الأستاذ عبدالعزيز البغدادي يكتب عن دور القاضي عبد الرحمن الارياني في تثبيت النظام الجمهوري!

الأستاذ عبدالعزيز البغدادي يكتب عن دور القاضي عبد الرحمن الارياني في تثبيت النظام الجمهوري!.
يوميات البحث عن الحرية.. دور القاضي عبد الرحمن الارياني في تثبيت النظام الجمهوري!.
عبد العزيز البغدادي
الاثنين 15 سبتمبر 2025-
وسطية ثقافته الاسلامية الاعتزالية القائمة على اتباع منهج عقلاني، ووعيه بأن الثورة سلوك لابد ان يقوم على رفض العنصرية وكل أسباب التخلف وليست شعارات خاوية المحتوى.
هذا المنطلق الانساني للرئيس القاضي عبد الرحمن الارياني بالإضافة إلى شخصيته التوافقية مكنته من ادارة التناقضات بين جميع اطراف الصراع في اليمن من تقدميين شديدي الحماس مدنيين وعسكريين ، وفي مقابل رجعيين عتاة بينهم زملاء ورفاق له في ثورة 1948 وما قبلها من انتفاضات وحركات تحرر مهدت لبزوغ فجر ثورة 26 من سبتمبر 1962م بوابة حلم اليمنيين للخروج من حياة القرون الوسطى !.
وبقيام ثورة 26/ سبتمبر 1962 هب النظام السعودي إلى التدخل وبكل امكاناته لدعم الملكيين خوفا من بعض الشعارات الرعناء التي رفعها البعض اعتمادا على دعم الرئيس جمال عبدالناصر لإرادة الشعب الثائر وضد الرجعية العربية كما كان يُرَدَّدْ دون اعداد حقيقي لعدة الدفاع عن الثورة والدراسة المسؤولة لهذه العدة.
كان التدخل السعودي والادارة الخاطئة للدعم المصري الذي تحول بفعل تحالف القوى الامبريالية والملكية وتراخي من يفترض انهم المستفيدين من الثورة الحقيقية تحول الى كمين ضد النظام المصري وحركة التحرر العربية استخدم لمصلحة الكيان الصهيوني المدعوم من بريطانيا ثم امريكا مركز الامبريالية ليكون رأس خنجر في قلب أمة حكمت على نفسها بالضياع ليس فقط من خلال حكامها وإنما كذلك من خلال ضعف المقاومة المجتمعية لسياسات الحكام والتهاون بشأن ممارساتهم!.
في ظل هذه الظروف الصعبة تسلم القاضي الارياني رئاسة المجلس الجمهوري ، وعقب انسحاب القوات المصرية بناء على اتفاق الخرطوم بين الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل آل سعود الذي نص على قيام عبد الناصر بسحب القوات المصرية وتوقف السعودية عن دعم الملكيين وقد سارع عبد الناصر بسحب القوات المصرية في حين ضاعفت السعودية من دعم الملكيين وكثفت الهجوم على العاصمة صنعاء مراهنة على إسقاطها حيث حوصرت لمدة سبعين يوما عرفت في تاريخ الثورة اليمنية بحصار السبعين اظهر الشعب خلاله مقاومة ملحمية عظيمة انتصرت بعدها الثورة لتؤكد للعالم بأنها ثورة يمنية أصيلة!.
ولم تتأخر السعودية في تحديد موقفها المناهض لسياسة القاضي الارياني الذي أحسن لم شمل كل المقاومين ولعب دورا مهما في إدارة معركة فك الحصار.
ولم تغفر له هذا الدور رغم جهده الواضح في محاولة المناداة بتأسيس علاقة مع السعودية تقوم على حسن الجوار والاحترام المتبادل وان علاقة اليمن مع جميع الدول تتأسس على مبادئ الحياد الايجابي وعدم الانحياز وتأكيده المستمر في رسائله المباشرة للملك فيصل وجميع الفاعلين في السياسة السعودية وكل الوسطاء ومنهم الجامعة العربية.
وجميعها تؤكد على حرص الجمهورية العربية اليمنية حينها على بناء علاقة اخاء مع الجار السعودي تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون وعدم التدخل في الشئون الداخلية لكلا البلدين الجارين، وهي رسائل موثقة في مذكرات القاضي الارياني وبخاصة في الجزء الثالث والرابع منها .
وقد تضمنت مذكراته ورسائله نقدا سياسيا وأخلاقيا مهما لكثير من العناصر المحسوبين على النظام الجمهوري.
وكشفت كثير من جوانب الدور السعودي المعادي لليمن والعناصر المتعاونة مع هذا الجار الجائر من وقت مبكر وبصورة مهينة للمتعاونين ولليمن والجار نفسه!.
وفي مقابل الحرص على علاقات جوار متوازنة كان الجار السعودي مع الاسف الشديد يقابل كل ذلك بالاعتماد على سياسة الاستعلاء والرغبة المريضة في إبقاء اليمن كما يقول لسان حاله حديقة خلفية له !.
انه امر لا يليق بمكانة اليمن ولا بتاريخها ونضال احرارها ولا يليق كذلك بالجار لو كان يمتلك وعيا بالتاريخ وبأهمية ان يدعم اليمن ليكون جارا حرا قويا وليس تابعا!.
إنه جار لا يبدو من خلال هذا السلوك أنه يدرك حقيقة أن بقاء هذا الحال من المحال مهما طال امده!.
ومن المؤسف أنه وجد بين اليمنيين من يخدم رغباته ونزواته المريضة المجنونة، ولولا ذلك ما كان له فعل كلما فعل ويفعل باليمن واليمنيين!
لقد وجد طريق تدخله في شؤون هذا البلد ممهدا من خلال تقديم بعض العملاء اغلى الخدمات واعلاها بأرخص الأثمان منذ امد طويل وبالذات منذ بداية ما اسمي عاصفة الحزم وأثمان العمالة رخيصة مهما بلغت!.
تأملوا تسمية “عاصفة الحزم” :وما تحمله من استهتار واهانة بالغة لكرامة اليمنيين وعزتهم وهم كرام اعزاء ليس ادعاء ولا تعاليا من فراغ وانما حقيقة يعلمها حكام آل سعود الذين عليهم ان يراجعوا انفسهم قبل فوات الاوان وسيدركون من خلال ممارساتهم ان : “خيرهم من اليمن وشر اليمن منهم ” وليس كما قيل عن وصية مورثهم.
العلاقة الحالية بين اليمن والسعودية قائمة على اخلال واضح بالعلاقة السوية بين الجارين لا يقبله أي إنسان حر !.
وفي رأيي أن برنامج الاصلاح في المملكة العربية السعودية كي يكون حقيقيا لابد ان يضع في اعتباره اهمية وجود علاقة حسن جوار منصفة مع الجيران وبخاصة مع اليمن الذي احتلت السعودية بدعم بريطانيا وأمريكا اكثر من نصف اراضيه!.
نحن هنا لا نُعَلِّم السعودية ما يجب عليها عمله ولكننا نامل ان تستجيب للأصوات التي تدعوها لعلاقة سوية منصفة لمصلحة البلدين وان تراجع سياساتها وستدرك أن القاضي الرئيس عبد الرحمن الارياني كان من ابرز دعاة هذه العلاقة السوية، ومن بعده الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي.
والمراجعة تبدأ بالاعتراف بخطأ نظام المملكة في استمرار الضغوط والتدخل في شؤون اليمن وهي ذات السياسة التي ادت الى اقصاء القاضي الحكيم عبد الرحمن الارياني من السلطة، وانهت حياة الشهيد ابراهيم الحمدي في عز حيويته وشبابه، والذي كان اكثر الرؤساء عطاء خلال مدة لم تتجاوز الثلاثة الاعوام كثيرا وذلك من خلال جريمة في غاية القبح ، تشير الكثير من الدلائل على ضلوع المملكة في تمويلها والاشراف على تنفيذها!.
ومن المعلوم ان حالة الانقسام فيما بين اليمنيين المدعوم من هذا الجار قد اغرته كثيرا!.
ومن الغريب ان من أسباب التدخل السعودي لإقصاء الرئيس الارياني معارضته لرغبة المملكة الجامحة في إشعال نار الحرب بين شطري اليمن حينها باستخدام ادواتها من السياسيين والعسكريين .
كان الرئيس الارياني يرفض بشدة الحرب فيما بين اليمنيين بل ويرفض كذلك اي حرب عربية عربية وهومن الشخصيات المؤمنة بالسلام العالمي والمساهمين بفعالية في الدفع بحركة عدم الانحياز التي كانت اليمن عضوا فاعلا فيها.
وحينما اشتدت الازمة اليمنية الداخلية بين بعض القوى المشيخية والعسكرية المتحمسة للدخول في حرب يمنية يمنية اضطر لتقديم استقالته تجنبا لأي قتال على السلطة وقال كلمته المشهورة: ” لن اقبل ان تراق قطرة دم طائر دجاج من اجل الحفاظ على الكرسي لان السلطة ليست مغنما ولكنها مغرم”!.
وقد رفض عرض بعض القوى السياسية بان يتحول النظام من مجلس جمهوري الى رئاسة للجمهورية يتولى فيها منصب الرئيس رغم مقدرته وكفاءته المشهودة لأنه كان على وعي تام بان الحكم الجماعي هو جوهر النظام الجمهوري ، وأن الديمقراطية تجربة سياسية مجتمعية لا بد من خوضها بصدق وتصحيح مسارها بالرقابة الشعبية والنقد البناء بين مختلف القوى والاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والياته المجتمعية والشعبية.
اما الحكم الفردي والديكتاتوري فلا يعبر سوى عن عمق النظام الملكي الاستبدادي بطبيعته لقيامه من حيث عنوانه على مفهوم كون الملك يملك الارض والانسان ويورثها لأبنائه واقاربه من بعده.
وهذا النوع من الانظمة يحمل ابلغ معاني الاهانة للشعب الذي يقوم عليها النظام الملكي او السلاطيني أو الاميري واي شكل من اشكال النظم الوراثية!.
تولد الكبرياءُ غداً
تقول المسافات
فوق ظهر الزمان افتش عن وطنٍ
تحت جفن المكان
أحاصر ذاكرتي المتعبة!.
