سوق الخميس..رؤية اقتصادية أم إسقاط واجب!!
سوق الخميس..رؤية اقتصادية أم إسقاط واجب!!
الاثنين26ديسمبر2022 صباح كل خميس منذ حوالي أربع سنوات تنتصبُ أوتاد خيام سوق الخميس الأسبوعي في التحرير وسط العاصمة صنعاء، لتسويق منتجات متنوعة للأسر المنتجة.
لا شك أنها فكرة رؤية اقتصادية ومشروع أكثر من رااااائع لتسويق منتجات وسلع يدوية صُنعت بأيادٍ يمنية لأسر محدودة الدخل تحاول جاهدة التغلب على قسوة الحياة ومرارة الحصار والعدوان الذي سيدخل بعد أشهر قليلة عامه التاسع، وتشجيع للحرف اليدوية والصناعات والمشاريع الصغيرة.
سلع يدوية يفوح منها رااائحة التعب والكفاح وأيضا الصمود في وجه أقذر عدوان عرفته البشرية على بلد الحكمة والإيمان .
سوق الخميس تشرف عليه منذ تأسيسه مؤسسة بنيان بدعم مباشر من قيادة أمانة العاصمة ، وذلك لدعم الأسر المنتجة من ذوي الدخل المحدود ، ولمحاربة الفقر والصمود في وجه الحصار والعدوان خاصة في ظل انقطاع مرتبات موظفي الدولة.
فما كان من الأسر إلا الاتجاه نحو الصناعات والحرف اليدوية كصناعة البخور والعطور بأنواعه المختلفة، والحلويات والكعك، والأزياء والحلي التقليدية، وغيرها غيرها الكثير مما تسر العين الناظرة.
“صوت الشورى” زارت سوق الخميس الأسبوعي وخرجنا من الزيارة بقصص كفاح كبيرة ، نساء تقومن بإعالة أسرهن وأطفالهن من خلال سلع بسيطة وبمكسب بسيط جدا.
هناك أطفال تركوا الصفوف الدراسية، لكنهم عادوا مجددا لمدارسهم ولزملائهم ولدفاترهم ، بفضل أمهاتهم اللاتي يصنعن الكعك ويذهبن به صباح كل خميس إلى ميدان التحرير ، وبقية الأسبوع يعملن على توزيعه في البقالات بتعب وجهد كبير وبصبر على الابتلاء هكذا قالت لي إحداهن.
مدرسات محترمات انقطعت رواتبهن فاتجهن لصناعة البخور وبعضهن لصناعة الاكسسورات لمكابدة مشقات الحياة، وأخريات خرجن لمساعدة ازواجهن في تلبية متطالبات الحياة خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة..
حقائب يد في غاية الروعة
أثناء زيارتنا وجدنا أن السوق يحتوي فعلا على الكثير من السلع المميزة التي تلفت نظر الزائر لسوق الخميس ، من هذه السلع التي لفتت نظري على سبيل المثال لا الحصر في إحدى الخيام ، حقائب يد نسائية وبأحجام مختلفة وبأسعار أكثر من رائعة ، أخذت أصور هذه الحقائب فاعتقدت الأخت التي تبيعها أني أصور من أجل أقلد العمل لأعرض ذلك في متجري ، هكذا قالت لي وهي محقة في ذلك، لأنها تتعب بشكل كبير في التصميم وفي إتقان العمل، وهناك من يأتي لتصوير التصماميم وبالتالي تقليدها ومن خلال الخياطة بالمكائن ، لأن اليدوي متعب ومرهق لكنه أكثر جودة بالتأكيد وهذا ما تعمله هذه الأخت.
تحلم أم محمد أن يتطور عملها وأن يكون لها مشغل خاص بها وان توزع منتجاتها في السوق اليمنية خاصة أنها تتميز وأيضا بتصاميم راقية تلبي رغبة مختلف أذواق الزبائن، لكنها تقول ان العقبة الرئيسية أمامها محدودية رأس المال وكذلك التسويق.
سألتها كم تكسب من بيع هذه الحقائب فقالت حوالي أربعة ألاف ريال صافي بعد أن تدفع حوالي ثلاثة ألف أسبوعيا قيمة إيجار الطاولات ، وتقول أنها تتمنى لو يتم نقل سوق الخميس إلى حديقة السبعين لكثرة الزوار الذين يذهبون يوم الخميس مع أطفالهم للحديقة باعتباره يوم إجازة.
حلويات وكعك
لا شك أن منظر الحلويات والكعك يعطي للزائر انطباع سرور وبهجة، لاربتاط هذه المنتجات بحلويات وكعك الأعياد وبالمناسبات السعيدة ، تقوم إحدى الأخوات بإعداد بعض أصناف الحلويات في منزلها بمساعدةِ بناتها، لعرضها في سوقِ الخميس،لمساعدة زوجها الذي انقطع راتبه.
وتقول زوجي يستلم نصف راتب حوالي 32 ألف ريال كل أربعة أشهر، لا يكفي حتى قيمة إيجار المنزل ،فما كان مني إلا صناعة الحلويات خاصة أني اتقنها منذ الصغر، وفي ضل هذه الأوضاع أحاول من خلالها التغلب على هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
الطحين المركب
أثناء تجوالنا في السوق لاحظنا بعضا من المستهلكين يترددون على طاولة عرض الطحين المركب والمنتج محلياً،وكانت اثنتين من الأخوات يقمن بعرض مميزات الطحين وكان على الطاولة التي أمامهن بعضا من الكعك والفطائر الخالي من السكر، وبأسعار مناسبة .
وقامت أحدى الأخوات لعرض مميزات هذا الطحين الذي تنتجه مؤسسة قنوان للتنمية والخدمات الزراعية)، قائلة أن مؤسسة قنوان تهتم بالجانب الزراعي بشكل كبير جدا، وتعمل جاهدة للوصول لمرحلةِ الاكتفاء الذاتي، من الحبوب التي هي أساس الغذاء عند الشعب اليمني .
وتضيف: الطحين المركب هو أحد المشاريع الزراعية الكثيرة، ويدخل ضمن الأمن الغذائي،حيث يحتوي هذا الطحين على مختلف الحبوب من شعير وقمح وبقوليات ووووإلخ ،ويتم خلطه بالحبوب الأخرى وفقا لمقادير محددة وتحت اشراف خبراء ومختصين من كلية الزراعة وغيرهم ، كما أن سعره مناسب حيث يساوي تقريبا سعر الدقيق المستورد ، وقالت ولا شك أن أضرار الدقيق الجميع يعرفها ، وهناك عدد من المخابز التي تتبع المؤسسة وتصنع الخبز من هذا الطحين في عدد من المديريات في العاصمة صنعاء.
البرعي أيضا موجود
كذلك البرعي موجود في سوق الخميس ، و”البرعي عبارة عن بلسن وحبوب من البقوليات يفضلون سكان العاصمة صنعاء تناوله الصباح في الفطور ، تقول أم علي بائعة البرعي بأنه بحمد الله تأتي الساعة الخامسة مساء وقت إغلاق السوق وقد تم بيع كل ما لديها من البرعي ، وتقدر ربحها تقريبا بألفين إلى ثلاثة آلاف ريال في هذا اليوم.
الغريب أنه في باب السبح وهو السوق الذي يبعد حوالي 200 متر من موقع سوق الخميس بالتحرير هناك أكثر من محل لبيع البرعي وبجودة لا ترتقي لما تبيعه أم علي، لكن عليه زحمه شديدة نظرا لرخص ثمنه ، فهو فطور أو غداء الكثير من البسطاء والعمال في العاصمة صنعاء، لكن أم علي رغم أن وعاء البرعي التي ليس بذات القدر الذي في المحلات في سوق باب السبح إلا أنها تضطر للانتظار حتى نهاية سوق الخميس لبيع ما لديها وذلك بسبب موقع السوق الغير مناسب من وجهة نظرها ومن وجهة نظر كل من التقيت بهم.
أثناء زيارتي مع أثنين من الأصدقاء لسوقِ الخميس، وجدنا أن العديد من النساء اللائي يروجن لسلعهن يشتكين من أن يوم واحد لا يكفي فألفين ريال أو ثلاثة أو حتى أربعة ألف ريال مكسب في الأسبوع من دخل سوق الخميس ماذا ستقدم لهن .
وفعلا معهن كل الحق فما يتم عرضه جيد مقارنة بالسعر وبما هو معروض في الأسواق الأخرى، لكن دخلهن من السوق ليس بذات القدر الذي يساوي تعبهن، وأيضا لا يغطي لهن مصاريف بيوتهن.
تساءل الأصدقاء الذين كانوا معي عن جدوى سوق الخميس في ضل غياب المشتري ، هل تم إنشاء هذا السوق وفقا لرؤية اقتصادية م عبارة عن إسقاط واجب ، بمعنى “أحنا عملنا اللي علينا.
ربات البيوت اجبرتهن الحاجة والظروف الصعبة الخروج لعرض منتجاتهم وما صنعته أيديهن ، غير أن السوق يعاني من ندرة المتسوقين فما الجدوى من سوق الخميس، خاصة والعاملات في السوق مضطرات لدفع مبلغ ألف وخمسمائة إلى ثلاثة ألف ريال لمشرف السوق إيجار الطاولات.
تقول إحدى الأخوات بأنه تم عمل تجربة لنقل سوق الخميس الأسبوعي إلى حديقة السبعين، بدلا من التحرير ، وأن العمل كان أكثر من جيد وإنها كسبت في ذلك اليوم حوالي ثلاثين ألف ريال ، بدلا عن الثلاثة ألف التي تكسبها في التحرير بمعنى أن مبيعاتها زادت عشر أضعاف ، هذا المبلغ مكنها من تسديد بعض ديونها.
وتضيف قائلة بأنه إذا نقل سوق الخميس إلى حديقة السبعين لا شك العمل سيتطور عند جميع العاملات ، الأمر الذي سيمكنهن من تطوير أعمالهن ومشغولاتهن، لأنه سيكون لديهن دافع لذلك، وتقريبا كانت هذه هي وجهة النظر لدى الغالبية من العاملات في سوق الخميس بالتحرير.
بدوري نقلت ذلك للأخ نبيل شاكر وهو مسؤول العلاقات في مؤسسة بنيان والمشرف على سوق الخميس فقال أولا من الصعب أن يكون السوق يومين متتالين مثلا الأربعاء والخميس ، لأنهن لن يستطعن تغطية حاجيات السوق من المنتجات .
أما المبلغ التي يتم دفعه من قبلهن فهو مقابل إيجار النقل للخيام والطاولات، ولم يعلق على فكرة نقل سوق الخميس من التحرير إلى السبعين لان الأمر والقرار ليس بيده وليس له قرار في ذلك.
أخيرا ..
سوق الخميس كما تكلمنا مشروع رائع وفكرة اقتصادية أكثر من رااائعة لتطوير الصناعات الصغيرة ولمكافحة الفقر ونتمنى استمراره حتى لو بعد انتهى العدوان الظالم على بلادنا ولكن!!
أه من لكن ،، لكن يجب نقله من التحرير كما تقول الكثير من الأخوات لماذا لا يتم نقله إلى حديقة السبعين، أو شارع هايل ، إذا كانت مكاسب الأسر المنتجة سترتفع عشر أضعاف ، أيضا لا بد من تطوير أعمال هذه الأسر من خلال التدريب والتأهيل المستمر ، وتعميم هذه التجربة في أكثر من مديرية بالعاصمة صنعاء وكذلك في أكثر من محافظة.
وأيضا لماذا لا يتم التوقف عن جباية المبالغ الخاصة بالطاولات أو أجور النقل للخيام والطاولات كما يقول المشرف ، حتى لو كانت مبالغ زهيدة فهي كثيرة في نظر الأسر المنتجة التي اضطرتها ظروف المعيشة الصعبة للخروج من بيتها وتركها لأطفالها للبحث عن لقمة العيش.
ثم وهذا الأهم لماذا ولماذا و لماذا لا ينزل المسؤولين من أبراجهم العاجية ويتكرمون بزيارة سوق الخميس ، فزيارة أي مسؤول لهذا السوق بالتأكيد سيعطيه زخم إعلامي كبير، فما بالنا لو زاد اشترى منه بعض المنتجات، حتى لو لم يكن بحاجة إليها ، مع أنها فعلا منتجات رااائعة فقط ينقصها بعض التسويق ،والاهتمام بكيفية التغليف والحفظ ، خاصة للمنتجات الغذائية كالكعك والحلويات.
سوق الخميس فيه الكثير من السلع التي من الممكن اقتنائها ، غير انه ينقصه الكثير من التسويق ، وسائل الإعلام المختلفة لا تتحدث عنه ولا تزوره ، والسبب أن المسؤولين الحكوميين لا يزوروه فزيارة مسؤول أوحد فقط أو وزير أسبوعيا لا شك أنها ستلفت الأنظار إلى هذا السوق وما يعرضه من منتجات وكيف يساهم في الصمود أمام أبشع عدوان عرفته البشرية..
أقرأ أيضا:صنعاء ستجبر تحالف العدوان صرف المرتبات ورفع الحصار