أهمية تقييم وتفعيل المفتش العام لضبط تجاوزات الأجهزة الأمنية
أهمية تقييم وتفعيل المفتش العام لضبط تجاوزات الأجهزة الأمنية
عبدالرحمن علي الزبيب
دور الأجهزة الأمنية القانونية هو حماية حقوق وحريات الإنسان وضبط من ينتهكها ولكن هذا الدور لا يعني منحها سلطات واسعة دون رقابة وضبط كون السلطة المطلقة مفسدة مطلقة .
فمهما كان دور الأجهزة الأمنية هام ولكن ؟
لاتعني تلك الأهمية منح الأجهزة الأمنية صلاحيات كاملة ومطلقة وعدم وجود أي جهة لتقييم والرقابة على أداء جميع الأجهزة الأمنية وكبح جماحها إذا ما خالفت نصوص الدستور والقانوني الوطني حتى لاتتحول الأجهزة الأمنية إلى وحش يقيد الحريات وينتهك حقوق الإنسان بدلا من حمايتها وضبط منتهكيها.
تجاوزات الأجهزة الأمنية ليست تصرفات فردية وإنما تراكم لاختلالات وتجاوزات للقانون وعند حصول تصرفات خاطئة لايجب التوقف عند معالجة تلك الوقائع فقط بل يستلزم ان تكون هناك معالجات شاملة وتقييم شامل لدور الأجهزة الأمنية وتحديد الاختلالات والقصور والتجاوزات والثغرات في عملها والبدء في خطة مزمنة لمعالجة شاملة لتلك الاختلالات والتجاوزات بإجراءات مؤسسية وتفعيل المسائلة السريعة لكل من يتجاوز دون استثناء وبإجراءات عاجلة تستعيد الأجهزة الأمنية ثقة المجتمع فيها ولا تتكرر أي تجاوزات خطيرة تؤثر على ثقة المجتمع في الأجهزة الأمنية وتعيدها الى مربع دورها الحقيقي في حماية الحقوق والحريات واي تجاوزات هي انحراف عن هذا الدور الإيجابي يستلزم توقيفه وإعادتها الى مسارها الصحيح بمسائلة ومحاسبة المقصرين بشكل عاجل عبر الجهة المختصة وهي مكتب المفتش العام المختص قانونا بذلك وازاله أي تضارب في الصلاحيات بين مكتب المفتش العام وأي جهة أخرى وازاله أي معيقات تعيق دوره الهام .
بتقييم عام لدور المفتش العام بوزارة الداخلية نلاحظ ضعف كبير في دوره وعدم وجود صلاحيات في الواقع لضبط تجاوزات ومخالفات جميع الأجهزة الأمنية بجميع تشكيلاتها من امن عام وأمن مركزي وأمن ومخابرات وغيرها وبجميع مستوياتها من قادة تلك الأجهزة وضباطها وإفرادها دون تمييز ولا استثناء فالجميع يجب أن يخضع للقانون وعدم مخالفاته ومن يخالف يتخذ ضده إجراءات عقابية صارمة لان أي من أفراد وضباط الأجهزة الأمنية إذا خالف القانون أصبح متمرد على القانون وعلى الدولة ويستوجب ضبطه وردعه بسرعة وصرامة مع أهميه تمكين جميع أفراد وضباط الأجهزة الأمنية من حقوقهم القانونية من مرتبات ومستحقات قانونية ونفقات تشغيل كافية لتقوم الأجهزة الأمنية بدورها في تحقيق الأمن والاستقرار في جميع المحافظات والمديريات وضبط الجريمة بعد وقوعها واتخاذ إجراءات أمنية وقائية لحماية المجتمع من الجريمة قبل وقوعها .
قبل حوالي ثلاثة أعوام تقريبا صدرت وثيقة التزام لكل من له علاقة بالسجون والسجناء واستهدفت الوثيقة جميع الأجهزة الأمنية في المحافظات والمديريات من أمن عام وأمن ومخابرات وغيرها من الأجهزة الأمنية وتم التوقيع عليها من جميع قيادات وضباط تلك الأجهزة على وثيقة الالتزام التي تضمنت نصوص قانونية والتزام بالتعامل الإنساني مع جميع المحتجزين واعتبارهم أمانة وعدم التعذيب أثناء التحقيق معهم وعدم استخدام وسائل عنيفة معهم والالتزام بقواعد الاحتجاز وعدم تجاوزها لصلاحياتها القانونية في حجز الحرية المقيدة وفقا للدستور والقانون بقيود ملزمة وأهمها عدم حجز أي حجز أكثر من 24 ساعة ووجوبيه إحالة أي محتجز للقضاء قبل انتهاء الفترة القانونية للاحتجاز وان لا يتم حجز أي شخص إلا بتوافر أدلة على ارتكابه جريمة وعدم إبقاء أي شخص أكثر من الفترة القانونية في مراكز الاحتجاز مع تمكين المحتجز من حقه القانوني في الدفاع القانوني عن نفسه بشكل مباشر أو عبر محامي والإفراج الفوري عن جميع المحتجزين والسجناء فور صدور قرار الإفراج من الجهة المختصة قانونا وعدم رفض الإفراج عنهم أو فور انتهاء فترة العقوبة المحكوم بها عليهم .. كل هذه الضوابط الذي تضمنتها وثيقة الالتزام كانت ضمانة قوية للحد من تجاوز القانون وتحسين أداء الأجهزة الأمنية وإعادة ضبط مسارها في إطار القانون ودورها القانوني في حماية الحقوق والحريات لا انتهاكها.
تم تعميم تلك الوثيقة الذي تم توزيعها عبر مكتب المفتش العام بوزارة الداخلية بمشاركة إيجابية من ناشطين قانونين وكوادر مكتب المفتش العام ولكن ؟
للأسف الشديد توقف تفعيل تلك الوثيقة وعدم الاهتمام بها والتي كانت اذا استمر دورها لم تحصل تجاوزات للقانون من الأجهزة الأمنية والذي قد يكون لها تأثيرات خطيرة لمستقبل الوطن.
إلى جوار وثيقة الالتزام لكل من له علاقة بالسجون والسجناء قامت إحدى وسائل الإعلام الوطنية قبل حوالي عامين بإطلاق مبادرة لضبط تجاوزات الأجهزة الأمنية تضمنت المبادرة إعداد برنامج الكتروني يتم فيه ضبط أي تجاوز في حجز حرية أي شخص عبر نظام الكتروني يتم عبره إدارة فترة حجز أي شخص لدى الأجهزة الأمنية وكشف أي تجاوز للصلاحيات القانونية والإبلاغ الفوري للجهات القيادية للجهة الأمنية التي تجاوزت الصلاحيات القانونية في حجز أي شخص للتحقيق والضبط العاجل ومعالجة ذلك وكل ذلك عبر برنامج الكتروني وبشكل اتوماتيكي لأي تجاوز دون أي استثناء.
شاركت في فعالية إطلاق المبادرة جميع الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها وزارة الداخلية والمواصلات ومكتب رئاسة الجمهورية ووزارة حقوق الإنسان ولتجاوز ضعف الإمكانيات المالية لتشغيل النظام الالكتروني وما يستلزم تنفيذه من سيرفرات وأجهزة كمبيوتر وكاميرات وبرامج وتجهيزات الكترونية وغيرها من مكونات المنظومة الالكترونية استضافت وسيلة الإعلام مطلقة المبادرة جهات من القطاع الخاص التزمت بتغطية تكاليف شراء المنظومة الالكترونية بشكل كامل كان هناك تفاعل إيجابي عقب إطلاق ونشر المبادرة ولكن توقف تطبيق المبادرة والذي كان سيكون لها دور إيجابي لتحسين أداء الأجهزة الأمنية والحد من تجاوزها للقانون ولكن توقف تطبيق المبادرة كان له دور سلبي .
ورغم كل ذلك نؤكد بأنه لا يمكن تحقيق ضبط وتصحيح لمسار الأجهزة الأمنية وضبط أي انحراف في عملها إلا بتفعيل وثيقة الالتزام وتفعيل دور مكتب المفتش العام بوزارة الداخلية وتوسيع صلاحيات المفتش العام ليخضع له جميع أفراد وضباط وقيادات الأجهزة الأمنية بجميع مسمياتها وتشكيلاتها دون استثناء لا يمكن أن يكون أي جهاز أمني خارج رقابة المفتش العام وصلاحياته .
ما يحدث من تجاوزات للأجهزة الأمنية هو نتيجة منطقية ومؤشر واضح لضعف دور مكتب المفتش العام وعدم القيام بدورها بشكل مستمر بالتوعية بالدور القانوني للأجهزة والتحقيق الإيجابي في جميع شكاوى المواطنين ضد الأجهزة الأمنية بشفافية وسرعة وعدالة ومحاسبة من يتجاوز أو يقصر في مهامه القانونية.
بالإمكان تفعيل دور المفتش العام عبر خطوات عاجلة أهمها :
1- تعميم وثيقة الالتزام لكل من له علاقة بالسجون والسجناء وفتح تحقيقات عاجلة في أي مخالفة لتلك الوثيقة الذي تضمنت ضوابط وقواعد قانونية هامه تضمن حماية حقوق وحريات الإنسان.
2- تشكيل لجنة قانونية محترفة للنزول الى مكتب المفتش العام وتقييم دور المفتش عبر دراسة جميع ملفات الشكاوى لدى المكتب وتصحيح مسارات مكتب المفتش العام في أي قصور في تلك الملفات وتسريع إجراءات التحقيق والضبط وتحديد أوجه القصور والضعف في أداء المكتب وتصحيحها ومعالجتها وازاله أي معيقات تعيق دور المفتش العام .
3- تفعيل وتطبيق مبادرة وسيلة الإعلام الوطنية الذي اقترحت نظام الكتروني لضبط والرقابة على صلاحيات احتجاز الأشخاص وضبطها بالصلاحيات القانونية وضبط المتجاوزين والمخالفين للقانون وبما يعزز من الدور الإيجابي للأجهزة الأمنية في حماية الحقوق والحريات وعدم انتهاكها.
4- توسيع وتنشيط مراكز استقبال الشكاوى ضد أفراد وضباط الأجهزة الأمنية لدى مكتب المفتش العام ليستقبل كافة الاتصالات وتوسيع نظام الاتصالات ليستقبل جميع الشكاوى من جميع المحافظات دون أن يكون الرقم مشغول والاستقبال الفوري لتلك الاتصالات دون ضرورة الانتظار لساعات وان تكون استقبال الاتصالات طوال اليوم 24 ساعة وعدم حصرها في فترات زمنية محددة وقيد جميع الشكاوى والبلاغات بأي تجاوز أو انتهاك وسرعة التحقيق والبت فيها ومحاسبة المتجاوزين وجبر ضرر الضحايا ومنح صلاحيات قانونية لجهات أخرى للتحقيق في شكاوى المواطنين ضد مراكز استقبال الشكاوى لعدم معالجة الشكاوى خلال أسبوع من تاريخ تقديمها .
5- إجراء تدوير وظيفي لجميع كوادر الأجهزة الأمنية كل عام على الأقل حتى لا يستمر اي فرد او ضابط او قيادي للأجهزة الأمنية في مكان عمله أكثر من عام و وجوبية إخضاع الجميع للتدوير الوظيفي للحد من أي مصالح شخصية بسبب البقاء في نفس العمل لفترة طويلة دون تدوير.
وفي الأخير :
نؤكد على وجوبية تفعيل دور مكتب المفتش العام لضبط تجاوزات ومخالفات كوادر جميع الأجهزة الأمنية من ضباط وأفراد وقيادات وإخضاع الجميع لرقابة المفتش العام واتخاذ إجراءات عاجلة وسريعة للتحقيق في شكاوى وبلاغات المواطنين ضد الأجهزة الأمنية حتى لانستيقظ كل يوم على فاجعة تجاوز الأجهزة الأمنية للصلاحيات القانونية وتحولها من دورها القانوني في حماية حريات وحقوق الإنسان إلى منتهكه لها بمخالفتها للقانون ولا يمكن تحقيق ذلك ألا بتفعيل دور مكتب المفتش العام وتوسيع صلاحياته القانونية لتشمل رقابته جميع الجهات الأمنية دون استثناء وجميع كوادرها وقيادتها دون تمييز ولا استثناء ونؤكد على أهمية إعادة تعميم وتنشيط وثيقة التزام كل من له علاقة بالسجون والسجناء والذي تضمنت قواعد قانونية صرامة تضمن عدم انتهاك حقوق وحريات الإنسان وتوجب التعامل الإنساني مع المحتجزين وخضوع الجميع للقانون وعدم تجاوز الصلاحيات القانونية مهما كانت المبررات كما نأمل تطبيق وإنفاذ مبادرة وسيلة الإعلام الوطنية بتركيب وتنفيذ برنامج الكتروني للرقابة على جميع مراكز الشرطة والأجهزة الأمنية وكشف أي تجاوز أو مخالفة للصلاحيات القانونية وضبطها فور التجاوز والمخالفة وخضوع الجميع للقانون ونؤكد على وجوبية تقييم وتفعيل المفتش العام لضبط تجاوزات الأجهزة الأمنية
عبدالرحمن علي علي الزبيب
اعلامي مستقل ومستشار قانوني
law711177723@yahoo.com
اقرأ أيضا للكاتب:متى يتم استئناف تصدير النفط والغاز وصرف المرتبات في اليمن
الصورة تعبيرية ارشيفية