جدار صماء…لكنها لا تكف عن الثرثرة!!
جدار صماء…لكنها لا تكف عن الثرثرة!!
الجدران الصامتة التي تراها وأنت تسير في الشوارع ليست كذلك!..بل ها مليئة بالبوح الكثير أنها تتكلم وتخاطب الآخرين عند مرورهم أمامها، لا تكف عن شد الانتباه إليها في أحلك الأوقات ، تعبيراتها لا تخلو من مغزى سياسي و اجتماعي وعاطفي …الخ لها دلالتها التي تعكس رغبة الفرد في التعبير عن مكنوناته وإفراغ حمولته المثقلة التي لا تخلو من الجرأة والحدة معا، بعيدا اى مساءلات قانونية أو حتى ضوابط مجتمعية، لا نعنى جدران الشوارع فقط!! فهناك جدران مغلقة أيضا كأبواب الحمامات والمقاعد في وسائل النقل العامة، وغيرها من الأماكن التي أضحت وكأنها وسيطا لتلك الأصابع التي كتبت ورسمت، وأن كانت بعض العبارات التي نقرأها أثناء تجوالنا خارجة عن الذوق العام وخادشة للحياء ،والتي تنم غالبا عن كبت جنسي وفراغ عاطفي ووجداني ونفسي نتيجة لعوامل عديدة منها التفكك الأسرى والحروب
تعبير مختلف
كما أن هناك نوع آخر فى الاحتجاج والتعبير لا يمكن إغفاله وهو الرسم على الجدران ،أو ما يسمى بالجرافيت وهو أحد الفنون التى تعتمد التعبير بالرسم على الجدران بطريقة فنية، هذا النّوع من الفنون من أكثر الوسائل قدرةً على إيصال الرّسائل للتعبير عن فكر صاحبهِ ،أو عن قضيّةٍ سياسيةٍ أو اجتماعية يحاولُ فيها الشّخصُ وبطريقةٍ عفويةٍ إيصالَ فكرهِ بطريقةٍ جميلةٍ ومبدعةٍ؛ حيث تنوّعت طرق الرّسم لتشمل الرّسم الثنائي وثلاثي الأبعاد ، لاقى هذا النّوع من الفنونِ استحسان الأفراد والمجتمعات لما ساعدَ به من جذبِ أنظارِ المجتمعات والحكومات ،إلى قضايا مُعيّنة بغض النّظر عن العرق والدّين والفئةِ العمريةِ والثّقافة والّلغة،
وازدهر هذا الفن كما هو الحال الكتابة أبان اندلاع الثورات، التي حدثت في الكثير من البلدان التي شهدت احتجاجات ،ولعلل ثورات الربيع العربي كانت قد شهدت الكثير من هذه الشعارات والرسوم تزينت بها الجدران، وإذا ما أخذنا اليمن كنموذج فقد رأينا الكثير منها مازالت حاضرة حتى هذه اللحظة ،والتي كانت كثيرا ما تزعج السلطات حينها، وفتحت أذهان الناس على أشياء كثيرة كانت في طي الكتمان كانت لها تداعياتها
《بعض المجتمعات تعيش حالة من الكبت فهذه الكتابات هي تعبير عما يعتمل داخل المجتمع من انفعالات وسلوكيات وأنماط وتوجهات وتيارات وحالات ثقافية اجتماعية وسياسية واقتصاد 》
تواصل بشرى
وإذا ما رجعنا للوراء قليلا لمعرفة بداية معرفة الإنسان بالكتابة تقول غادة الحلايقة في هذا الصدد “أن الكتابة تعبر عن التجسيد المرئي لكافة اللغات الغريبة للأنواع البشرية المختلفة، حيث تمكن من حفظ وإرسال الأفكار عبر المسافات الشاسعة من الزمان والمكان، وتتابع قائلة إنها ” علامة أساسية من علامات الحضارة، ولغاية هذه اللحظة لم يتم التوصل للشخص الذي ساعد في تطور الكتابة لأول مرة في التاريخ، ولكن العلماء يقترحون بأن الكتابة بدأت في عام 6000 قبل الميلاد، كما أنهم ربطوها بالأصوات الهامة للأحرف بحيث أنه إذا تم اقتراح حرف لكل صوت فإن النتيجة هي أبجدية كاملة.
الحلايقة تورد مفهوم آخر حول اللغة وتعرفها بأنها ” شكلاً من أشكال التواصل البشري التي تحمل مجموعة من العلامات المرئية والتي تشكل لغة معينة حسب الاتفاق والعرف، وبالتالي هي في حقيقتها تمثل اللغة في مستوياتها المتعددة بما في ذلك الجمل والكلمات المختلفة بالإضافة للمقاطع الصوتية، كما تشكل تمثيلاً مباشراً للفكر حيث أن لها مجموعة من الوظائف ذات القيمة الاجتماعية،كما يمكن وتستطرد الأخيرة بالقول” الكتابة بنظام يتكون من الرموز المرسومة والتي يمكن استخدامها للتعبير عن المعنى ونقله وعن الفرق بيت الكتابة واللغة تقول الحلايقة ” تختلف الكتابة عن اللغة، حيث أن اللغة تعبر عن نظام معقد في الدماغ يسمح بإنتاج وتفسير الألفاظ، أما الكتابة فهي طريقة تنطوي على جعل الكلام ظاهراً، ورغم ذلك فإن التمييز بينهما ليس واضحاً بالشكل المفروض حصوله بسبب الثقافة السائدة في المجتمعات، لذا على القراء التأكد باستمرار من عدم الخلط بين اللغة والكتابة
كلمات باقية
خالد المنيفى ( اعلامى ) يعتقد ان الكتابة والرسم على الجدران من أهم وسائل التعبير، عن الرأي والموقف والمشاعر والانفعالات ووصف الموقف ازاء قضية معينة .واصفا “الكتابة بانها موغلة في القدم من حيث الفكرة لا سيما الرسم الذي عرفه الإنسان في الزمن القديم قبل معرفته بالحروف وقال انه” رغم ذلك فإن الكتابة والرسم على الجدران ما تزال حاضرة في عصرنا الحالي، عصر التقدم التكنولوجي المذهل ووسائل التواصل السريعة عبر التطبيقات والمنصات ومواقع التواصل الاجتماعي ، ذلك أن موقع تلك الجدران قد يكون مرتبطا بحوادث معينة أو ذكريات حزينة أو سعيدة ، كما أن هذا النوع من التعبير يظل لفترة طويلة من الزمن ان لم يتعرض للعبث او المحو .وأردف المنيفى قائلا ” أما ما هو مكتوب على منصات التواصل فيمحى بصورة سريعة ، بوقوع أحداث أخرى وبالإمكان ملاحظة ذلك في المواضيع التي تصبح ترند على سبيل المثال، في تويتر فمهما كانت مهمة فإن استمراريتها لا تتجاوز أياما معدودة ،اما ما هو مكتوب او مرسوما على الجدران فقد يستمر عقودا وربما قرونا وقد يتجاوز ذلك..
《الجرافيت هو أحد الفنون التى تعتمد التعبير بالرسم على الجدران بطريقة فنية، هذا النّوع من الفنون من أكثر الوسائل قدرةً على إيصال الرّسائل للتعبير عن فكر صاحبهِ حيال الكثير من القضايا 》
حرمان وكبت
لكن سامي الشاطبي (أديب ) يقول أن الأمر اشبهه بسؤال مرعب. ..!!فيسأل هل ما يكتب اليوم على الجدران سيصبح غداً تاريخاً يسجل؟؟ وعلى ضوء قراءة المؤرخين له يسجلون إحداث التاريخ؟ الشاطبى هنا ” الكتابة على الجدران تمكن الإنسان من معرفة إحداث ووقائع ماضيه ..والإنسان كما كان يكتب على الجدران في الماضي فهو يكتب الآن على الجدران ولكن مع اختلاف كبير اذ يكتب” هذرمة” لا علاقة لها بالتاريخ والأحداث بل لها علاقة بحالة من الاعتلال النفسي الناتجة عن حالة من الكبت! الشاطبى يذهب الى حالة اللاوعى كما يصفها وتعبير عن حاله حرمان وكبت وأخرى لتوصيل شىء ما حيث يقول “لم نعد نحتاج للكتابة على الجدران لتوفر البدائل ولكن الإنسان ظل يكتب على الجدران أولا كتعبير عن لاوعيه المستقاة من أجداده ،الذين كتبوا قبل القلم والمحبرة على الجدران وثانيا كتعبير عن حالة الكبت التي يمر بها وثالثا لإيصال رسائل.بالنسبة الكتابات السياسية فجدران اليمن حقيقة تحفل بالتعليقات والكتابات الغريبة والمنطقية وغير المنطقية ..” فى هذا الشأن(يضحك )
الوفاء المفقود
ويرجع الأخير بذاكرته للوراء ليسرد للقارئ قصة مؤثرة حدثت قبل سنوات خلت فيبدأها قائلا ” دع السياسة جانبا وتعال لأخبرك بأغرب كتابة على الجدران صادفتها في حياتي..كنت في الصف الخامس ابتدائي في مدرسة التضامن بصنعاء ..طبيعتي ان انهض باكرا واصل المدرسة أول واحد. وأبقى منتظرا فتح باب المدرسة ما بين نصف ساعة وساعة ..في احد الأيام ..ظهرت من جانب الشارع شابة تحمل كيسا كبيرا احمر اللون يبدو أن فيه ملابس وأغراض لم أتبينها..سندت ظهرها لجدار المدرسة ووقفت..استغربت من فعلها فكيف بشابة تأتى في الصباح الباكر ولا احد سواي وتقف على الجدار..كانت الشابة مرتابة قلقة..ظلت واقفة إلى حين فتحت أبواب المدرسة ..لم أفكر بها كثيرا ..دخلت المدرسة وقضيت يوما دراسيا عاديا..في اليوم التالي ..ذهبت كعادتي قبل فتح أبواب المدرسة بنصف ساعة ..ووحدي وقفت بقرب باب المدرسة..لاحظت بان الكيس الأحمر الذي كانت الشابة تحمله بالأمس فارغ وملقي بقرب المكان الذي كانت واقفة فيه ، رغبت في الاستفادة من الكيس الأحمر لكونه مميز بوضع دفاتري فيه حيث كنت بلا حقيبة مدرسية، اقتربت وحملت الكيس الذي كان بجوار الجدار ..لفت انتباهي عبارة كتبت بقلم مداد بخط بارز نسبيا ..مكتوب فيها..
“سمير..انتظرتك كما اتفقنا في جدار حبنا..ما عاد معي مهرب بعدما سرقت ذهب أمي وفلوس أبي ..” إنها حاله وفاء نادرة يريد الكاتب أن يوصلها الينا ولم تعرف كيف توصل رسالتها إلا عبر جدران (حائط ) ينقل للمحبوب
المفترض شكواها منة بل قل خيانته لها
《الكتابة والرسم على الجدران ما تزال حاضرة في عصرنا الحالي، بالرغم من التقدم التكنولوجي المذهل فهذه الوقائع مرتبطة بحوادث معينة أو ذكريات حزينة أو سعيدة》
مساحة ضيقة
عمران الحمادى (قاص ) بدورة يرى أن الجدران أصبحت تنقل أفكار الآخرين ألينا بكل توجهاتها المختلفة سواء كان جدار شارع أو حتى جدار حمام واصفا انها ” المساحة الوحيدة للحرية حيث تشبه لوحة حرية يتم نقش كل العبارات الجريئة بداخل مساحتها الضيقة التي تعكس مدى القيود التي وصلت إلى ذروتها في مجتمعنا..، ويتابع الحمادى بالقول ” القارئ لتلك العبارات التي تدون بخط جريء داخل أماكن يتم التخلص فيها من الأذى يرى صورة الخوف التي فرضته الأنظمة المتعاقبة على مجتمع محافظ،.”الحمادى ” يصف العبارات تلك بأنها تذكير بمأساة ما لا يدركها سوى من كتبها وتكون قريبة من فهم كاتب او صحفي معبرا عن وجود مأساة بسبب فقدان ما اسماه ب الحرية حيث يقول “تشدك تلك العبارات التي تذكرنا بمأساة لايدرك معناها العميق إلا فئة الكتاب والصحفيين (قد نتفق ونختلف معه فى هذا الشيء ) ويختم عمران حديثة ويعزو السبب لأن هناك مأساة التي تتمثل بأن ” يفقد المواطن البسيط للحرية بكافة أشكالها وصورها تختلف عن مأساة معيشة الكاتب في بلد يفتقد إلى أدنى شيء من الحرية.
《هناك كتابات سياسية تحفل بالتعليقات الغريبة والمنطقية والغير منطقية أنها تذكرنا بأن هناك مأساة تحدث يجب علينا الالتفاف إليها 》
صورة احتجاجية
عبدالله قايد ( كاتب ) يقول ان الكتابة على الجدران ظاهرة عالمية، لكنها تأخذ أشكالا مختلفة حسب قولة مبينا ان الكتابة ” هي انعكاس وتعبير عما يعتمل داخل المجتمع من انفعالات وسلوكيات وأنماط وتوجهات وتيارات وحالات ثقافية اجتماعية وسياسية واقتصادية ونفسية.. قد تأخذ صورة احتجاج على القمع والكبت أو رمزية فنية او تجسيد رمزي لشعارات سياسية وانتهى بالقول ” انها تجسيد للتصورات الأخلاقية والقيم والتمثلات الثقافية
انعكاسات نفسية
طلال نعمان (شاعر ) أيضا يعتبر الكتابة على الجدران تفريغ لشحنه من الأفكار وانعكاس لحاله نفسيه مكبوتة قد تكون ذكرى مؤلمه أو موقف عنيف ، وقال ” عندما لايجد الشخص الطريقة التي يوصلها الى الآخرين للتعبير عن مكنونات ذاته يلجأ الى تفريغها على الجدران والأماكن العامة كالملصقات على وسائل النقل التى تعبر عما يجيش بداخله من مشاعر فياضه .
مشيرا إلى أن ” الكتابة على الجدران تعبر عن سلوك سلبي كالحقد والكراهية من عبارات السب والشتم وهي كذالك حاله مكبوتة يلجأ إليها الشخص الضعيف الذي لايستطيع المواجهة ولايمتلك القدرة انتزاع حقه
جدار مهجور
بينما يرى عزالدين العامرى (قاص ) أن هذه الظاهرة موجودة وتعبر عن الكبت والاضطهاد في المجتمعات المغلقة و الغير ديمقراطية (الديكتاتورية) وقال أنها ” تزداد وتزدهر لان هناك مجتمعات التي لا تسمح للفرد بالتعبير عن نفسه وعن أفكاره لذالك يلجئ لمثل هذه الكتابات على الجدران أو على الحمامات العامة لأنه خائف من أن يقول مايريده بحرية تامة دون أن تعتقله السلطات او تبح دمه الجماعات الدينية وغيرها لكن مع التقدم التكنولوجي وزيادة وسائل التواصل الاجتماعي قلت هذه الظاهرة لان هي انعكاس وتعبير عما يعتمل داخل المجتمع من انفعالات وسلوكيات
وأنماط وتوجهات وتيارات وحالات ثقافية اجتماعية وسياسية واقتصادية ونفسية
أقرأ أيضا:دار الحجر.. أريحية البال وقيافة المكان
أقرأ أيضا:لماذا تربعت كوكب الشرق أم اكلثوم على عرش الغناء العربي؟
* عبدالرحمن الشيباني