جنوب اليمن بين الاستعمار المباشر والاستعمار بالوكالة

جنوب اليمن بين الاستعمار المباشر والاستعمار بالوكالة
الأربعاء 17 ديسمبر 2025-
جنوب اليمن ليس جغرافيا على خارطة العالم العربي، بل مسرح لتاريخ متشابك من التدخلات الخارجية التي تركت بصماتها العميقة على مسار الدولة اليمنية ووحدتها. فمنذ أن رسّخت بريطانيا وجودها في عدن عام 1839، وحتى النفوذ السعودي–الإماراتي الراهن منذ 2015، ظل الجنوب اليمني نموذجاً فريداً لتعدد أشكال السيطرة، بين استعمار مباشر بسط نفوذه عبر مؤسسات إدارية وعسكرية، واستعمار خفي بالوكالة يتغذى على الانقسامات الداخلية ويعيد إنتاجها.
لقد كان الاحتلال البريطاني استعماراً كلاسيكياً واضح المعالم، هدفه تأمين طرق الملاحة الدولية وربط عدن بشبكة التجارة الإمبراطورية، والسيطرة على باب المندب بوابة البحر الأحمر، وعلى ميناء عدن بسبب موقعه الاستراتيجي.
ومن اجل تحقيق ذلك اعتمدت بريطانيا سياسة “فرق تسد”، وأبقت جنوب اليمن بسلطنات ومحميات متناحرة فيما بينها، وكانت تدعم كل واحدة من هذه السلطنات ضد الأخرى. لكنها واجهت في النهاية حركة وطنية موحدة، هبت من جنوب وشمال الوطن أنهت وجودها عام 1967.
في المقابل، جاء النفوذ السعودي–الإماراتي في سياق مختلف، إذ لم يتخذ شكل الاحتلال المباشر، بل اعتمد الحرب الناعمة، وتحويل عدن إلى دبي أخرى، وذلك من خلال دعم فصائل محلية مسلحة موازية للدولة، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وألوية العمالقة، ودرع الوطن ومتا إلى ذلك، والهدف الأساسي تأمين مصالحه الإقليمية، للسيطرة على الموانئ والجزر اليمنية الاستراتيجية، ولتحقيق مطامع الكيان الإسرائيلي والقوى الدولية كالولايات المتحدة الأمريكية.
المفارقة التاريخية تكمن في أن الاستعمار البريطاني، رغم قسوته، انتهى بحركة تحرر وطنية موحدة، بينما الاستعمار بالوكالة الراهن يعمّق الانقسامات الداخلية ويعيد إحياء النزعة الانفصالية، وإحياء الثارات القبلية والحروب الأهلية بين أبناء الشعب اليمني الواحد، مما يجعل مهمة التحرر أكثر تعقيداً. فالتحدي اليوم لا يقتصر على مواجهة القوى الخارجية فقط، بل يبدأ بإعادة بناء اللحمة الواحدة والتماسك الوطني واستعادة مؤسسات الدولة، باعتبار ذلك الشرط الأساسي لأي مشروع وطني تحرري حقيقي يعيد لليمن وحدته وسيادته.
اقرأ أيضا: الفرح: ترامب يعلنها بكل وضوح أن الهدف نهب وسرقة النفط الفنزويلي

