كتابات فكرية

ناصر الإتحاد

 ناصر الإتحاد

  • عبدالله علي صبري

الاثنين20يناير2025_

ناصر علي الحرورة اسم ارتبط على نحو وثيق باتحاد القوى الشعبية، منذ عرفناه وحتى اختاره عز وجل إلى جواره.

في ثمانينات القرن الماضي شكل الاتحاد هاجسا أمنيا وسياسياً للنظام الحاكم شمال البلاد، فمواقف الاتحاد من خلال مقالات ومؤلفات ومقابلات المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير كانت متوازية مع العمل الميداني السري، الذي كان يضطلع به عناصر الحزب من خلال المنشورات والتسجيلات الصوتية والرسائل مع مشايخ القبائل ورموزها الاجتماعية. وكان مكتب جدة مصدر هذا الحراك، حيث كان ناصر الحرورة هو الذراع اليمين للأستاذ إبراهيم الوزير وهمزة الوصل مع أعضاء ومكاتب التنظيم في المحافظات اليمنية.

صحيح أن أشقاء الوزير عباس وقاسم رحمهما الله وكذلك الأستاذ زيد الوزير أمد الله في صحته وعطائه، كان لهم الباع الأكبر في تأسيس الاتحاد وفي نشاطه الفكري والسياسي والاجتماعي، إلا أن الحرورة كان خامس الأشقاء الأربعة في نصرة الاتحاد وتثبيت أركانه وهويته الوطنية في فترة ما قبل الوحدة اليمنية، وقد تحتاج هذه الفترة المهمة من مسيرة الاتحاد إلى تأريخها، بالعودة إلى وثائق وأرشيف تلك المرحلة، التي تميز فيها الاتحاد عن بقية الأحزاب والحركات السياسية التي كانت تنشط في الخفاء بعاملين اثنين:

الأول: أن الحزب وقيادته لم تنظم أو تدعم انقلابا عسكريا على الرئيس صالح تحديدا، فقد كانت رؤية الاتحاد وهي تعلن موقفها الرافض للحكم العسكري، تنتهج المعارضة المدنية السلمية بالوسائل المتاحة في تلك الظروف.

الثاني: أن عناصر الاتحاد التي كانت تعمل في ظروف أمنية صعبة وبالغة التعقيد لم تتورط في العنف وسفك الدم الحرام، برغم أن العشرات منهم تعرضوا للاعتقال والإخفاء القسري.

وكان لناصر الحرورة الفضل في كبح جماح أي سلوك متطرف، قد يدفع لأي نوع من العمل المسلح في مجتمع غالبية أفراده يتمنطقون السلاح بكل عشق وفخر.

ومع إعلان الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية وظهور الأحزاب إلى العلن، جابه الاتحاد والكثير من التنظيمات السرية تحديا كبيرا يتعلق بمخاطبة الجماهير وجها لوجه عبر الصحافة والمؤتمرات والندوات والتجمعات الشعبية، وغيرها، الأمر الذي تطلب رؤية تنظيمية جديدة لعمل الحزب، الذي كان يتحضر مع بقية الأحزاب لخوض أول انتخابات نيابية على مستوى الوطن 1993.

غير أن نتائج تلك الانتخابات كانت مخيبة للآمال، ما دفع قيادة الاتحاد إلى سرعة مراجعة أساليب العمل الاتحادي تنظيميا وجماهيريا وإعلاميا، مع الإعداد للمؤتمر العام الأول للاتحاد، وتجديد هيئاته ومؤسساته، في مهمة طموحة واجهت عقبات كثيرة على رأسها الأزمة السياسية، التي تفاقمت يوماً بعد آخر، وصولا إلى حرب صيف 1994م.

قبل اندلاع الحرب كانت الأحزاب السياسية ومن بينها اتحاد القوى الشعبية قد توصلت إلى وثيقة العهد والاتفاق، التي تضمنت رؤية وطنية بشأن بناء الدولة وتعزيز النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية، وحرية الصحافة، وتداول السلطة سلميا.

جاءت الحرب ونتائجها، فعطلت الآمال العريضة في مستقبل أفضل لليمن، وشهدت الحياة الحزبية تراجعا مؤقتا، لولا أن الاتحاد تصدى للسلطة القائمة، وأعاد إصدار صحيفة الشورى بخطاب سياسي معارض يستند إلى فكر إسلامي مستنير، كان من شأنه تحريك المياه الراكدة، لكن مع موجة استهدافات متوالية تعرض لها الحزب والصحف الناطقة باسمه.

كان الحرورة هذه الأثناء خارج البلاد، وكانت قيادة الاتحاد في الداخل تواجه عاصفة من الانتهاكات السلطوية، التي كانت ترمي إلى تفريخ الحزب وإيقاف نشاطه السياسي والإعلامي، وخلال أقل من خمس سنوات تعرض الحزب لأكثر من انشقاق، وتوقفت صحيفة الشورى أكثر من مرة، وتعرضت للاستنساخ أيضاً.

وسط هذه المعمعة، عاش الاتحاد أجواء من عدم الثقة، خاصة مع تزايد الاختراقات الأمنية للحزب، ومحاولة تفريغه من القيادات الوطنية والمخلصة.

بالموازاة كانت قيادة الاتحاد تعمل على إعادة ترتيب البيت الداخلي من خلال الإعداد للمؤتمر العام الثاني 2000م، والتخلص من الآثار السلبية للفترة الماضية، التي شكلت تحديا وجوديا للحزب، برغم أن الحياة الحزبية والديمقراطية للبلد شهدت نوعا من التعافي.

نجح مؤتمر الاتحاد في انتخاب قيادة جديدة، على رأسها المناضل الراحل محمد عبدالرحمن الرباعي، والراحل الشهيد الدكتور محمد عبدالملك المتوكل. وتولى الراحل ناصر الحرورة المهام التنظيمية للحزب، ما جعل الحزب يكتسب المزيد من الاستقرار، بما في ذلك الانخراط القوي في تحالفات المعارضة التي اتخذت صيغة اللقاء المشترك فيما بعد.

في ابريل 2003 كان الحزب على موعد مع الانتخابات النيابية، وكانت مهمة الأمانة التنظيمية تتركز في الإعداد لهذه الانتخابات، لكن تحت ضغط الوقت، والآثار السلبية للانتهاكات السلطوية بحق الحزب. وقبيل الانتخابات برز اتجاهان داخل الأمانة العامة بشأن التعامل مع مسألة الانتخابات، الاتجاه الأول يتمسك بالاعتماد على قدرات الحزب الذاتية في خوض غمار المنافسة، وتمكين أمانة التنظيم من إدارة العملية وتحمل مسؤولية نتائجها. أما الاتجاه الثاني، فقد كان يميل بقوة إلى ضرورة الاستفادة من التنسيق مع أحزاب المعارضة كأساس للنجاح في الانتخابات.

سارت الأمور في الاتجاه الثاني، غير أن النتائج كانت مخيبة للآمال أيضا. وبرغم أن أمانة التنظيم لم تكن المسؤولة الوحيدة عن هذه النتيجة، إلا أن الراحل ناصر الحرورة قدم استقالته بكل شجاعة من أمانة التنظيم والأمانة العامة للحزب، ولم يقبل الاستمرار في مهمة منقوصة الصلاحيات، وغير واضحة المعالم.

لم يغادر الحرورة الاتحاد، وظل مثابرا على التواصل مع قيادة الحزب ومع الأعضاء، ولم يفكر في البحث عن فرصة أخرى من خلال حزب آخر كما فعل العشرات من الشخصيات السياسية الاتحادية، التي تعاملت مع الاتحاد كمحطة عبور لا أكثر.

وبالطبع، فقد ظل الفقيد حتى من خارج مؤسسات الحزب بوصلة لكل اتحادي شريف، وكان تاريخه النضالي حاضرا في الحزب من خلال تلاميذه وزملائه من أعضاء الاتحاد. وكان الحرورة من المستبشرين بثورتي التغيير 11 فبراير و 21 سبتمبر، وكان على الضد من العدوان السعودي الأمريكي على بلادنا قلبا وقالبا. 

وقد ختم حياته زاهدا في المناصب السياسية، ثابتا على المبادئ الاتحادية، وملتزما الخط الفكري والسياسي للمفكر الإسلامي إبراهيم بن على الوزير، الأب الروحي لكل الاتحاديين.

اقرأ أيضا للكاتب :محمـد الرباعي..وختام نضاله الوطني في صف الشعب

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى