حتى لا يصبح التطبيع ثقافة

حتى لا يصبح التطبيع ثقافة
بقلم : محمد علي العزي
الثلاثاء29يوليو2025_
لماذا نصرخ …لماذا نغضب …لماذا نوجه بوصلة العداء إلى أمريكا وإسرائيل ؟
بكل بساطة هذا هو الموقف الصحيح والمفترض أن يكون طبيعياً وسط هذه الأمة ..فأمريكا وإسرائيل هم الأعداء التاريخيين لأمتنا خصوصاً ، وللبشرية عموماً.
حين لا تزال إنساناً وفطرتك سليمة فإن الشيء الطبيعي لك هو أن تعادي إسرائيل وتعادي الصهيونية ، وحين لا تزال ذو نخوة عربية فإن الموقف الطبيعي لك أن تعادي إسرائيل باعتبارها عدواً قومياً للعرب ، أما حين تكون ذو ثقافةٍ دينية إسلامية فإن الدين يفرض عليك فرضاً أن تعادي اليهود باعتبارهم الفئة التي تشكل خطورة على البشرية جمعاء .
فحين ترى نفسك كإنسان تنشد إلى الصهاينة فشك في إنسانيتك ، وحين ترى نفسك كعربي تنشد إلى الصهاينة فشك في إنسانيتك وعروبتك ، أما حينما تبرر للتطبيع والعلاقة مع الصهيونية وأنت عالم دين ، فهذه هي الكارثة الكبرى وعليك أن تشك بإنسانيتك وعروبتك وانتماءك الحقيقي للإسلام ، ومن الكوارث الكبرى أن يأتي متدينون وشخصيات دينية يطلق عليهم (علماء ) ليبرر للتطبيع مع الصهاينة ، وليمسخ فطرة وثقافة الأمة تحت عنوان دين ، تلك الثقافات الدخيلة التي تهيئ الأمة أو الغالبية منهم أن يكونوا أحذية للصهيونية سواءً شاءوا أم أبوا ، هذه الثقافة الدخيلة على الإسلام والتي تنصدم مع الفطرة السليمة ومع الدين والقرآن ، كمثل الحديث المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله و سلم الذي نصه (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ) ، هذه الثقافة الدخيلة على الفطرة وعلى الدين التي تمسخ فطرة الأمة وهويتها وانتماؤها الإيماني ، لأنها قدمت باسم دين ، ومن هذا المنطلق وهذا الانسلاخ أمكن أن يدجنوا الأمة لليهود …
خطورة الخطاب الديني المضلل أخطر بكثير من الخطاب القومي أو غيره ، لأنك هنا تقدم لهم الضلال باسم دين وهم ملزمون بأن يستجيبوا له ، وإلا فهم عاصون – وفق مقتضيات الدين – فلو قدمت هذه الثقافة بشكلٍ آخر وبخطابٍ عروبي مثلاً فلن يستجيب لك القومي العربي ، لأن هذا الشيء ينصدم مع فطرته ، بل لو قدم هذا الخطاب لعربيٍ جاهليٍ من عصر قريش لرفض ذلك وأنف ، لأن فطرته ونخوته العربية لا تنسجم مع ذلك .
لقد دجنت هذه الثقافة الحكام لليهود ، ودجنت الشعوب للحكام ، فأصبحوا ينقادون انقياداً أعمى للصهيونية والطاغوت ، ومن هنا بدأت الانحرافات ، فعندما يصرح الأمير بضرورة فتح المراقص وبارات الدعارة فعليك أن تستجيب له ، وعندما يندرج الحاكم في منزلق العلاقة والتطبيع مع الأعداء فيجب عليك أن تطيعه ، وبهكذا ثقافة منحرفة أمكن أن تدجن شعوباً بأكملها …
ومن المؤسف أن تنجر شعوباً بأكملها أو الغالبية العظمى فيها إلى (منجل ) التطبيع ، وتمسخ ثقافتها وهويتها ، وهناك من يدعوها إلى تصحيح ثقافتها والعودة الجادة إلى الثقافة الصحيحة …
لذلك عندما نتكلم ، وعندما نصرخ ، وعندما نتبرأ ، وعندما نتظاهر وعندما نطلق الصواريخ ، وعندما نخطب ، فإن كل ذلك لا يعني فقط موقف وعداء فطري وديني فحسب ، بل هو أيضاً لتصحيح ثقافة وتصحيح وعي وتصحيح مسار ، لذلك وفق الشرعية الدينية والقومية ووفق المعايير الإنسانية السليمة كان يجب أن يكون المواجهة مع الصهيونية هي الموقف الصحيح ، وأن يكون الانسلاخ والعمالة هو الخطأ ، كان يجب أن يشاد بمن يعادي أمريكا والصهيونية ، ويجرم من يتعامل ويتواطأ معهم …
لذلك فإنه صار لزاماً على كل قلمٍ حرّ ومحراب ثائرٍ ، والطبقة المثقفة في الأمة بشكلٍ عام أن يفجروا ثورةً فكرياً توعوية تعيد صياغة ثقافة الأمة وفكرها ووعيها وتوجهاتها ، منبثقة من ثقافة القرآن الكريم ، فليس تخلفاً ولا رجعيةً أن تنادي في القرن الواحد والعشرين بضرورة العودة إلى ثقافة القرآن الكريم ، ذلك الكتاب الواسع والحي والذي يواكب الواقع والمتغيرات ، والذي هو جديرٌ بأن يرقى بواقع الأمة إلى أرقى المستويات على جميع الأصعدة ، وليس معيباً أن تتحرك الأقلام الحرة والمثقفون والعلماء والسياسيون لتصحح ثقافات وتوجهات أسقطت الأمة وهوت بها في وادٍ سحيق ..
ثورة الأقلام والفكر في هذه المرحلة لا تقل أهمية عن بندقية المجاهد وقذيفته وصاروخه ، فالمسخ هنا والاستسلام جاء عبر محاريبٌ وأقلامٌ وكتبٌ وثقافات ، وكل ذي لبّ مسؤول أمام الله لينال شرف الوقوف مع ثوابت الأمة ، والسير في الاتجاه الصحيح الذي مهما كثر أعداؤه وتكالبوا عليه لا بد له أن ينتصر ، مسؤوليتنا تكاملية ونحن جميعاً معنيون في هذه الثورة المقدسة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد…
اقرأ أيضا:وقفة تأمل في تأملات حسن الدولة

الصورة تعبيرية ارشيفية