نفحات من كتاب لكي لا نمضي في الظلام (الحلقة الـ9)
نفحات من كتاب لكي لا نمضي في الظلام (الحلقة الـ9)
إن الحضارة في الحاضر والمستقبل منارة للشعوب التي يحكم فيها الطغاة، طغاة العصر الحديث وطغاة الماضي وكل منهم يريد أن يوّرث هذه الشعوب العربية والإسلامية لأولاده وكأنها حظيرة أغنام، أو مزرعة تتقسم بين الورثة، هذه هي مسيرة الطغاة وهذه هي معالمهم، أما انطلاقة الشعوب نحو الحرية والديمقراطية فإنها ليست محببة عند الطغاة لأنها مزلزلة لعروشهم، ولعل مفكرنا الكريم المجاهد إبراهيم بن علي الوزير قد ألمح في كتابه الذي نقتبس منه هذه الحلقات ( لكي لا نمضي في الظلام ) ولعل وسائل الإعلام كانت في ذلك العصر، عصر ثورة 1948م نادرة حيث لا يوجد معهم سوى المذياع، والثورات التي توقظ الشعوب تنطلق من وسائل الإعلام سواء المقروءة أو المسموعة أو وسائل التواصل الاجتماعي. ونقتبس من كتاب مفكرنا الكبير ” أولاً: وهو أهمها – فقد كانت الثورة بمثابة مدرسة عامة للشعب علمته، في إطار شريعة الله أن له حقوق وعليه واجبات كما أن الثورة أيقظت التاريخ النائم في بلادنا، إن صح هذا التعبير، وزعزعت حكم الفرد وردت إلى المستضعفين الثقة في أنهم يستطيعون أن يعملوا شيئاً، كما نبهت الرجل العادي إلى العصر الحديث والحضارة الجديدة للإنسان التي كان يجهل حتى مجرد وجودها جملة وتفصيلاً. وكان يجهل واجب المسلم إزاء وسائل القوة.. “ انتهى الاقتباس.
إنها حقيقة أن تلك الثورة التي زلزلت عرش الطغاة وظلوا خائفين من أن تلك الصحوة سوف تأتي لتجتث عرشهم حتى ولو بعد حين، وهاهي الحقيقة فقد ظلت الثورة الأم تأتي ثمارها بحرقة من 1955م وغيرها إلى ثورة 26 سبتمبر عام 1962م التي كانت منارة ولكنها تحولت إلى حُكماً استبدادياً فردياً ولم تكن الشورى إلا اسماً، ولم يكن العدل إلا نادراً، هذه هي مسيرة الطغاة في كل زمان وحين. إننا نعيش في ظل كتاب منير ينير دربنا نحو الخلاص من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ذلك الكتاب وغيره من الكتب التي كتبها مفكرنا المجاهد الذي نقتبس من كلماته والنور المشع في تلك الكتب، إنها كتب لها نبراساً ووتراً يصعد بنا إلى الحرية هو وغيره من الكتّاب الذين أناروا وأيقظوا الأمة نحو العدل والسلام وبناء الحضارة، حضارة التسامح والبناء. ولعلنا نقتبس كلام من ذلك الكتاب ” ثانياً: تهدّم بعض الأسوار في السجون الكبيرة – العزلة – فغزت بلادنا بعض مخترعات الحضارة الحديثة ومنجزاتها الرائعة ومن أهمها الإذاعة والراديو والكلمة المطبوعة والكهرباء. مهما كان ذلك في شكل ضيق ومحدود “ انتهى الاقتباس.
إن وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من البث الإذاعي والتلفزيوني والمطبوعات قد تفنن فيها الطغاة من أجل تلميع صورهم القبيحة للشعوب فأصبحت ماجنة ونتنة. فمنذ انتشار وسائل الإعلام السمعية بدايةً عبر البث الإذاعي وأجهزة الراديو التي كانت منتشرة بكثرة في الأوساط العربية، ثم البصرية ودخول التلفاز إلى البيوت، أدركت الأنظمة أهمية هذا الجهاز الساحر، في التأثير على عقول المواطنين والتلاعب بها وترويضها، لأن ما يبث من خلالها من معلومات وبيانات ومواقف ورؤى وأية مضامين أخرى، يؤثر بشكل مباشر في وعي وإدراك الناس. لذلك تستخدم الأنظمة السياسية الوسائل الإعلامية لتلميع صورة الحاكم وتجميل نظامه، وتوجيه الرأي العام المحلي نحو تمجيد وتوقير هذا الرئيس ونظامه حرصاً على الوطن، ويصبح كل صوت معارض، وكل من يوجه انتقاد للزعيم أو لنظامه هو خائن للوطن. ثم يتم توظيف وسائل الإعلام لتمرير رؤية الحاكم وأفكار نظامه حول مختلف القضايا بدءًا من طريقة الحاكم في طهي الكوسا حتى فطنته في اكتشاف طبقة الأوزون. ناهيك عن الملصقات الكبيرة واللافتات الضوئية التي تنتشر في الطرقات والميادين والجسور، ملصقات لصور القائد والزعيم والرئيس والحاكم بأمر الله، صور بملابس مدنية وأوضاع مختلفة، وصور بالزي العسكري مدججة بالنياشين والأوسمة حتى لو كان الرئيس لا يميز بين الرقيب والعريف. ولافتات تمجد الحاكم الحكيم، العالم العليم، الحصيف المتبصر، الرزين النجيب، الألمعي الرشيد ويتم وضع اللافتات وصور الرئيس في أماكن مرتفعة مختارة بعناية. وفي المقابل ومن أجل أن ينال الشعب حقوقه لابد من استخدام نفس الوسائل التي يستخدمها هو من أجل التوضيح للشعب حقوقه وواجباته، وبدل من أن تخدمه هو فنحن أولى منه بذلك.
بقلم الشيخ عزيز بن طارش سعدان شيخ قبلي الجوف برط ذو محمد