث منذ أكثر من قرن، وخاصة بكلية الطب، والدراسة والتدريس فيها قبل مجيء حكم الأسد.

وليس فيما أذهب إليه، شبهةُ أيِّ مديح، أو ترحيب، بالميليشيات المذهبية/ الطائفية الإرهابية القائمة.

فلم تشهد المنطقة العربية والقضية الفلسطينية، منذ زمن السادات وتطبيعه المجاني، وصولاً إلى مبارك، والقذافي، وبن علي، وعلي عبد الله صالح، سوى شعارات “قومجية” فارغة من المعنى لدعم القضية الفلسطينية، وهو ما يستمر من البعض حتى اليوم.

أؤكد، لم تشهد القضية الفلسطينية، من بعد التطبيع الساداتي والمباركي، ومن خلال الاستبداد التاريخي الذي جثم على صدر الشعب السوري لقرابة (54 سنة)، والقذافي لقرابة أكثر من أربعة عقود، وأقل منه قليلاً، بن علي (تونس) وعلي عبد الله صالح (اليمن)، جميعهم كانت أنظمتهم تسير على طريق تثبيت “الجمهورية الوراثية”، وبالنتيجة طريق تصفية وتجريف ما تبقى من “أمن قومي عربي”، وهم من ينطبق عليهم القول إنهم: الطغاة الذين استقدموا الغزاة.

وهو ما نراه بأمّ العين المجرّدة أمامنا اليوم في جميع الحالات السياسية العربية.

حقاً، لم تشهد القضية الفلسطينية أي عافية أو سلامة، منذ “سايكس/ بيكو”، ووعد بلفور، من قبل النكبة، وأكثر بعدها، وأكثر كثيراً من بعد كل ذلك الاستبداد الداخلي العربي، الذي هيمن على المنطقة، وما صاحبه من سقوط سياسي قِيَمي، ووطني، وقومي، الذي كان من نتائجه السياسية، والعملية سقوط بيروت عام 1982م، وهو عام إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان بتلك الصورة المذلة والمأساوية، التي كان الأسد/ غير الحافظ للقضية الفلسطينية والسورية، أحد الأدوات المنتِجة لتلك الكارثة.

وليس حربه “البطولية”، لتصفية الحركة الوطنية اللبنانية/ الفلسطينية، نيابة عن الرجعية العربية، والقوى الاستعمارية، عام 1976م، حتى اغتياله لسنديانة المقاومة الوطنية اللبنانية، كمال جنبلاط، سوى عنوان لخطوة أولى لإغلاق ملف المقاومة في لبنان، ومن لبنان، حتى لا يجد نفسه في موقف حرج، في لحظة خروج المقاومة عن الخط والنهج الذي أوكل إليه حمايته ورعايته وحراسته، ضمن لعبة تبادل الأدوار والمصالح، بينه وبين الرجعية اللبنانية/ العربية، والقوى الاستعمارية الراعية لكل ذلك.

القضية الفلسطينية التي كان – الأسد – ينظر، ويُنظِّر لها من شرفة قصره في دمشق، ومن السجون السرية الحصينة التي أعدها لرفاقه الكبار في قيادة البعث، وبعدها لجميع المعارضين، وكأن الأمر لا يعنيه، وهو الذي لم يتوقف عن الزعيق الإعلامي بالدفاع عن القضية الفلسطينية، في الخطابات فقط، بعد أن حوّل حزب البعث العربي/ القومي إلى حزب في خدمة العائلة، لأن كل همه وجهده كان منصباً على الحكم وتوريثه لأولاده، من بعده، من باسل إلى بشار، فكانت المحصلة ما نراه في سوريا اليوم، حيث لا جيش لسوريا، ولا دولة وطنية، فقد حوّل الجيش الوطني السوري، إلى ميليشيات عائلية، وفرق للقتل، وتصفيات الخصوم.

فمن كان ذلك همّه، لا أتصوّر أن هناك مجالاً لحضور القضية الوطنية السورية، والقضية القومية/ الفلسطينية في جدول أعماله، وهو الذي ترك القنيطرة مبكراً، والجولان لقمةً صائغةً بيد الاحتلال.

وحكاية البيان رقم “66”، الذي أصدره حافظ، حين كان وزيراً للدفاع، حول احتلال الكيان الصهيوني القنيطرة قبل سقوطها، مع هضبة الجولان، دليل على حلمه المبكر بالسلطة، وتفاهماته السرية مع الغرب الاستعماري، “تحديداً بريطانيا”، حول مستقبل حكمه، على حساب قضية التحرير. ودور الجيش العراقي في الدفاع عن هذه “الثغرة”، القضية وخذلانه من قبل الأسد، موثّق ومعلوم.

إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان بتلك الصورة المؤسفة والمحزنة، لم يتم دون مشاركة النظام السياسي العربي، الذي كانت بدايته زيارة السادات للكنيست الصهيوني – كما سبقت الإشارة – وعلينا أن لا ننسى ذلك.

قد – أقول قد – نُسامح، ولكن لا ننسى، ولا نغفر.

إن الانحطاط والسقوط السياسي والأخلاقي والوطني/القومي، ليس لهما قرار، وهذا ما كان حالنا، والقضية الفلسطينية، مع النظام السياسي العربي الذي بدأ تصهينه مبكراً ومن تحت الطاولة.

كنتُ كشخص حاضراً أيام غزو وحصار بيروت، عام 1982م، وشاهداً على ما كان يجري من سقوط، ومن إهانة وإذلال لما تبقّى من كرامة العرب القومية.. كنت شاهداً على مجازر “صبرا” و”شاتيلا” الصهيونية/العربية، “الجبهة اللبنانية”، وهو قمة المهانة والذل والسقوط الأخلاقي والقومي، وهو الذي يفسر ويشرح كل ما هو حاصل اليوم من إبادة جماعية في فلسطين/غزة.

ما يجري ويحصل في غزة/فلسطين تحديداً وخصوصاً، وفي لبنان وسوريا واليمن والسودان اليوم، ليس مفصولاً عن تلك البدايات/المقدمات الاستبدادية، هذا ما يقوله الفكر السياسي العقلاني النقدي التاريخي.

وصدق الشاعر الشهيد، محمد محمود الزبيري، في وصفه الدقيق والعميق للحكام المستبدين في قوله:

هناءة الحكم قد أطغتكموا ولهاً  ***  عن الكوارث واستغواكم الحرس.

وهو ما ينطبق، بالحرف والواقع على جميع الحكام العرب، المشاركين في هندسة التبعية، وضياع السيادة، والاستقلال الوطني، وهو ما تعيشه المنطقة العربية – بدرجات متفاوتة – وليست الإبادة الجماعية في غزة/ فلسطين، سوى العنوان العريض الدامي والجارح لكل ذلك الهوان الذي أوصلتنا إليه الأنظمة العربية القائمة.

إلى اللقاء في الحلقة الثانية، والأخيرة.

اقرأ أيضا للكتاب:قادري أحمد حيدر يكتب عن أسوأ رئيس عرفه التاريخ السياسي اليمني المعاصر 2_2

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى