اخبار محليةثقافة وسياحة

عمرها آلاف السنين.. مخطوطات اليمن بين الأمل الضياع

عمرها آلاف السنين.. مخطوطات اليمن بين الأمل الضياع

المخطوطات بحاجة ماسة إلى تبني الحكومة مشروعاً وطنياً شاملاً لحصرها وجمعها وترميمها

عمرها آلاف السنين.. مخطوطات اليمن بين الأمل الضياع

الأربعاء15يناير2025_ تشكّل وثيقة حضارية وتاريخية وعلمية ودينية تخصّ اليمن والعرب، ويعود أقدمها إلى القرن الــ 13 قبل الميلاد.. من ينقذ مخطوطات اليمن من التلف والضياع؟ وهل ينجح مشروع صيانة ومعالجة المخطوطات العلميّة؟

لعقود كثيرة ظلت المخطوطات اليمنية تعاني من الإهمال على الرغم من كونها واحدة من أهم عناصر التراث المادي اليمني، بوصفها وثيقة حضارية وتاريخية وعلمية ودينية يعود أقدمها إلى القرن الــ 13 قبل الميلاد. هذه الإهمال دفع وزارة الثقافة في حكومة اليمن الجديدة إلى إبرام عدد من الاتفاقيات مع وزارات إيراديه لترميم آلاف المخطوطات التي تعرضت للكثير من الضرر.

ولم تلق هذه الكنوز حقها من الاهتمام والحفظ والصيانة كباقي مخطوطات البلدان الأخرى، بل ظلت رهينة أوضاع مأساوية كحال الكثير من اليمنيين، نتيجة الحرب والصراعات المستمرة في البلاد، إضافة إلى غياب الدور الرسمي في الحفاظ عليها من التآكل والتلف من جراء العوامل والمتغيرات الطبيعية وضعف مستوى الوعي المجتمعي تجاهها، علاوة على التهريب والتنازع الأسري.

وتشير تقديرات رسمية إلى أن اليمن يمتلك نحو مليون مخطوطة تجعله أهم بلد عربي من حيث عدد المخطوطات. وهي تتوزع اليوم بين عائلات يمنية تحتفظ بجزء منها بوصفها تركة متوارثة، فيما يتوزع بعضها الآخر على دار المخطوطات ومكتبتي الجامع الكبير في العاصمة صنعاء ومكتبتي تريم وزبيد وبعض المكتبات في محافظات أخرى.

وتشكل المخطوطات إرثاً تاريخياً لأشهر العلماء والمؤرخين اليمنيين، كالحسن الهمداني، والحسن بن الجلال، وابن الأمير الصنعاني، والشيخ محمد الشوكاني.

تراث متناثر؟

يرى أخصائي ترميم وتوثيق وفهرسة المخطوطات، عادل غانم الحميري، أن المخطوطات اليمنية تمثل وثائق تاريخية وحضارية وثقافية تهم الأمة العربية والإسلامية وليس لليمن فحسب؛ كون مؤلفي هذا الكم الهائل من المخطوطات عرباً ومسلمين وليسوا يمنيين فقط.

ويوضح في حديث مع “الميادين الثقافية”: “تعرضت تلك المخطوط للتآكل بفعل العوامل الطبيعية والبشرية معاً”، مضيفاً “تتكون بطون المخطوطات من مواد قابلة للتحلل مثل أوراق الكاغد العربي وتصنع أغلفتها من الجلود، وجميع هذه المكونات طبيعية وعضوية معرضة للتلف والتعفن بفعل الرطوبة والحرارة أو البلل والحموضة، علاوة على تعرضها للأرضة، خاصة تلك التي تم نقلها من مناطق ساحلية إلى صنعاء. كل هذه العوامل تضر بالمخطوط، سواء مادةً من حيث ضياع بعض النصوص والمحتوى، ومكوناً بتمزق الغلاف وتفكك الحباكة وتآكل الورق”.

وتعزو بعض المصادر عدم حصر المخطوطات اليمنية إلى حجمها الكبير وتناثرها في أرجاء البلاد وضعف إمكانيات المؤسسات المعنية.

ورغم ذلك يضم دار المخطوطات في صنعاء 20 ألف مجلّد، من بينها نحو 70 ألف عنوان.

ويقول الحميري إن أبرز هذه المخطوطات هي: “الأحكام” للإمام الهادي، والذي يتجاوز عمره ألف سنة وهو أقدمها، و”نهج البلاغة” للإمام علي، و”الأغاني” للأصفهاني، علاوة على مخطوطات علمية في الرياضيات والفيزياء والطب والفلك واللغة والتاريخ والأدب.

ويشير الحميري، وهو مدير عام حماية المخطوطات، إلى أن وزارة الثقافة أطلقت مشروعاً وطنياً منذ العام 2009 من أجل توثيق وفحص العناوين يدوياً وأرشفتها إلكترونياً ومعالجة بعضها، لكنه تعثر بفعل الحرب على اليمن عام 2015 قبل اكتماله، إلى جانب مشروع سابق بتمويل ألماني في ثمانينيات القرن الماضي لمعالجة بعض الرقوق القرآنية بما يصل على 12 ألف رق، لكن كل تلك المحاولات تظل متواضعة وغير كافية لحل المشكلة.

صيانة ومعالجة 6 آلاف مخطوط

أما المشروع الجديد فيتضمن صيانة ومعالجة 6 آلاف مخطوط في إطار “المشروع الوطني للحفاظ على تراث اليمن العلمي”، ألفان على نفقة وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، ومثلها على نفقة وزارة النفط والمعادن، فيما تكفلت وزارتي الكهرباء والمياه والشباب والرياضة بألفي مخطوط، ومعهم شاركت “مؤسسة الإمام زيد بن علي” بمعالجة ألفي مخطوط، إلى جانب صيانة الرقوق القرآنية التي جرى اكتشافها قبل سنوات في سقف الجامع الكبير وتعود إلى الفترة بين القرنين الأول والخامس الهجري، كما أفاد أمين عام دار المخطوطات، خالد الروحاني.

ويشرح الروحاني في مقابلة مع “الميادين الثقافية” أن المشروع يستهدف مخطوطات قرآنية وعلمية متنوعة من الحقبة الزمنية بين القرنين الرابع والثالث عشر الهجري، بمعنى أن الأولوية للمخطوطات المتضررة الأقدم في الدار، ذاك أنها لا تحتمل المزيد من التأني.

ويضيف: “ستسهم المعالجة في التخفيف من الأضرار؛ لأنها تتطلب عملية فتح وتنشيط للأوراق وتنظيف بين فترات متفاوتة كل 6 أشهر. أما عملية الترميم والصيانة والتعقيم إذا ما تم استكمالها وإزالة البكتيريا والحشرات الموجودة على متونها، فيمكن أن تحفظ لأكثر من 100 عام، خاصة إذا ما خضعت للمعالجة الدورية التي تطيل من عمرها”، مردفاً: “إن بقاءها حبيسة الرفوف والأدراج تجعلها آيلة إلى التكسّر”.

التهريب.. نزيف يمتد إلى نحو 3 قرون

لكن ثمة مشكلات أخرى تواجه الفرق العاملة خلال عملية المعالجة، منها توقف الآلات والأجهزة الحديثة الخاصة بالترميم – ما يجعل العمل يدوياً من خلال استخدام النشاء والماء والسليلوز وتذويبها على النار – في ما تتعلق بعضها بالمخطوطات المهترئة والمتآكلة التي فقدت أجزاءً من نصوصها.

وتشير المعلومات إلى أنها توضع في صناديق حفظ مخصصة وخالية من الرطوبة من دون إعادة النص المفقود نتيجة التآكل، ما اضطرهم إلى حفظها كما وجدت ووضعها بطريقة محكمة من قبل فريق مؤهل على يد خبراء دوليين ممن اشتغلوا في دار مخطوطات سابقة.

عن ذلك يقول الروحاني، إن المهمة تقتضي العمل على حفظ المخطوط بشكله وقت العثور عليه، من دون الاجتهاد في استكمال أو إعادة كتابة النص، والذي قد يعد انتهاكاً وجريمة كاملة ومدرجة في سياق التزييف والتحريف. ويلفت إلى أن للكثير منها نسخاً أخرى مخطوطة وأصلية بحالة أفضل.

كما يشكل التهريب معضلة أساسية، وهو نزيف يمتد إلى نحو 3 قرون ولا يزال مستمراً، وفق المصادر البحثية المتتبعة لاقتناء مكتبات أوروبية وأميركية وآسيوية وعربية عشرات الآلاف من تلك المخطوطات.

ويمكن القول إن غياب المواد القانونية المتعلقة بتجريم تهريب المخطوطات اليمنية ساهمت بشكل كبير في ازدهار التهريب. إذ يرزح قانون الحفاظ على المخطوطات في رفوف مجلس النواب منذ سنوات ولم يخرج إلى النور، بينما العقوبة الحالية التي ينص عليها قانون الآثار تفرض على المدان غرامة مالية بين 10 آلاف (أقل من 20 دولار) و50 ألف ريال يمني (أقل من 100 دولار)، مع السجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن 5 سنوات، مع وقف التنفيذ للكثير منها.

من ينقذ التاريخ المهدور؟

لا تقف معاناة تاريخ اليمن المخطوط عند كل هذا الكم من المشكلات، بل ثمة معضلة أخرى معقدة تسهم في إتلاف بعض المخطوطات ووصول بعضها إلى أيدي لصوص التاريخ.

وهي ترتبط بالمخطوطات المتواجدة في المكتبات الخاصة لدى الأسر العلمية، إذ تدخل في صراعات النزاع بين الوَرَثة وقد ينتهي بها الامر إلى التجزئة بما يمثل انتهاكاً بالغ الأثر للمخطوط، وفي بعض الأحيان إلى البيع للصوص والانتفاع بقيمته في ظل عجز الدولة عن شرائه وصعوبة الوضع الاقتصادي والمعيشي لملايين اليمنيين بفعل الحرب والحصار.

في هذا الإطار يقول الروحاني إن: “الحكومة معنية بحل هذه المشكلة، خاصة إذا ما وصلنا مع أصحابها إلى اتفاق، فبالإمكان اقتنائها ومنحهم مكافأة تعويضية، وفي الوقت ذاته يُحفظ للأسرة اسمها على المخطوط ويتاح للدارسين والباحثين والمحققين إخراجها إلى النور من خلال الدار الحاضن الرئيسي لتاريخ اليمن”.

من جهته، يرى عادل غانم أن الدار سعى في الفترة من 2012 – 2015، لاستقطاب وجلب المخطوطات الخاصة وإيداعها في مكتبته وعمل مكتبات رمزية لأصحابها ومنهم قضاة آل الورد والأرحبي والقاضي الأكوع والدكتور الإرياني  والعديد من المودعين.

ويستدرك قائلاً: “لكن بسبب توقف المشروع الوطني عام 2015 عزف الناس عن إيداع مخطوطاتهم، واسترجع آخرون تلك التي ثُمنت ولم تدفع الوزارة ثمنها لأصحابها، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تلفها أو تهريبها، طالما خرجت من خزانة الدولة”.

ورغم أن المشروع الجديد يمثل بارقة أمل لإنقاذ هذا التراث الثمين من الضياع، إلا أن مخطوطات أرض السعيدة لا تزال بحاجة إلى تبني الحكومة مشروعاً وطنياً شاملاً لحصرها وجمعها وترميمها، وكذلك سنّ القوانين التي تسهم في حفظها ونشر الوعي بأهميتها للوطن والإنسان.

المصدر الميادين

اقرأ أيضا:وزارة الثقافة تسعى لترميم 17 ألف مخطوط

اقرأ أيضا:وزارة الاتصالات ترمم ألفي مخطوط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى