الأستاذ البغدادي يتساءل: هل يمكن ان تتحول أعمال البر والتقوى الى جريمة؟

الأستاذ البغدادي يتساءل: هل يمكن ان تتحول أعمال البر والتقوى الى جريمة؟
يوميات البحث عن الحرية .. هل يمكن ان تتحول أعمال البر والتقوى الى جريمة؟
- عبد العزيز البغدادي
الاثنين 1 ديسمبر 2025-
هناك من يرى بان الأحزاب الدينية وكل من يحكم او يعارض باستخدام الخطاب الديني القائم على ايدولوجيا مؤسسية جميعهم يدخلون في نظر صاحب هذا الرأي في إطار النفاق بالمعنى الديني والقانوني والسياسي، وأنهم يربكوا الحياة السياسية والدينية والمدنية.
ومن البديهي أن كل من يمارس مثل هذه الأعمال يتحمل تبيعات ما يقوم به وهذه نتيجة طبيعية لكل اعمال الانسان.
التحزب والتأدلج عمل سياسي، والسياسة وان كانت فن الممكن كما يقال الا انها تمارس في الحياة السياسية التي نشهدها باستخدام اساليب قد تستبيح الكذب احيانا ، والكذب بالمنطق الديني محرم .
وهناك مسائل خلافيه كثيرة عند الفقهاء سواء في باب المعاملات او العبادات يواجهونها بأحكام الحلال والحرام والمباح والمندوب والمكروه الى اخر الاحكام الفقهية المعروفة.
والمسائل السياسية لا يمكن ان تحل بآلية الحلال والحرام او غيرها من الأحكام الفقهية الخلافية.
السياسة والادارة انما تسير شؤونها بالمنطق العلمي التجريبي وبمنطق الخطأ والصواب والخضوع للمحاسبة والمساءلة محاسبة المخطئ دنيوياً ومكافأة المصيب والمحسن.
ولهذا فالعمل السياسي والاداري يجب ان يكون عملاً مؤسسياً يتضمن معايير الخطأ والصواب تطبيقا للدستور والقوانين التي تنظم عمل الفرد والمجتمع والسلطة والعلاقة بين الجميع!
وكل من يمارس اعمال السياسة والادارة يجب ان يخضع لمراقبة ومسائله قانونية ودستورية تطبق على الجميع وفقا لمبدأ سيادة القانون والمواطنة المتساوية.
وهو مبدا لا تدخل فيه الأمزجة ولا يخضع لفتاوى منفردة، ووفق هذا المبدأ فانه لا يوجد زعيم او قائد او حزب فوق القانون لان من خصائص القاعدة القانونية انها عامة ومجردة وملزمة، اما الفتاوى فتخضع في الغالب للأمزجة والتحيز المذهبي او غيره وهو ما يخل اخلالا بينا بمبدأ العدالة التي توصف بانها شكلية!
وتبدأ الشكلية بالالتزام القطعي بتطبيق القانون على الجميع، ولابد ان يلتزم القاضي مثلا في قضائه والموظف في وظيفته بهذا المبدأ وان يضع القانون في المرتبة الاولى لمرجعية حكمه او قراره الاداري.
وقد نص الدستور اليمني على المبدأ الاساس الذي ينبغي على القاضي ان يستمد من خلاله استقلاله في قضائه حيث جاء في المادة (149): (القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً وادارياً والنيابة العامة هيئة من هيئاته وتتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأي جهة وباي صورة التدخل في القضايا او في شان من شؤون العدالة ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوة فيها بالتقادم.)
ومن البديهي ان عدم جواز تدخل اي جهة يشمل اي مسؤول وفي المقدمة من هم في الدرجات القيادية العليا لان اصحاب هذه الدرجات هم أنفسهم من يسيئون استخدام الوظيفة العامة وهم من يمارسون الفساد بكل اشكاله وصوره لأنهم يمتلكون خاصة في البلدان المتخلفة مثل بلدنا صلاحيات واسعة، ومعلوم ان أفضل اشكال الفساد ذلك الذي يستخدم فيه الدين ستارا لإخفاء بشاعاته بادعاء التقوى.
والتقوى هي الدعوى المنهي عنها دينا: (ولا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى).
اما العلم فمعياره منضبط في تفسير شؤون الدولة والحياة وهو ما يفرق بين المسؤولية القانونية القائمة على العلم عن المسؤولية الاخلاقية القائمة على الضمير والوجدان الاخلاقي والديني.
اي ان المسؤولية القانونية تتضمن قواعد ملزمة للكافة لا يحق لاحد التملص عن الالتزام بها لأنها شرعت بغرض حماية العلاقات بين الافراد والمجتمعات والسلطات وعلى كل طرف منها حقوق وواجبات تجاه بقية الاطراف.
اما المسؤولية الاخلاقية فأنها تخضع في عملية الالتزام بها للزيادة والنقصان حسب الاشخاص مثل عمل البر والاحسان وهي في كثير من الاحيان فردية تعكس رغبة المحسن والقائم بعمل البر في التكتم وعدم التمظهر والتباهي في القيام بها.
اما اذا كان من يقوم بعمل البر والاحسان يتم تحت اشراف جهات حكومية كأنشطة وزارة الشؤون الاجتماعية ، او شبه حكومية كالأوقاف والزكاة فان التصرف بها أي نوع من التصرف أو التمظهر بالقيام بأنشطتها او استخدامها للدعاية السياسية فإنه يدخل في خانة التعدي على الحق الخاص الذي يملكه المتبرع او فاعل الخير ، والخلط بينه وبين الحق العام الذي يقوم به الموظف في إدارة مال او وظيفة ليست ملكه مخصصة لعمل اجتماعي إنساني ، وفي ذلك محاولة لتحويل المفاهيم الوجدانية ، إلى من وأذىً من قبل من لا يملك المال او المنفعة ولكنه يقوم به مقابل أجر فالمزكي والواقف هو فاعل الخير ، وكذلك من يمول الأنشطة الإنسانية والخيرية والاجتماعية في وزارة الشئون الاجتماعية هو فاعل الخير المحسن ، أما إذا كانت المشاريع ممولة من خزينة الدولة ، فما تقوم به الدولة إنما هو واجب لا تستحق عليه جزاء ولا شكورا فإن أحسن الموظف نظم القانون آلية مكافأته ، وإن قصر الفرد او الجهة عن أداء واجباتها فإنهم يساءلون ويحاسبون وفق القانون أيضاً.
وتحويل العمل الخيري الواجب القيام به إلى من أو أذى أو دعاية سياسية قد يتحول إلى جريمة تعدي على المشاعر الوجدانية، من خلال تحويل المسؤولية الاخلاقية إلى جريمة قانونية.
وقد تنقلب الى جريمة المنافسة السياسية والدينية غير المشروعة!
الدين لله
لا يقبل الاتجار
والسياسة علمٌ
لا يقبل الدروشة
فهيا نخلي سبيل الدعاوى
ونترك لله رصد النوايا
وما في القلوب
وللناس ما تقوم الحياة به
والسلام…
اقرأ أيضا: الأستاذ عبدالعزيز البغدادي ومحاوله لفهم الديمقراطية!





