حوار الرياض مع صنعاء والإمارات مع الإصلاح وضبط مستوى التصعيد في اليمن
حوار الرياض مع صنعاء والإمارات مع الإصلاح وضبط مستوى التصعيد في اليمن
الثلاثاء 27ديسمبر2022 مع بداية العام 2022، انتعشت الآمال بحصول اختراق يفضي إلى حل للصراع في اليمن ،مع إعلان الهدنة الأممية بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة أنصار الله وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي شكلته السعودية . اعتُبرت كلا الخطوتين بادرة محتملة لانطلاق محادثات رسمية بين الأطراف المتحاربة، وتحديدًا تشكيل مجلس القيادة الرئاسي باعتباره أحد النماذج الناجحة في تقاسم السلطة التي يمكن توسيعها ضمن حل شامل للأزمة اليمنية.
لكن النصف الثاني من العام 2022 حمل العديد من المؤشرات السلبية التي أنذرت بالعودة مجددًا إلى نقطة الصفر؛ إذ انفجرت التناقضات الداخلية في معسكر الشرعية الموالية لدول التحالف بعد اندلاع معارك شبوة في أغسطس الماضي بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وألوية العمالقة من جهة والقوات الموالية لحزب الإصلاح من جهة أخرى. تمدد التصعيد السياسي والشعبي لاحقًا نحو محافظة حضرموت (بين نفس الأطراف وكذلك أطراف فاعلة محلية)، ليتفرق أعضاء مجلس القيادة الرئاسي وعاد أغلبهم لممارسة مجمل نشاطه من خارج عدن.
في المقابل، رفض أنصار الله تمديد الهدنة الأممية وأقدموا على خطوة تصعيدية غير مسبوقة بضرب الموانئ النفطية في جنوب شرقي اليمن في شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني، لمنع تهريب النفط ونهبه.
ورغم قتامة هذا المشهد، ثمة من لا يزال متفائلًا بإمكانية إنهاء الأزمة في القريب العاجل، ومبعث هذا التفاؤل هو وجود مسارين لمحادثات جارية -حوار ثنائي بين السعودية والسلطات في صنعاء ، من جهة وحوار بين حزب الإصلاح والإمارات من جهة أخرى بناء على ثلاثة مصادر تحدثت مع مركز صنعاء. لكن يبقى من المهم تحليل هذه الحوارات في سياق الديناميكيات السياسية المحلية والإقليمية الحالية والجهود السابقة للحوار بين أطراف الصراع المتناحرة في اليمن. ومع الأخذ بهذه الحقائق في الاعتبار، يتعيّن توخي الحذر، عوضًا عن التفاؤل باحتمال حدوث اختراقات وشيكة.
المحادثات بين السعودية وصنعاء
يصعب الركون إلى الحوار بين الرياض وصنعاء كمؤشر على الانفراج السياسي، فهي ليست الأولى في تاريخ الصراع اليمني. فرغم التقارير المتداولة عن تقديم الرياض دعوة شبه رسمية إلى مهدي المشاط لزيارة الرياض والانخراط في محادثات مباشرة، لم يُحرز تقدم ملموس حتى الآن.
في الواقع، سبق وأن جرت محادثات أكثر نجاحًا في العام 2016 وعلى إثرها سلم أنصار الله خرائط الألغام التي زرعوها في الحدود مع السعودية، كما أن الأمير خالد بن سلمان استهل تسلمه للملف اليمني عام 2019 (بعد تبوئه منصب نائب وزير الدفاع) بالتواصل مع أنصار الله في محاولة لخفض مستوى التصعيد وردع تهديد الطائرات المسيّرة والصواريخ لحكومة صنعاء العابر للحدود. في كلا المرتين، لم يكن الحوار أكثر من مناورة تكتيكية استغلها الطرفان في إدارة الأزمة بشكل مؤقت دون الانخراط جديًا لإيجاد حل دائم، وحتى إذا ما تمخض عن الحوار إجراءات تهدئة عملية، فسرعان ما تلاشت مع أول موجة تصعيدية عسكرية.
تميزت المحادثات الأخيرة بكونها الأقل سرية؛ إذ تعمّد الطرفان إخراج بعض من جوانب الحوار للعلن وتغليف التفاصيل بالغموض.
يرى البعض أن ذلك كان مناسبًا تمامًا لصنعاء ، حيث الإشاعات عن وجود حوار مع الرياض قد يهز ثقة الأخيرة مع حلفائها المحليين ويعزز من شرعية أنصار الله السياسية كطرف ندي أمام خصومهم الإقليميين (السعودية والإمارات).
من هذا المنطلق، سيستغل أنصار الله حاجة السعودية الملحة للهدنة لضمان أمنها؛ كي يرفعوا سقفهم التفاوضي وينتزعوا امتيازات مالية منها إضافة العسكريين إلى كشوفات رواتب موظفي القطاع العام.
من ناحيتها، تحتاج الرياض إلى التواصل المباشر مع أنصار الله لتعويض التراجع الحاصل في الوساطة الأممية والعمانية، ولكي تضبط مستوى التصعيد في اليمن بحيث لا يتجاوز الخطوط الحمراء، خصوصًا أنها بحاجة ماسة إلى منع أي تصعيد كبير في الصراع خلال هذه الفترة يجعلها في مرمى نيران منتقديها الأمريكيين، على الأقل إلى أن تتجاوز توترها الحاد مع الإدارة الأمريكية على خلفية سياستها النفطية وموقفها من الحرب الروسية-الأوكرانية.
وطالما لم يعد المناخ الدولي ولا توازنات القوى محليًا سانحة لكي تشن دول التحالف العربي حملة ضغط عسكرية ضد صنعاء ، فمن الأجدى للسعودية الانخراط في محادثات مع أنصار الله الحوثيين حول بعض الترتيبات الأمنية مثل وقف العمليات البرية في اليمن ووقف الهجمات الجوية العابرة للحدود والقيام بصفقات تبادل للأسرى، وهي في الوقت نفسه لا تمانع من تسريب أخبار عن المحادثات كي تحرج من وجهة نظرها أنصار الله الحوثيين أمام حاضنتهم الشعبية، وتستكشف بنيتهم الداخلية وإمكانية اللعب على تناقضاتها.
من المهم النظر إلى المشاورات السعودية مع صنعاء في سياق الحوار “السعودي-الإيراني” الجاري، والذي شهد تقدمًا ملحوظًا حتى مع ارتفاع النبرة العدائية تجاه الرياض من قِبل بعض قيادات الحرس الثوري الإيراني على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها شوارع إيران حاليًا.
من يتتبع قنوات التواصل غير الرسمية بين صنعاء والسعودية يجدها مقرونة بالأساس مع المبادرة العراقية التي بدأت في سبتمبر ٢٠١٩ للتقريب بين الرياض وطهران.
محادثات بين الإصلاح والإمارات
يمكننا أن نجد هذا النمط من الحوارات الاستكشافية يتكرر في اليمن ضمن مسار مختلف، ولذات الأسباب. في بداية نوفمبر من العام 2022 سافر عضوا مجلس القيادة الرئاسي المواليان لدول تحالف العدوان على اليمن والممثلان لحزب الإصلاح الإسلامي عبدالله العليمي وسلطان العرادة إلى أبوظبي ،التقيا هناك بعدد من المسؤولين الكبار لبحث الطريقة المثلى لإدارة العلاقة المتوترة بين الإمارات والحزب. هذه ليست المرة الأولى التي تزور فيها القيادات الإصلاحية العاصمة الإماراتية أبوظبي، خصوصًا زيارة سلطان العرادة عام 2015 (الذي كان صديقًا شخصيًا للشيخ محمد بن زايد الحاكم الفعلي آنذاك للإمارات قبل توليه الحكم بداية العام الجاري). كما زار رئيس مجلس شورى الإصلاح محمد اليدومي وأمين عام الحزب عبدالوهاب الآنسي أبوظبي والتقيا ابن زايد عام 2018. ثمة عامل مشترك بين الزيارة السرية الأخيرة وسابقاتها، وهو الضغط السعودي الذي يُمارس دومًا لتخفيض مستوى التوتر داخل المعسكر الموالي لدول التحالف والمناهض لانصار الله ، وتوحيد جبهته للتعامل مع القضايا الأكثر إلحاحًا. على سبيل المثال عام 2018، كانت التهدئة ضرورية ضمن التحضير لمعارك الساحل الغربي وعمليات قادتها القوات المدعومة من الإمارات للاستيلاء على الحديدة، واليوم باتت هذه التهدئة ضرورية لتُحييد حضرموت عن التحول لساحة صراع بين حزب الإصلاح وحليف أبوظبي الأبرز في الجنوب، المجلس الانتقالي الجنوبي.
حوار الإصلاح مع الإمارات
سارع حزب الإصلاح إلى التجاوب مع فرصة الحوار مع الإمارات بعد أن اختل ميزان القوى الاستراتيجي داخل المناطق المسيطرة عليها أبوظبي وحلفائها المحليين (ألوية العمالقة، وقوات المقاومة الوطنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي). وما سبقه من تقارب بين الموقفين السعودي والإماراتي حول ضرورة تحجيم دور حزب الإصلاح نظرًا لفشله في مواجهة أنصار الله عسكريًا وإخفاقه في قيادة الشرعية سياسيًا كطرف في حكومة عبدربه منصور هادي.
ومنذ إقرارهم بخسارة معركة شبوة؛ بدأت قيادة الإصلاح بتبني استراتيجية دفاعية تميل إلى التهدئة للحفاظ على ما تبقى من نفوذ سياسي وعسكري لها داخل معسكر الحكومة الموالية لتحالف العدوان ، وهي تناور قدر الإمكان كي ترمم تحالفها المتداعي مع السعودية، ولكي تتجنب أي مواجهة مفتوحة مع أبوظبي في ظل الظروف المحلية والإقليمية الراهنة.
أما الجانب الإماراتي، ففتح أبوابه مجددًا أمام خصمه اللدود في اليمن، نزولًا عند التفاهمات الثنائية مع السعودية حول خفض مستوى التوتر بين حلفائهم المحليين، حتى لو مؤقتًا. عَمِد كلا البلدين مؤخرًا إلى الوفاء بتعهدات مالية ضخمة للحكومة اليمنية الموالية للتحالف من أجل دعم مجلس القيادة لمواجهة التبعات الاقتصادية لهجمات صنعاء على الموانئ النفطية.
آفاق استمرار حالة الجمود
قد يدفع انتشار المعلومات القائلة بوجود حوار السعودية مع أنصار الله والمباحثات الإصلاحية الإماراتية الكثيرين للاستنتاج بأن أبرز داعمي الحكومة يحاولان تسوية صراعهما في اليمن بشكل سريع وأحادي، متجاوزين حلفائهما المحليين (محادثات السعودية مع صنعاء التي تتجاوز مجلس القيادة الرئاسي، ومحادثات الإمارات مع حزب الإصلاح التي تتجاوز المجلس الانتقالي الجنوبي). لكن بمجرد أن توضع هذه المعلومات في سياقها العام، ندرك أنها جزء من المناورات السياسية التقليدية للقوى المحلية والإقليمية الفاعلة في الأزمة اليمنية، التي لطالما تكررت على مدار 8 سنوات. وهي مناورات تعبر عن حجم الجمود في الأزمة أكثر مما قد تشي بمسارات جديدة لحلها.
بتصرف عن مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية
أقرأ أيضا:القربي:يكشف أمكانية تتدخل مصر والكويت إلى جانب السلطنة في دور الوساطة لحلحة الأزمة اليمنية