ثقافة وسياحة

دار الحجر.. مُعجزة معمارية نبتت في الصخر

بناه الأمام المنصور في القرن الثامن عشر الميلادي على انقاض الحصن الحميري ذي سيدان

عبدالرحمن مطهر

تعاني العاصمة صنعاء من ندرة المتنفسات والمتنزهات السياحية والطبيعة خاصة مع توسع أمانة العاصمة لتشمل أجزاء كبيرة من محافظة صنعاء, خاصة مع موجة النزوح التي شهدتها العديد من محافظات الجمهورية إلى أمانة العاصمة بسبب العدوان المستمر على بلادنا منذ سبع سنوات.

 لذلك يعتبر قصر دار الحجر أحدى الوجهات المفضلة للعديد من الأسر لقضاء يوم ممتع لقربه من العاصمة وأيضا لما تحتويه المنطقة التي يقع فيها من مناظر زراعية خلابة , لهذا يلاحظ الزائر ازدحام منطقة وادي ظهر بالعددي من الزائرين لهذا القصر البديع خاصة خلال أيام الأعياد والإجازات والمناسبات الوطنية, خاصة أن قصر دار الحجر جمع جمال المكان وروعة المعمار وعبق التاريخ الأمر الذي جعله أحدى المعجزات المعمارية لتفرده ببنائه وهندسته التي ليس لها مثيل.

الموقع  

يقع درا الحجر في وادي ظهر شمال غرب العاصمة صنعاء حوالي ثلاثين كيلو متر من العاصمة ،وتحديداً في مديرية بني الحارث, حيث يعتبر هذا القصر أحد أبرز المتنفسات السياحية والترفيهية لسكان العاصمة صنعاء والمقصد السياحي الأول للسياح من داخل اليمن ومن خارجه.

 ذلك لقربه من العاصمة صنعاء كما ذكرت خلال الأسطر السابقة  ،وأيضاً لما يتميز به هذا القصر الفريد من نوعه على مستوى العالم من هندسة معمارية فريدة يستحق أن يحوز على معظم الجوائز العالمية في فن العمارة غير أنه لم تسلط عليه الأضواء كبعض القصور والمعالم المعمارية في بعض دول العالم، أيضا إلى جانب شهرة وادي ظهر بخضرته الدائمة على مدى العام ، حيث تُزرع فيه مختلف أشجار الفاكهة من عنب ورمان وخوخ ومشمش وغيرها إلى جانب أشجار القات التي توسعت بشكل كبير على حساب زراعة الفاكهة رغم خصوبة الأرض والتي لا تضاهيها في خصوبتها أي ارض زراعية في العالم.

  بناء القصر

يعود تاريخ بناء القصر إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي حين أمر ملك اليمن الإمام المنصور علي بن العباس وزيره علي بن صالح العماري (-1736 1798) والذي اشتهر بالهندسة المعمارية ببناء قصر في وادي ظهر ليكون قصراً صيفياً له، ويروي المؤرخون انه بني على أنقاض حصن سبئي قديم كان يعرف بحصن ذي سيدان الذي بناه الحميريون عام 3000 ق. م، ودمر الحصن على يد الأتراك قبل أربعمائة عام، وأعيد ترميمه في بداية القرن العشرين على يد الإمام يحيى حميد الدين بعد أن توارثه عدد من الملوك اليمنيين.

و يتكوّن قصر دار الحجر من سبعة أدوار متناسقة بتصميمها مع التكوين الطبيعي للصخرة التي اعتبرت “أساس البنيان” وعند بوابته توجد شجرة كبيرة تسمى “الطالوقة” وهي من الأشجار المعمرة حيث يقدر عمرها بـ 700 عام.

والدخول إلى القصر يتم عبر ممر واسع مرصوف بأحجار ضخمة توصل إلى استراحة، ويقع المفرج على الجهة الشمالية في ساحة القصر ويطل على حوض مائي دائري مبني من حجر “الحبش”  الأسود بشكل هندسي في غاية الجمال والإبداع ، كما توجد داخل القصر بئر عميقة للماء حالياً هي جافة، بسبب نضوب المياة التي استنزفتها أشجار القات, وهناك العديد من الغرف التي تم تقسيمها بشكل هندسي فريد بحيث تم تخصيص غرف للنساء وغرف أخرى للرجال وكلٌّ لها مداخل خاصة بها بحيث لا يختلط الرجال بالنساء لا سيما وأنه قصر للحكم وهناك الكثير من الحرس والزائرين لحاكم اليمن.

كما يتكون القصر من 35 غرفة موزعة على سبعة أدوار وهذه الغرف عبارة عن “دواوين” غرف كبيرة بشكل مستطيل ،وكذلك من غرف وصالات وملاحق صمّمت بإبداع ومرتبطة ببعضها البعض فوق الصخرة الكبيرة.

بعد الدخول من بوابة القصر يجد الزائر غرفة واسعة نسبياً خُصصت حالياً لبيع التحف وغرف الدور الأول والثاني كانت مخصصة للتخزين ، وعند الصعود إلى الدور الثالث حيث كلما توسع القصر مع الصعود للأعلى يجد الزائر في منتصف الدرج غرفة صغيرة جداً وبابها يبدأ من امتداد رأس الشخص الواقف أمامها إلى أعلى بقليل .. هذه الغرفة كانت مخصصة لـ “الدويدار” وهذا لفظ تركي يُطلق على طفل دون الـ12 من عمره أي قبل البلوغ.. هذا الطفل هو من يقوم بخدمة نساء القصر ولم يكن يسمح لأي رجل من رجال الحراسة أن يتجاوز غرفة “الدويدار” وهذا الدور مخصص لعائلة الإمام الحاكم , ويتكون من عدة غرف وفي إحدى هذه الغرف خزانة كبيرة محكمة مخصصة لحفظ الأشياء الثمينة من مال أو أوراق ومستندات ووثائق أو غيرها .

أما الدور الرابع فينقسم إلى قسمين: القسم الأول به غرف متعدّدة متساوية الحجم ، كانت تستخدم كمجالس خاصة بالإمام وبها خزنة منحوتة حفراً داخل جدار الغرفة ومرتفعة المستوى ويتم الوصول إليها بطريقة مبتكرة وهي سُلّم تغوص درجاته الخشبية داخل عمق الجدار، أما القسم الثاني فهو مبني على الصخرة وفيها غرف عديدة مخصصة للجواري أو خادمات القصر، حيث زوّد هذا القسم بغرف عده تخص طحن الحبوب (الرحى) وتوجد بجانب هذه الغرف شرفة كبيرة مطلة على أحد الوديان الخضراء، هذه الشرفة تسمى (المصبانة) وهي شرفة تستخدمها الخادمات لغسل الملابس وذلك عن طريق تجميع مياه الأمطار بطريقة سليمة عن طريق مجرور يبدأ من الدور السابع للقصر لينزل بانحدار إلى غرفة المصبانة ليتجمّع بمكان يشبه الحوض أو البركة ليتم استخدامه عند الحاجة، ويتم نشر الملابس فوق جدار مصنوع من الجرانيت بشكل جميل ومتناسق على امتداد الشرفة.

الدور الخامس تم تقسيمه إلى قسمين: قسم يؤدي مباشرة إلى الدور السادس دون المرور بالدور الخامس وهو خاص بالإمام الحاكم,  والقسم الآخر يخص نساء الإمام “أجنحة زوجات الإمام”  وجناح الإمام يتكون من غرفة كبيرة نسبياً تطل على الوادي الأخضر وعلى جدران هذه الغرفة يوجد رسم لصورة الإمام يحيى بن حميد الدين بريشة فنان إيطالي، وبجانب هذه الغرفة توجد غرفة أخرى حجمها يقل عن حجم الغرفة السابقة وبها عدة نوافذ صغيرة تسمى “الكمة” وهي أيضا لفظة تركية ,وبالمناسبة هذه الكمة وبنفس اللفظ مازالت موجودة في معظم البيوت الصنعانية القديمة ، هذه الغرفة أو الكمة بتشديد الكاف وضم الميم ,كانت تخص الإمام حيث ينفرد بنفسة للعبادة وقراءة القرآن والتقرب إلى الله ، أما الدور السابع والأخير فهو عبارة عن مجلس واسع البناء وبه ملحقاته الخاصة من مطبخ وحمّام وغيره، مقابل هذا المجلس توجد شرفة جميلة واسعة مكشوفة ومحاصرة بسياج كبير أبيض الزخرفة بنوافذ بيضاوية تسمح برؤية من في الخارج وعدم رؤية من في الداخل وهي مخصصة للنساء ، وفي زاوية الشرق يوجد مكان خاص بطيور الحمام الزاجل، هذه الطيور كانت تُستخدم للمراسلات، وهناك على يمين القصر جامع بناه الإمام يحيى وكان يصلي فيه، وأيضاً هناك مجموعة من البيوت وعددها خمسة متجمّعة بقرب القصر كانت تستخدم كسكن لحرّاس الإمام.

مقابر صخرية

 أيضا يحتوي القصر على عدد من الكهوف التي كانت تستخدم كمقابر صخرية لدفن الموتى وهذا النظام عُرف في اليمن القديم وهناك نماذج عديدة للمقابر الصخرية في اليمن لا سيما في شبام كوكبان وغيرها،خاصة أننا نتحدث عن قصر تم تشييده على انقاض حصن سبئي حميري قديم ، وقد ترجع هذه المقابر لشخصيات كبيرة في الدولة اليمنية القديمة كملوك سبئيين حميريين أو قادة عظام في ذلك العهد.

المفرج

 وقد استمر القصر على حالته دون أية اضافات حتى عهد الإمام يحيى بن حميد الدين الذي جاء للحكم عام 1918م بعد صلح دعان مع الأتراك وأضاف المفرج مع النافورة المائية المقابلة للمفرج والتي زادت القصر رونقاً وجمالاً وبهاء.  

وهذا المفرج كان معروفاً في البناء المعماري الصنعاني خاصة في بير العزب وفي الروضة القريبة من صنعاء 15 كليو متر من العاصمة صنعاء ، حيث كانت أغلب المنازل الكبيرة والتي تعود لشخصيات عريقة في الدولة تحرص على بناء المفرج وهو عبارة عن غرفة كبيرة في حديقة البيت و يتم بناء نافورة مائية أمامه تزيد من جمالية وروعة المكان، وكذلك حمام ملحق بجانبه بحيث يكون مخصصاً لاستقبال الضيوف وعادة يكون مؤثثاً بأثاث جميل يعكس مكانة الشخص صاحب البيت لذلك حرص الإمام يحيى على بناء هذا المفرج لاستقبال ضيوفه فيه.

استكشاف ومغامرة

زيارة قصر دار الحجر تُعد متعة وروعة ولا تخلو من المغامرة والاستكشاف، ففيها الاستمتاع بما حبا الله تلك المنطقة من جمال وبهاء طبيعي ، ففيها أجمل صور الإبداع والمغامرة بين أحضان الطبيعة بجبالها الشاهقة المحيطة بالقصر والتي يمكن المغامرة بتسلّقها وهناك غابة من الأشجار لمختلف أنواع الفواكه المتنوعة ، لكن للأسف هناك ما يخدش هذا الجمال وروعة المكان يبدأ ذلك من الطريق التي تؤدي إلى دار الحجر والتي لم تعرف الصيانة منذ سنوات بعيدة إلى جانب عدم الاهتمام برصف الوادي بالأحجار كما تم ويتم حالياً في وادي السائلة في العاصمة صنعاء,مع مراعاة عمل معالجات لتغذية المياة الجوفية والتي لم يتم عملها في وادي سائلة صنعاء القديمة, خاصة أن هذه المنطقة من أبرز مناطق الجذب السياحي القريبة، ولم يكن ذلك المشهد الذي يسيء لقطاع السياحة في بلادنا ، أيضاً عدم وجود الخدمات التي يحتاج إليها الزائر من دورات للمياه والاستراحات الراقية التي يستطيع فيها الزائر تناول طعامه والاستراحة بحيث يقضي يومه بالكامل في هذه المنطقة الطبيعية الجميلة ، إلى جانب عدم وجود مواقف مناسبة للسيارات وغيرها من الخدمات الضرورية في مثل هذه الأماكن السياحية ، كذلك هناك العدد الكبير من المتسوّلين المتواجدين بجانب باب الدار وخلف الدار وأمام الدار فحكايتهم حكاية، أعمارهم تتفاوت ما بين 5 سنوات و60 سنة وهم ليس من أبناء الوادي وأعدادهم تزداد بزيادة عدد الزائرين فتجدهم بالعشرات في أوقات الذروة حتى قبيل الساعة الثانية عشرة ظهراً؛ ولا يلبثون أن يختفوا عن الأنظار حتى الساعة الثالثة عصراً لتشاهد أفواجاً أخرى تبدأ بالوصول وتنتشر على الساحات والمنطقة المطلة على الوادي، وهو نفس الوقت الذي يصل فيه عدد كبير من العوائل والمتنزّهين إلى المنطقة.

 فللأسف اليمن جميلة و لدينا العديد من المواقع والمعالم سياحية الطبيعية والفريدة على مستوى العالم، غير أن كل ذلك بحاجة إلى استقرار أمني وسياسي وإلى بنية تحتية وتسويق علمي احترافي لما نمتلكه من كنوز طبيعية وأثرية، فالسائح القادم إلى بلادنا لا يلبث أن يغادر بمجرد وصوله إلى أيّ مكان سياحي آخر، لكون هذا المعلم السياحي يغرّد وحيداً دون وجود البنية التحتية الضرورية المرافقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى