الأمين العام للحزب الاشتراكي د. عبدالرحمن السقّاف في مقالته بمناسبة الذكرى الـ 47 لتأسيس الحزب (2-1)

الأمين العام للحزب الاشتراكي د. عبدالرحمن السقّاف في مقالته بمناسبة الذكرى الـ 47 لتأسيس الحزب (2-1)
- قادري أحمد حيدر
الجمعة 31 أكتوبر 2025-
الإهداء:
إلى الباحث الجليل والأستاذ القدير، الصديق عبدالعزيز سلطان المنصوب،
أحد أبرز العقول البحثية والفكرية والثقافية في التراث الصوفي اليمني والعربي والإسلامي.
باحث جدير بلقب المفكر العميق، الذي تناول التراث الصوفي الإسلامي في مختلف تجلياته نثرًا وشعرًا.
كرّس حياته وجهده لتحقيق وإخراج كنوز الفكر الصوفي الإسلامي إلى النور،
وعمل بصمت وتواضع، بعيدًا عن ضوضاء الإعلام وبريق الشهرة،
لأنه في الجوهر باحث مخلص للمعرفة لا يسعى إلى مجد شخصي أو مكسب مادي.
تحقيقاته المتعددة أغنت المكتبة اليمنية والعربية والإسلامية بكتب ودراسات نوعية نادرة،
يستحق أن تصل إلى أيدي القراء والمهتمين في اليمن والمنطقة العربية والعالم بأسره.
إنسان بسيط، متواضع، آثر العلم على المال، والمعرفة على المنفعة،
فكان نموذجًا للعقل النبيل الذي يستثمر في الوعي والعقل والإنسان.
إليه أوجه خالص المحبة والتقدير.
مع اندلاع المواجهة السياسية والعسكرية بين ما سُمّي بـ”تحالف دعم الشرعية” وجماعة “أنصار الله”،
وفي ذروة الحرب، بدا واضحًا تلاشي الفوارق بين خطاب التحالف وخطاب الأحزاب اليمنية المنضوية تحته، بدرجات متفاوتة.
فقد جاءت خطابات معظم الأحزاب مراوغة أو وسطية تميل إلى مسايرة التحالف،
وقد يكون ذلك مبررًا – نسبيًا – في بدايات الحرب حين ساد حمى خطاب “استعادة الدولة”،
لكن بعد ما يقارب عشر سنوات، اتضح للجميع عبثية هذه الحرب التي تركت آثارًا مدمّرة على الوعي الاجتماعي والسياسي الوطني، خصوصًا بعد أن تحوّل التحالف في الممارسة إلى قوة احتلال كاملة الأوصاف،تتحكم بالقرار الوطني والسياسي، وخاصة في جنوب البلاد.
من هنا، فإن على الأحزاب والتنظيمات السياسية أن تستعيد استقلال قرارها الوطني، وأن تخلق مسافة واضحة بينها وبين السعودية والإمارات، بل وحتى مع ما يسمى بـ”الشرعية”،
حتى تحافظ على مصداقيتها وتماسكها الداخلي، خصوصًا الأحزاب التاريخية منها.
فاليوم باتت الرياض وأبوظبي تتعاملان مع “الشرعية” كإحدى أدواتهما السياسية في اليمن،
وهما من هندستا تشكيل “المجلس القيادي الرئاسي” في تناقض صارخ مع الدستور اليمني.
لقد بدأت بوادر التحول في الخطاب السياسي لبعض قيادات الأحزاب المحسوبة على الشرعية، مثل تصريحات الأستاذ عبدالله نعمان (أمين عام التنظيم الوحدوي الناصري)،
وكتابات د. عبدالله عوبل (أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني).
وفي هذا السياق، تمثل رؤية وخطاب د. عبدالرحمن السقّاف، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني،
بمناسبة الذكرى السابعة والأربعين لتأسيس الحزب، قفزة نوعية فكرية وسياسية تعيد التذكير بالخط الوطني الأصيل للحزب الاشتراكي، وتؤكد تماسك موقفه التاريخي المستقل في مواجهة الهيمنة الخارجية والارتهان السياسي.
إنني أدعو كوادر الحزب وأنصاره وكل القوى الوطنية الديمقراطية إلى التفاعل الجاد مع هذا الخطاب، لأنه يمثل رؤية وطنية صادقة تعبّر عن جوهر الفكرة السياسية اليمنية المعاصرة:
فكرة الدولة الوطنية الحديثة المستقلة، الرافضة لأن تكون دولة شكلانية خاوية يسهل العبث بها داخليًا وخارجيًا.
وهذا بالضبط ما تعيشه اليمن منذ سنوات، لا سيما بعد إقصاء عبدربه منصور هادي وتشكيل “المجلس القيادي الرئاسي” المفروض خارجيًا.
جاءت مقالة د. السقّاف بعنوان:
“الاشتراكي ورهان الدولة الوطنية في زمن الانقسام”،
وهي كتابة جريئة متماسكة تعكس عمق الوعي السياسي والفكري، وتحمل نقدًا شجاعًا وواقعيًا للأوضاع الراهنة في البلاد منذ ما يقارب عقدًا من الزمن.
لقد آن للأحزاب اليمنية، إذا أرادت أن تحافظ على هويتها واستقلالها، أن تتجاوز حالة التبعية وأن تفصل بوضوح عن التحالف والشرعية المفترضة،
فلا تمنح غطاءً سياسيًا لمنظومة فاسدة تُرتكب باسمها أبشع الجرائم بحق الشعب:
من قطع الكهرباء والرواتب، إلى انتشار الجريمة، وإطلاق يد الميليشيات المسلحة،
وحتى احتلال مناطق وجزر يمنية استراتيجية مثل سقطرى وباب المندب والمخا.
الأخطر من ذلك، الحديث المتزايد عن وجود قواعد أجنبية وصهيونية في الأراضي والجزر اليمنية.
يشير د. السقّاف إلى صعود خطابين مدمّرين في المجتمع اليمني:
الأول مناطقي وجهوي، والثاني مذهبي وطائفي، كلاهما يعمّق الانقسام ويغذي الكراهية ويمزق النسيج الوطني.
هذان الخطابان نجحا في تدمير ثقافة التعايش السلمي، وأنتجا بيئة نفسية واجتماعية قائمة على التوتر والعنف المتبادل.
لقد جاءت ثورتا 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م، ثم دولة الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م،
لتعلن تجاوز هذه الخطابات الضيقة نحو مشروع وطني جامع.
لكننا نجد أنفسنا اليوم، بعد أكثر من ستين عامًا، أمام عودة مؤسفة لتلك العصبيات،
بدلًا من المضي نحو بناء دولة حديثة تتجاوز الماضي.
إنّ ما يحدث اليوم من انقسام وولاءات مناطقية ومذهبية،
يعبّر عن أزمة عميقة في مسار التحول السياسي والوطني،
ويكشف عن فشل النخب في إدارة عملية الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية المنشودة.
في هذا السياق، لا ينبغي أن تمرّ مقالة د. السقّاف مرور الكرام،
بل يجب أن تكون منطلقًا لحوار وطني نقدي يكرّس مفاهيمها في الواقع.
فما يحاول “الكفيل” الإقليمي (السعودية والإمارات) تمريره عبر “الوكيل” المحلي (الشرعية)،هو مشروع لتفكيك الهوية الوطنية وتكريس التبعية.
إن الوضع في اليمن اليوم، شمالًا وجنوبًا، لا يختلف كثيرًا عن النموذج السوري،
حيث تُدار الحروب بالوكالة، وتتحكم القوى الخارجية بمصير الشعوب.
وتلعب الإمارات – تحديدًا – الدور الأخطر في هذا المشهد،
بوصفها الذراع الصهيونية الضاربة في المنطقة،
من الصومال إلى السودان وليبيا واليمن، وهي تشارك علنًا في حرب الإبادة في غزة.
أما تصريحات عيدروس الزبيدي المتكررة التي تغازل الكيان الصهيوني، فليست سوى انعكاس لهذا الارتهان للإمارات ومشاريعها الإقليمية.
قد يرى البعض أن هذا التحليل متشدد، لكن الوقائع الماثلة على الأرض تثبت أننا أمام مشروع استعماري مقنّع، يُعاد إنتاجه بأدوات يمنية محلية.
أنني لا أطلب من أحد المصادقة على ما أذهب إلية فقط وضعه بين قوسين، ووضعه في الاعتبار والحسبان، ونحن نقرأ ونكتب ونحدد خياراتنا ومواقفنا من كل ما يجري في البلاد ومن علاقة ما يجري في بلادنا بكل ما يجري في المنطقة والعالم من تحولات باتجاه عالم متعدد القطبية.
إن الخطابين المناطقي والمذهبي، كلاهما يغذي ثقافة الحرب والاحتراب، ويخدمان مصالح قوى الاستبداد الداخلية والهيمنة الخارجية.
ولهذا، فإن المعركة الحقيقية اليوم هي معركة الوعي السياسي الوطني، التي لا تُكسب إلا بصعود خطاب وطني ديمقراطي جديد،
يستنهض القوى المدنية والنقابية والحزبية،
ويواجه مشروع التفتيت والتبعية بخطاب العقل والحرية والسيادة.
وكلمة الأمين العام للحزب الاشتراكي د.السقاف تأتي مكرسة في هذا الاتجاه.
فكما أن الحرب أولها كلمة، فإن التغيير أيضًا يبدأ بالكلمة.
والوعي بالمشكلة هو أول الطريق نحو الحل.
الخلاف هنا ليس مع المذهب أو المنطقة أو القبيلة كبُنى اجتماعية وثقافية،
بل مع محاولات تسييسها وأدلجتها وتحويلها إلى أدوات صراع ضداً على وحدة المجتمع وتماسكه.
فالخطابات لا تتحرك من تلقاء نفسها، بل تقف وراءها قوى سياسية واجتماعية تحرّكها وتستثمرها.
ولذلك، فإن غياب العقل الناقد في فترات معينة شمل الجميع،
بدرجات متفاوتة، بما في ذلك القيادات الحزبية ذاتها.
بالفعل ، صار اليوم الخطابان : المناطقي، المذهبي الطائفي/العنصري، الاستعلائي “العرقي” والقبلي العشائري، جميعهم صاروا أدوات فعالة لتدمير بنية الوعي السياسي والوطني الديمقراطي.
لقد أصبحت الخطابات المذهبية والمناطقية والقبلية أدوات خطيرة لتدمير الوعي السياسي الوطني والديمقراطي،
كما أشار د. السقّاف بدقة وجرأة.
والسؤال الذي يجب أن نواجهه هو:
من يقف وراء تمويل وتغذية وانتعاش هذين الخطابين؟
وهل نملك الشجاعة للإجابة بوضوح وشفافية؟
إن الواجب الوطني الملحّ اليوم هو مقاومة كل أشكال الاستبداد:
الاستبداد الديني والاستبداد السياسي المناطقي والقبلي،والاستعمار الخارجي بكل تجلياته.
فهذه كلها وجوه متعددة لعدو واحد: الجهل والتبعية والهيمنة.
وليس الخطابان المذهبي والمناطقي سوى تجسيد عملي لهذه الاستبدادات.
خاتمة الحلقة الأولى:
إن مقال د. عبدالرحمن السقّاف يمثل اليوم وثيقة فكرية وسياسية بالغة الأهمية،
يجب أن تُدرّس وتُناقش بجدية، لأنها تضع اليد على جوهر الأزمة الوطنية اليمنية.
حتى نقترح معاً عبر الحوار السياسي الوطني، والحوار المجتمعي، مدخلًا عقلانيًا وشجاعًا لبناء مشروع وطني ديمقراطي مستقل،
ينقذ اليمن من أزمته ويعيد إليه سيادته وكرامته وموقعه في التاريخ.
ومن هنا أهمية، بل وضرورة، صعود خطاب فكري وسياسي وطني نهضوي ديمقراطي، يستنهض الهمم للخروج من حالة الجمود والركود الحاصلة في البلاد، من قبل المكونات السياسية الحزبية والنقابية والمدنية المجتمعية، التي تتحرك ببطء شديد لا يتناسب والخطوات المتسارعة لتقدّم المشروع الاستعماري نحونا في اليمن والمنطقة العربية.
إن بداية الوعي بالمشكلة/الأزمة هي الشجاعة والجرأة في طرحها أمام الناس، ومصارحة أصحاب المصلحة الحقيقيين في الوطن بما يجري من منظور نقدي وطني تقدمي واضح، وهي بداية الدخول إلى فضاءات وممكنات الحل للمشكلة، حتى لا نجد أنفسنا كأحزاب وقوى وطنية ومجتمع، في مقلب آخر لا يشبهنا.
اقرأ أيضا: الأستاذ عبد العزيز البغدادي يتساءل .. هل الديمقراطية هي الحل؟

 
				 
					



