تحول الحلم إلى حقيقة
الأثنين 21نوفمبر2022 ــ بعد الانتظار لـ 12 عاما، انطلقت مساء أمس الأحد بقطر فعاليات أول بطولة لكأس العالم في المنطقة العربية والشرق الأوسط، بحفل مبهر نظم في ملعب البيت، في حين سيطرت حالة من خيبة الأمل على مشجعي المنتخب القطري عقب الهزيمة أمام نظيره الإكوادور في المباراة الافتتاحية، بهدفين دون مقابل، ضمن الجولة الأولى من المجموعة الأولى.
وقبل ساعات قليلة من انطلاق أكبر حدث كروي في العالم، وهو الأول في بلد عربي مسلم، تصاعدت الأجواء وسط الدوحة مع تدفق المشجعين من الأركان الأربعة للكرة الأرضية.
مرحبا بكم من بلاد العرب
وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إن قطر بذلت جهودا كبيرة مع الكثيرين لتنظيم هذا الحدث ليكون من أنجح الدورات، واستثمرت في الخير للإنسانية جمعاء، ووصف بطولة كأس العالم بالمهرجان الكروي الكبير للتواصل الحضاري.
ولدى إعطائه إشارة الانطلاق لافتتاح بطولة كأس العالم، قال أمير قطر في كلمة له بملعب البيت “من بلاد العرب أرحب بالجميع في بطولة كأس العالم 2022، لقد عملنا ومعنا كثيرون من أجل أن تكون من أنجح البطولات، بذلنا الجهد واستثمرنا في الخير للإنسانية جمعاء، وأخيرا وصلنا إلى يوم الافتتاح، اليوم الذي انتظرتموه بفارغ الصبر”.
وتابع الشيخ تميم “بدءا من هذا المساء وطوال 28 يوما سوف نتابع ومعنا العالم بأسره -بإذن الله- المهرجان الكروي الكبير في هذا الفضاء المفتوح للتواصل الإنساني والحضاري، سوف يجتمع الناس على اختلاف أجناسهم وجنسياتهم وعقائدهم وتوجهاتهم هنا في قطر وحول الشاشات في جميع القارات، للمشاركة في لحظات الإثارة ذاتها”.
وختم كلمته في حفل الافتتاح الذي حضره العديد من قادة وزعماء العالم بالقول “ما أجمل أن يضع الناس ما يفرقهم جانبا لكي يحتفوا بتنوعهم وما يجمعهم في الوقت ذاته، أتمنى لجميع الفرق المشاركة أداء كرويا رائعا وروحا رياضية عالية، ولكم جميعا قضاء وقت ملؤه الفرح والتشويق والبهجة، ولتكن أياما ملهمة بالخير والأمل، أهلا وسهلا بالعالم في دوحة الجميع”.
من جانبه، ألقى رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” (FIFA) جياني إنفانتينو كلمة بأكثر من لغة -من بينها اللغة العربية- رحب خلالها بالحاضرين، متمنيا التوفيق لجميع المنتخبات المشاركة.
وبدوره قال الرئيس الجزائري إنه “من حق قطر الشقيقة أن تفخر بنجاحها الثابت في تنظيم نسخة 2022 لكأس العالم، ومن حقنا أيضا أن نفخر بتمثيلها الرفيع لأشقائنا العرب وكسبها الرهان.. ألف مبروك لأخي سمو الأمير تميم ولكل الشعب القطري”.
وقال زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر إنه يتمنى أن يكون كأس العالم في قطر “كأساً لوحدة الصف العربي والإسلامي ونشر السلام لا سيما في اليمن وسوريا ولبنان وباقي الدول العربية”.
وأضاف الصدر “ويكون إثباتا واضحا للعالم أن العرب والمسلمين قادرون على إدارة الكأس وتنظيمه وقادرون على نشر السلام ووحدة الصف عربيا وإسلاميا ودوليا وذلك هو الفوز والنجاح الأكبر أمام الغرب”.
وبارك رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، لقطر والعالم العربي “الإنجاز والتنظيم المبهر والرائع للمونديال”، معتبرا إياه “محل فخر واعتزاز لكل عربي”.
بدوره، وصف السفير اليمني لدى دولة قطر، راجح بادي، تنظيم قطر للمونديال بـ “الحدث العظيم”، وكتب على حسابه في تويتر، “لحظة فارقة في تاريخ قطر والعرب، أهنئ أشقاءنا في دولة قطر بهذا التنظيم والافتتاح المذهل للمونديال، أيام ممتعة لكل عشاق كرة القدم في أرجاء المعمورة”.
7 لوحات في حفل الافتتاح
وحظي الحفل الذي أقيم في ملعب البيت بالخور شمالي قطر باهتمام وسائل الإعلام العالمية، لما شهده من تنظيم وإبهار غير مسبوق في تاريخ افتتاحات البطولة الأبرز في العالم، ووصفته بعض وسائل الإعلام العالمية بالتاريخي، حيث خطف أنظار العالم وأثار تفاعلا واسعا من محبي الساحرة المستديرة.
مثلت اللوحة الأولى “بوابة عبور” الافتتاح الرسمي للحفل، فأخذت المشاهدين في جولة إلى المواضيع التي ستطرح خلال الافتتاح عن طريق فيديوهات سينمائية عبرت عن عدة رموز رئيسية، أولها الهاون والمدق الذهبي، والمرأة ومكانتها عند المجتمع العربي وكونها عمود البيت، وقرش “النهم”، وملعب البيت، واستضافة المرتحلين الآتين من مختلف أرجاء العالم تلبية للدعوة.
ويعود سبب استفتاح الحفل بالهاون لأن العرب عُرفوا بدق البن والبهارات عند تجهيزها لاستقبال الضيوف، بالإضافة إلى كونه رمزا ثقافيا قديما، فيعد من أقدم أدوات المطبخ المكتشفة عالميا، وله معنى رمزي آخر يمثل “الخصوبة والوفرة والإبداع”.
أما قرش “النهم” فيدل على عدة معان رمزية، أولها أنه يمثل دليل بوصلة للملاحين خلال ارتحالهم، كما يعبر عن أهمية النظر للداخل وعدم الحكم على المظهر، فهذا القرش يظنه الكثيرون معاديا، لكنه كائن مسالم وصديق للإنسان، كما تعبر النقاط البيضاء عليه عن “التفاؤل والرخاء”، بالإضافة إلى اعتباره يمثل البيئة البحرية القطرية.
لوحة “لتعارفوا”
ارتكزت هذه اللوحة على 3 فقرات، الأولى “ليتني خيمة” التي تعرض نقطة نهاية صوت الهاون بخروج 3 سيدات قطريات، تليها أغنية قطرية بصوت المغنية القطرية دانا.
ثم فقرة “الحوار” التي عالجت إشكالية المفاهيم المغلوطة حول ازدواجية المعايير وإطلاق الأحكام المتسرعة، في دعوة للحوار والتعارف والتعلم من الآخر رغم الاختلاف.
وعبر عن هذه الفقرة الممثل مورغان فريمان والشاب القطري غانم المفتاح الذي يمثل الجيل الجديد، وشكل كلاهما قطبين من وجهات النظر، فيتناقشان ويتحاوران حتى يلتقي الجسران الضوئيان اللذان يقفان عليهما كناية عن التقاء الغرب والشرق ودعوة لملء المسافات بالتقبل والاحترام والتعايش.
وخلال هذا الحوار قرأ الشاب غانم المفتاح الآية الكريمة “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
أما الفقرة النهائية فبدأت بأغنية “هلا” للترحيب بالشعوب المختلفة، والتي عبرت عن التساوي بين الجميع، والحنين لذاكرة المنطقة الخليجية المرتبطة ببعض الأحداث الرياضية، وشكلت أيضا دعوة للتعاون وإبداء المحبة والسعي نحو الخير.
لوحة “إيقاع الأمم”
ارتكزت هذه اللوحة على الاحتفال بمشجعي كرة القدم من جميع أنحاء العالم حيث اعتبرتهم الأبطال الحقيقيين لهذه البطولة، فجمعت أشهر هتافات تشجيع المنتخبات الـ32 المشاركة، وسط عراضة قطرية -في تقليد احتفالي شعبي- هدفت إلى إيصال فكرة العلاقة المشتركة بين شعوب العالم رغم اختلاف الثقافات واللغات.
لوحة “نوستالجيا كروية”
جمعت هذه اللوحة التعويذات الرسمية السابقة تكريما للدول المستضيفة السابقة لكأس العالم، مع مزيج موسيقي يعبر عن إرثها جميعا في تشكيلة ممزوجة من أغاني البطولات السابقة تعبر عن دورها في إلهام العالم للبطولة الحالية وزرع الإيمان لتحقيق الحلم.
وكان “لعيب” تعويذة قطر لكأس الفيفا هذا العام بطل هذه اللوحة صاحب القدرة الخاصة بالانتقال بين الأزمنة، والذي يمر عبر ذكريات البطولة السابقة، متحديا أبعاد الزمان والمكان.
لوحة “الحالمون”
الحالمون آخر موسيقى تصويرية رسمية لألبوم كأس العالم فيفا قطر 2022، إلى جانب الأغاني السابقة “ارحبوا” و”هيا هيا” و”قناديل السماء” من أداء الفنان القطري فهد الكبيسي وعضو فرقة “بي تي إس” (BTS) الكورية جونغ كوك.
أحيت هذه الأغنية طموحات دولة قطر التي حلمت بتحقيق حلم المونديال منذ 12 عاما، واستطاعت تحويل الحلم إلى حقيقة، كانت هذه اللوحة بمثابة رسالة للعالم أن قطر مستعدة كما وعدت، كما عبرت عن ضرورة قبول الآخر كما هو، في دعوة للتعايش والحوار.
عرضت هذه اللوحة فيلما تاريخيا أرشيفيا يعرض للمرة الأولى يظهر فيه الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وهو يلعب الكرة مع مجموعة من أصدقائه المساهمين في بناء البلاد، بطريقة عرض سردية تاريخية تستعرض حلم المونديال في البلاد منذ بدايته، والتي انتهت باستضافة واحد من أكبر الأحداث العالمية.
لوحة “هنا والآن”
آخر محطات الافتتاح بدأت بكلمة لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وانتهت بظهور الشعار الرسمي لكأس العالم فيفا قطر 2022 على ارتفاع 15 مترا، والذي يشكل البداية لـ”هنا والآن” من هذه الأرض للعالم، مع تجمع عناصر اللوحات السابقة وهي: التعويذات والممثلون والمؤدون ومجموعة من المشجعين من مختلف أنحاء العالم، في أجواء احتفالية انتهت بعرض ألعاب نارية مميزة.
قطر ستحول الحلم إلى حقيقة
وفي السياق ذاته، قال الكاتب سيباستيان بوسوا في مقالِ رأي نشرته صحيفة لوتون السويسرية، إنه لا ينبغي للغربيين استغلال هذا الشهر المقدس في كرة القدم، لتصفية حساباتهم مع العالم العربي.
واعتبر أن تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم للمرة الأولى في دولة عربية هو بمثابة لحظة التي طال انتظارها، مشيرا إلى أنها لحظة تاريخية قبل كل شيء.
وبدوره، أشار مقال في صحيفة لوفيغارو الفرنسية إلى أن دولة قطر ستُحول الحلم إلى حقيقة، مضيفا أن هذا التجمع العالمي سيُظهر قوة دولة صغيرة جغرافيا، أصبح وجودها ضروريا على المسرح العالمي، رغم الجدل الذي تثيره هذه الدورة من فعاليات كأس العالم لكرة القدم.
وتساءل المقال: هل تتمكن الدوحة من تحقيق التنظيم المطلوب في هذه البطولة العالمية، خصوصا أن الاستطلاعات تُـفيد بإمكانية وصول أكثر من مليون زائر خلال البطولة؟
ويشير المقال إلى التحدي الأمني، ويقول إن قطر اختارت التعاون مع عدة دول مثل تركيا والمغرب وفرنسا لإدارة حركة الجماهير والأمن حول الملاعب.
هزيمة وخيبة أمل
إلى ذلك تجرع العنابي القطري مرارة الخسارة في أول لقاء في تاريخه ببطولات كأس العالم وذلك في افتتاح مونديال 2022 الذي يقام على الأراضي القطرية من 20 نوفمبر وحتى 18 ديسمبر القادم.
وجاءت خسارة العنابي أمام منتخب الاكوادور الممثل الرابع لقارة أمريكا اللاتينية بهدفين دون مقابل في المواجهة التي جمعتهما على ستاد البيت في العاصمة الدوحة.
النجم الاكوادوري فالنسيا والمحترف في الدوري التركي كان المبادر إلى هز الشباك مبكراً في الدقيقة الثانية من الشوط الأول لكن الحكم ألغى الهدف بداعي التسلل عقب العودة لتقنية الفار، قبل أن يعود اللاعب نفسه ويمضي على أول أهداف المونديال من علامة الجزاء في الدقيقة السادسة عشر بعد مخالفة من حارس مرمى قطر سعد الشيب، ومن ثم براسية أكثر من رائعة بعد مرور حوالي نصف ساعة من الشوط الأول والمباراة.
الجمهور القطري أصيب بخيبة أمل كبيرة ، بسبب رفع سقف التوقعات بأن منتخبه سيتجاوزر الاكوادور وبسهولة، بل وبكم لا بأس به من الأهداف، غير أن أداءه لم يكن مقنع قياسا بمستوى التحضيرات التي خاضها على مدى الأربعة الأعوام المقبلة..
صوت الشورى: الجزيرة + وكالات + مواقع التواصل الاجتماعي