التاريخ لن يرحم .. غزة بين الإبادة والصمت

التاريخ لن يرحم .. غزة بين الإبادة والصمت
- بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف
الثلاثاء 26 أغسطس 2025_
في مشهد يختصر مأساة غزة، خرجت أم من غرفة العمليات بعد ولادة قيصرية تبحث عن كسرة خبز تسد بها جوع أطفالها، بدلاً من أن تحظى بالرعاية والاهتمام.
مشهد كهذا لا يلخّص فقط الكارثة الإنسانية المتفاقمة، بل يكشف عجز العالم وتخاذله أمام حرب إبادة تُبثّ مباشرة على الهواء منذ أكثر من اثنين وعشرين شهرًا.
إن ما يجري في غزة اليوم يضع الإنسانية جمعاء أمام امتحان أخلاقي غير مسبوق. ومن يتساءل كيف سيدخل معظم أهل الأرض النار، فما عليه إلا أن يشاهد صمت مليارات البشر، حكامًا ومحكومين، أمام مشاهد الأطفال الذين يموتون عطشًا وجوعًا تحت القصف والحصار.
عطش في أرض النيل، وجوع في ظل النفط
سيكتب التاريخ أن مصر التي يجري في أرضها نهر النيل، تركت غزة تموت عطشًا.
وسيكتب أن الأردن الذي يشمّ رائحة الجثث من على حدوده، ظل ساكنًا بلا حراك.
وسيكتب التاريخ أن السعودية والإمارات، ومعهما بقية دول الخليج المالكة لمحيطات من النفط، وقفوا متفرجين بينما انقطعت إمدادات الوقود عن مستشفيات غزة وسيارات إسعافها.
وسيسجل التاريخ كذلك أن تركيا رفعت شعارات الإسلام عاليًا في خطاباتها، لكنها لم تقدم شيئًا لوقف شلال الدماء.
قوة عسكرية معطلة وصمت شعبي مدوٍّ
أمة تمتلك أكثر من 50 مليون جندي لم ترسل جنديًا واحدًا للدفاع عن غزة، فيما تُنفَق المليارات على المهرجانات والحفلات.
وحتى على المستوى الشعبي، ظلّت المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الأمريكية والصهيونية خجولة، رغم أن مشروبًا غازيًا أو وجبة سريعة يمكن أن تُترجَم إلى رصاصة تُطلق على طفل فلسطيني.
لقد خرج الغرب، من نيويورك إلى لندن وباريس، في مظاهرات مليونية ضد الإبادة الجماعية، رغم أن لا رابط ديني أو قومي بينهم وبين الفلسطينيين. في المقابل، جلس ملايين المسلمين في بيوتهم يتابعون مباريات كرة القدم والمسلسلات، وكأن غزة خارج خريطة الأمة.
خيانة الصحافة وخذلان المنابر
منذ بداية العدوان في 7 أكتوبر 2023، وثّقت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) استشهاد أكثر من 230 صحفيًا فلسطينيًا في قصف متعمد. الصحافة الحقيقية أُبيدت مع أصحابها كي تُمحى أخبار الجرائم. بينما انشغلت كثير من الصحف والقنوات العربية بتمجيد الحكام ونقل أخبار المغنيات والمغنين.
حتى منابر المساجد خانت رسالتها؛ إذ اكتفت خطب الجمعة بالحديث عن قضايا ثانوية، بينما آلاف الأطفال يموتون جوعًا تحت الركام. في المقابل، لم يتردّد أساتذة جامعات وعلماء غربيون في وصف ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية ممنهجة، وهو التوصيف ذاته الذي أكدت عليه منظمات حقوقية كـ”هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” (Amnesty International).
صمت الحكام وخوف المحكومين
الحكام العرب والإسلاميون اختاروا الصمت أو التواطؤ المباشر مع الحصار. أما الشعوب، فاكتفت بالتذمّر وإلقاء اللوم دون تحرك فعلي، رغم أن وسائل المقاومة المدنية كالمقاطعة أو العصيان المدني أو الضغط الشعبي لم تُستخدم بجدية.
خاتمة: حكم التاريخ وحساب الآخرة
سيكتب التاريخ، وبقسوة، أن غزة ماتت عطشًا وجوعًا بينما العالم الإسلامي يملك الأنهار والبحار والجنود والنفط. وسيكتب أن الحكام تاجروا بالدم الفلسطيني، وأن الشعوب لم تتحرك إلا بالكلام.
لكن ما لن يقوله التاريخ، يقوله القرآن الكريم: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ [الصافات: 24].
إن يوم الحساب آتٍ، وفيه سيُعرف من فاز ومن خسر، ولن تنفع خطابات سياسية ولا مواقف إعلامية. فالتاريخ لن يرحم، والآخرة أعدل وأقسى.
اقرأ أيضا:أنس الشريف .. يا صادقَ الوعد “قصيدة للبروفيسور / أحمد قايد الصايدي”
