بين الحماسة والانفعال: توضيح ما التبس على لطف قشاشة في تأملاته

بين الحماسة والانفعال: توضيح ما التبس على لطف قشاشة في تأملاته
بقلم / حسن الدولة
الثلاثاء29 يوليو 2025_
كنتُ سأحجم عن الرد، لولا أن الأخ لطف لطف قشاشة في مقاله المعنون “وقفة تأمل في تأملات حسن الدولة”، قد حاد عن لغة الحوار المتزن، واتخذ من النصح طريقًا لتقريع ضمني لا يخلو من غمز ولمز، وإطلاق تهم لا تليق بشخصه الكريم الذي اسمع عنه كلاما إيجابيا، لكنه حاد عن لغة الحوار مستخدما لغة العصا والجزرة، وتقويل الخصم ما لم يقل رغم قوله ” سأحمل المقال – يقصد مقالي الذي يرد عليه – سلامة المقصد..” ولكنه في الحقيقة وجه إلي تهمة أربأ بنفسي أن أقول فيها “رمتني بدائها وانسلت”.
وقال سامحه الله ما لفظه: “ما حمله مقال الدولة يعبر عن ثقافة مستوطنة داخل العقلية العربية” وكأنه خارجٌ عن هذه الأمة وقادمٌ إلينا من كوكبٍ آخر ليقوم لنا درسًا في القيم والأخلاق، بل بلغت به الحدة والجرأة أن يقول: “بل انساق وراء ما يروجه الكيان وداعميه!!” بل بلغت به الجرأة أن يطردني من ديني ووطنيتي وأن ما قلته حسب زعمه “يخلق انطباعًا إيجابي – هكذا كتب اللفظة الأخيرة – لدى العدو الصهيوني، وخاصة وهو يقرأ عن شخصٍ بحجم حسن الدولة الذي أجزم أنه لا يرضى أن يكون بوقًا يردد من حيث يدري أو لا يدري للسردية الصهيونية الخبيثة”.
ونظرًا للغة التخوين تلك فقد وجدت نفسي مجبرًا على الرد، ليس دفاعًا عن نفسي، بل دفاعًا عن قضية قضايا أمتنا العربية والإسلامية، وهي القضية الفلسطينية، القضية التي تعتبر عند كل عربي غيور من أقدس المقدسات، حيث ترمز إلى الكرامة والنضال من أجل الحرية والعدالة. ومع ذلك، يظهر الشعب الفلسطيني قدرة هائلة على الصمود أمام هذه الإبادة الجماعية وهذا التجويع والقتل والدمار الذي طال البشر والحجر والشجر، مما يجعل دعم القضية الفلسطينية واجبًا وطنيًا وإنسانيًا، وهو واجبٌ أزلي حتى تعود فلسطين حرة ومستقلة، ويعيش أبناؤها بكرامة وأمان.
إلا أن الأخ قشاشة ختم تأمله موجها النصح لي بأن أستشعر بالحديث الشريف: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”. وهو استشهاد لو وُضع في سياقه الحقيقي لما اعترضت عليه، لكن إسقاطه عليَّ بهذه الطريقة التي تنم عن تعالٍ يُفهم منها الإدانة، وكأن ما كتبته يعد خذلانًا أو حتى كفرًا بالقضية، وهذا بعيدٌ كل البعد عن الحقيقة والنية.
لقد كتبت مقال “بين الصفعة والخديعة الكبرى نحتاج وقفة تأمل” من منطلق مسؤولية فكرية وأخلاقية، وأدرك تمامًا حجم الكارثة التي يتعرض لها شعبنا في غزة، كما أعي أن الحديث عن المجازر لا يحتمل الترف الفكري، غير أن تعويم النقاش ورفض أي نقد لما يجري على الأرض لن يُسهم في خدمة المقاومة بقدر ما يُسهم – عن غير قصد – في تغطية الأخطاء وتقديس الأشخاص.
من عاطفة قشاشة إلى قراءة الواقع أقول لأخي لطف، لقد اختلطت عليك نوايا المقال بمقاصده. لا أحد – عاقل أو منصف – يمكنه أن يُنكر شرف المقاومة أو يزايد على من وهبوا أعمارهم من أجل فلسطين، لكن لا أحد كذلك يملك الحق في إسكات أي محاولة لطرح الأسئلة التي باتت اليوم أكثر من ضرورية. فالمقاومة لا تُصان بالشعارات ولا تُخلد بالمديح، بل تُقوَّم، وتُراجع، وتُقاس نتائجها بميزان التكلفة والمكسب، وهذا هو جوهر ما حاولتُ طرحه.
لقد افترضتُ في مقالي أن من اخترق حزب الله، وسوريا، وإيران، أولى به أن يخترق “حماس”، لا لضعفها أو تقصيرها، بل لقربها وارتباطها الموضوعي بمحور المقاومة، وقربها الجغرافي من الكيان، ولأن منطق الاختراق يقول إن الأقرب للعدو، جغرافيًا ولوجستيًا، هو الأقرب للاستهداف. وقد دلّ واقع ما بعد 7 أكتوبر على أن إسرائيل كانت مستعدة، وأن بنك أهدافها كان محكمًا، وأن الردود الدولية لم تكن وليدة لحظة، بل امتدادًا لتخطيط دقيق.
وأقول لصاحبي لطف الذي لم أفقهه بعد أن العرب تقول بأن اللاحق للسواق تنتمي، وأن حسن النية في القضايا المصيرية تعد مغامرة لا نملك ترفها !!!!؟ وكما أشار الأستاذ قشاشة إلى أن النوايا الصادقة وحدها ترفع الظلم، لكني أقول له – بكل احترام – إن النوايا الصادقة في مثل هذه القضايا، إن لم تكن مقرونة بقراءة استخباراتية دقيقة، وخطط مدروسة العواقب، فهي ورطة لا بطولة. لأن ما حدث بعد الطوفان أودى بحياة عشرات الآلاف من أبناء غزة وشرد الملايين منهم، وجعل غزة ركامًا من الأنقاض لأكثر من مئة ألف وحدة سكنية ومنشآت وبنى تحتية طالت المستشفيات والمدارس، وكل ذلك تحت مبرر “الطوفان وإطلاق الأسرى”، وكان واضحًا أن إسرائيل استثمرت الحدث لتطلق يدها في إبادة غزة، بموافقة دولية خجولة أو متواطئة.
فهل نغض الطرف عن هذا الواقع الكارثي ونكتفي بقول “اللهم انصرهم”؟ هل نصطف خلف كل قرار مقاوم دون تمحيص؟ أليس من الإنصاف أن نُسائل الأدوات لا المبادئ؟ أن نراجع الأساليب لا الأهداف؟ وهل نقد المقاومة هو نقد لفلسطين؟ أبدًا. بل هو محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
في ملف الأسرى… من المكسب ومن الخسارة؟ وفي معرض حديثه، تجاهل الأستاذ لطف التحليل البارد للنتائج، فحركة “حماس” – التي نُجلّ تضحياتها – دخلت معركة طوفان الأقصى وفي نيتها أسر أكبر عدد من المستوطنين والمجندين، بقصد التبادل. وهذا منطقي ومفهوم في سياق من سبقهم من المقاومين، سواء جبريل أو حزب الله. ولكن لننظر بإنصاف: ما الذي تحقق؟
لقد تمت مبادلة 300 أسير فلسطيني بمئة إسرائيلي، جميعهم تقريبًا تم اعتقالهم بعد 7 أكتوبر. أي أننا لم نربح سراح المعتقلين القدامى كما نُروج، بينما إسرائيل أعادت ترتيب أولوياتها على الساحة الدولية، وحشدت تأييدًا واسعًا تحت شعار “من حقها أن تدافع عن نفسها”. فهل نواصل الحملة بذات الأدوات؟ وهل يُعقل أن بقاء أربعة أحياء وعشرين جثمانًا من أصل مئات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين، يستحق أن يُقابل بقتل مئات الفلسطينيين يوميًا، إما قصفًا أو جوعًا؟
أنا أسأل بمرارة لا بتشفي: على ماذا تراهن حماس الآن من بقاء هذه الجثث؟ وما المكسب المتبقي مقابل هذا الكم من الدم؟
وهنا لا بد أن أوضح أن الجهاد – بمفهومه العام – مقدس في كل الديانات السماوية، بل هو ذروة سنام الإيمان، لكنه الجهاد الذي يتم بعد إعداد محكم، وخطة دقيقة، تراعي العواقب التي قد تنجم عنه. حتى العملية الانتحارية – إذا كانت ستضر بالقضية ومحور المقاومة – لا تكون جهادًا بل مغامرة مدمّرة. وقد قال الأستاذ قشاشة نفسه إن أحدًا لم يكن على علم بعملية الطوفان، حتى قادة حماس أنفسهم، وهو ما أكده خالد مشعل، وقاله الشهيد حسن نصر الله، وأكده الإمام السيد علي خامنئي. لقد كانت العملية سرية جدًا، حتى على محور المقاومة، وكانت تلك السرية هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير. نحن أمام فعل كانت نتائجه وخيمة على المقاومة ومحورها. فصائل المقاومة من حقها أن تقاتل، لكن حين يكون لفعلها تأثير كارثي على بقية المحور وعلى القضية برمتها، يصبح الفعل انتحارًا لا بطولة. كما خدم صدام حسين العدو حين اجتاح الكويت، فقدم بتلك المغامرة العراق والأمة العربية لصالح إسرائيل وأمريكا والغرب، وقدمهم لهم على طبق من ذهب.
من سردية العدو إلى مراجعة الذات، لقد اتهمني الأستاذ لطف، بلطف مشوب بالحماسة، أنني رددت سردية العدو الصهيوني، وأنا أقول له: إن العدو يفرح حين يرى خصومه غارقين في العاطفة، لا حين يطرحون الأسئلة ، ويقيمون الأحداث ويقيسونها بنتائجها، لقد اقسم الله سبحانه بالنفس اللوامة لإعلاء مكانة النقد عند البشر، وأننا عندما نعلم أن الكنيست استجوب النتن بعد أسبوع واحد من الطوفان ووجه بتسجيلات صوتية تمت مع قادة من حماس قبل شهر من طوفان الأقصى ، وأن النتن نفسه أعلن لإسرائيل يوم الضربة الافتتاحية لإيران حسب تسمية العدو لها فقال ما لفظه: ” على الإسرائيليين أن يعلموا أن إسرائيل كانت مهددة وجوديا قبل 7 أكتوبر” بل اعتبر أن استشهاد حسن نصر الله لحظة فارقة في تأريخ إسرائيل”.
نعم إن إسرائيل هي المستفيد الوحيد من بقاء الأسرى – ٢٠ جثة وأربعة أحياء- لكي تستمر في أمان القتل والتجويع تحت مبرر محاولتها إطلاق سراح أسراها، في حين أنها لم تكترث بقصف تجمع يهودي أثناء احتفالهم بالطائرة الهيلوكبتر يوم 7 أكتوبر لتنسب هذا الفعل لحماس، فنحن أمام عدو مجرم بكل المقاييس يتباكى أمام العالم ويحول جرائمه تجاه الإنسانية إلى مظلومية.
وأنا أؤكد للأخ لطف أن الأمة العربية لم تقف متفرجة أمام هذه الجرائم التي ترتكب في حق أهالينا في غزة فحسب بل هناك من هو داعم بالمال ، وان دولة مثل جنوب أفريقيا قامت بما عجزت عنه الأمين العربية والإسلامية وان التاريخ لن يرحم احد ، وختاما لقد أجبرني صاحبي الذي لم أتعرف عليه إلا عبر التلفون أن أرد عليه بهذه العجالة والصحة وانصح نفسي بعدم الانسياق وراء العواطف الجيشاشة بل أن الواجب أن نتبين وان سوء الظن قبل الإقدام على أي فعل يمس القضايا المصيرية هو عصمة لنا وبخاصة اننا أمام عدو يمتلك كل وسائل العمل الاستخباراتي وقد أثبتت أحداث ما بعد 7 أكتوبر ذلك ولا يندرج ضمن نظرية المؤامرة تلك الاسطوانة المشروخة التي يتكئ عليها الكثيرون، وأن ما بعد ذلك اليوم يعتبر كارثة بكل المقاييس.
والله من وراء القصد..
اقرأ أيضا:وقفة تأمل في تأملات حسن الدولة
