عبدالباري طاهر ومأزق حزب المؤتمر الشعبي العام

عبدالباري طاهر ومأزق حزب المؤتمر الشعبي العام

- قراءة: حسن الدولة
الثلاثاء 2 ديسمبر 2025م
في مقابلة أجرتها صحيفة القدس العربي بتاريخ 30 أغسطس 2025، مع الصحفي والمفكر اليمني المعروف عبدالباري طاهر، عميد الصحفيين اليمنيين وأول نقيب لنقابة الصحفيين في اليمن، ظهرت رؤية نقدية حادة ومركبة لطبيعة الأزمة التي يمر بها حزب المؤتمر الشعبي العام، والتي وصفها طاهر بأنها أزمة ممتدة وجذرية، لا تقتصر فقط على اللحظة الراهنة بل تعود إلى تاريخ الحزب نفسه وعلاقته بالسلطة.
حزب سلطة لا حزب مشروع:
يشخص طاهر حزب المؤتمر على أنه “حزب إدارة”، أي أنه وُلد ونما وتضخم في كنف الدولة والسلطة، ويستمد منها وجوده واستمراريته، تمامًا كما تعتمد السمكة على البحر. وهو في ذلك لا يرى في الحزب كيانًا ذا مشروع سياسي مستدام أو قاعدة جماهيرية حقيقية، وإنما مجرد امتداد وظيفي لسلطة حاكمة، وهو ما يجعل ديمومته مرهونة ببقاء هذه السلطة، وزواله حتميًا بزوالها.
هذا الطرح يعيد التذكير بالنموذج الكلاسيكي لأحزاب السلطة في العالم الثالث، والتي غالبًا ما تكون عاجزة عن التحول إلى مؤسسات سياسية فاعلة حين تفقد السيطرة على الدولة، وهو ما يبدو أنه قد تحقق فعليًا في حالة المؤتمر بعد مقتل مؤسسه وزعيمه علي عبدالله صالح في 2017، ودخول البلاد في حالة من التشظي السياسي والجغرافي.
إقالة نجل صالح: قرار شكلي أم محطة مفصلية؟
قرار فصل أحمد علي عبدالله صالح – نجل الرئيس السابق – من جناح المؤتمر في صنعاء، والذي صدر عن اللجنة العامة للحزب، مثّل بحسب طاهر “تحصيل حاصل”، في إشارة إلى أن أحمد علي لم يكن فاعلًا في المشهد السياسي، سواء قبل مقتل والده أو بعده. بل ويذهب طاهر إلى توصيفه بعبارة لافتة مستعارة من الشيخ عمر عبد الرحمن: “لا ولاية لغائب”، في تأكيد على غياب الفعالية السياسية والدور من الأساس.
ومع ذلك، فإن توقيت هذا القرار وسياقه يحملان دلالة أخرى أكثر تعقيدًا، إذ يعتبر طاهر أن القرار تم تحت ضغط من جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهو ما يكشف، حسب رؤيته، عن عمق الأزمة داخل الحزب، الذي لم يعد سيد قراره، بل بات رهينة لسلطات الأمر الواقع في مناطق سيطرته. وهذا – وفق طاهر – قد يفتح الباب لمزيد من الانقسامات وربما انشقاقات تُفضي إلى تشكيل أحزاب جديدة، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها سلطات مغايرة.
من انقلاب 94 إلى انقلاب 2014: سقوط المشروع الوطني!:
لا يربط طاهر مأزق المؤتمر بلحظته الراهنة فحسب، بل يعيده إلى حرب 1994 التي يصفها بأنها كانت “انقلابًا على الوحدة السلمية والديمقراطية”، وإجهاضًا مبكرًا لفكرة التعددية السياسية. ويرى أن تلك الحرب كرّست انفراد الحزب بالسلطة، وأزاحت شريكه في الوحدة (الحزب الاشتراكي اليمني)، لتبدأ بذلك مرحلة طويلة من حكم الحزب الواحد عمليًا، وإن بقي الشكل الديمقراطي محفوظًا لاعتبارات خارجية وضغوط دولية.
ثم جاءت ثورة 2011 لتفتح نافذة أمل نحو التغيير، قبل أن تُغلق مجددًا، حسب طاهر، بـ”انقلاب 21 سبتمبر 2014″، الذي وصفه بأنه قضى على ما تبقى من الحريات والديمقراطية وأعاد البلاد إلى نقطة الصفر، مع انكفاء الأحزاب وتلاشي الحياة السياسية الحقيقية، وبروز سلطات الأمر الواقع التي باتت تفرض إيقاعها على الجميع، بما في ذلك حزب المؤتمر.
في تشخيصه النهائي، يربط طاهر مأزق المؤتمر بمأزق اليمن ككل، فالحزب – في رأيه – مرآة تعكس حال الوطن بكل ما فيه من تمزق وفقدان للبوصلة السياسية والاجتماعية. وبالتالي فإن مشكلته ليست معزولة، بل هي تعبير عن أزمة وطنية شاملة، تشمل الأحزاب والمجتمع والدولة.
ويضيف أن تشدد “أنصار الله” تجاه المؤتمر لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي (في إشارة إلى “العرس السياسي في مصر”)، كما لا يمكن عزله عن تاريخ طويل من صراعات السلطة في اليمن، التي غالبًا ما كانت تدور خارج إطار المشروع الوطني، وتقوم على الإقصاء لا الشراكة.
هل من مخرج؟
لا يقدم عبدالباري طاهر حلولًا مباشرة، لكنه يلمح إلى أن المشهد بات مرشحًا لمزيد من التمزق، فالغضب الشعبي – خصوصًا داخل قواعد الأحزاب التقليدية – بات كبيرًا، و”المزاج العام” لم يعد يقبل بهذا النوع من القيادات أو السياسات. ومع احتمال تشكيل كيانات جديدة، فإن المستقبل السياسي لليمن لا يبدو واضحًا، لكنه – كما يوحي الطرح – مرهون باستعادة المعنى الحقيقي للسياسة: الحوار، الشراكة، والمشروع الوطني، والخلاصة ان أهمية هذا الحوار تكمن في أنه يقدم قراءة داخلية صريحة وغير مجاملة لوضع حزب شكّل لعقود عماد النظام السياسي في اليمن، لكنه اليوم يترنح في مشهد متشظٍ لا يرحم الضعفاء، ولا يمنح الأحزاب السلطوية فرصة النجاة إلا إذا أعادت تعريف نفسها وأدوارها. فهل يملك المؤتمر هذه القدرة؟ أم أن زمنه قد ولّى مع ولادة سلطة جديدة لم تعد تؤمن بالحزبية من الأساس؟
اقرأ أيضا:أسماء الشهداء من الوزراء التي ارتقت ارواحهم الطاهرة في العدوان الصهيوني الخميس الماضي
