المفكر الكبير زيد بن علي الوزير يكتب عن الاستبداد وتسلط الفرد في كتابه “الفردية”
المفكر الكبير زيد بن علي الوزير يكتب عن الاستبداد وتسلط الفرد في كتابه “الفردية”
السبت3أغسطس2024_ قدم الاستاذ وضاح عبدالباري طاهر قراءة ممتازة لكتاب “الفردية” وهو بحث عن أزمة الفقة الفردي السياسي عند المسلمين، للمفكر الكبير الاستاذ الجليل زيد بن علي الوزير عن الاستبداد وتسلط الفرد، أوضح استاذنا الجليل في هذا الكتاب الجدير بالقراءة اجابات وافية عن العديد من المشاكل في عالمنا العربي منذ يوم السقيفة بعد وفاة الرسول الكريم وحتى اليوم ، والتي تتمحور حول الاستبداد وتسلط الفرد بعيدا عن الشورى التي أمرنا بها ديننا الإسلامي الحنيف.
المفكر الكبير زيد بن علي الوزير يكتب عن الاستبداد وتسلط الفرد في كتابه “الفردية”
الفردية قام بقراءته : وضاح عبدالباري طاهر
«الفردية»، كتاب للأستاذ المفكر الكبير الأديب زيد بن علي الوزير. صدرت طبعته
كان هذا الكتاب -بالأصل- مقالات نشرت على حلقات في صحيفة «صوت الشورى» تحت عنوان «أزمة الفكر السياسي عند المسلمين»، لكن الأستاذ زيد رأى أن البحث لم يتخلق بصورته النهائية؛ ليكون رؤية واضحة وشاملة لهذه المعضلة أو الأزمة في الفكر السياسي الإسلامي؛ فأضاف عليه فصول وأجزاء حتى تكتمل الصورة، وتتضح الرؤية.
من المعلوم أن أول خلاف دهم المسلمين بعد وفاة صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم هو مسألة الإمامة، حتى لقد عدها الشهرستاني في «الملل والنحل» أعظم خلاف حدث في الأمة الإسلامية، وأنه ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان.
لقد تنازع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فيمن هو أولى بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الغلبة لبعض كبار المهاجرين بما أدلوا به من قرابتهم لصاحب الرسالة، واحتجوا به من أن العرب لن تدين لغيرهم، فكانت بيعة أبي بكر. وهذه هي العصبية التي رجحت بها كفة المهاجرين، وحُسم بها الجدل الدائر بين الفريقين، والتي اشترطها ابن خلدون في تمهيد الدول وتأسيسها، ولولا ضعف الأنصار بالانشقاق الحاصل بين جناحيه: الأوس، والخزرج، وغياب قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتجهيز النبي صلى الله عليه وسلم لمثواه الأخير، وهم طرف معارض لما تم في السقيفة، لأخذت الأمور بعدًا آخر.
ويذهب الدكتور عبد الإله بلقزيز في كتابه «النبوة والسياسة»، ص 44، وهو ذو توجه إسلامي، شغل منصب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي بأن بيعة أبي بكر كانت أقرب ما تكون إلى أسلوب الأمر الواقع.
وهكذا سارت الأمور من بعد؛ فالخليفة الأول أدلى بها إلى الثاني، وكان الأمر أيضًا أمرًا واقعًا، وحصلت معارضة في بادئ الأمر، كما يفهم من الخبر الذي ذكره الطبراني في «المعجم الكبير»: 2/ 62، وهذا نصه: “عن عبد الرحمن بن عوف، قال: دخلتُ على أبى بكر في مرضه الذي توفى فيه، فسلمت عليه، وسألته: كيف أصبحتَ، فاستوى جالسًا، فقلتُ: أصبحتَ بحمد الله بارئًا؟ فقال: أما إني على ما ترى وجِعٌ، وجعلتم لي شغلاً مع وجعي. جعلت لكم عهدًا من بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسى؛ فكلكم وَرِمَ لذلك أنفهُ رجاءَ أن يكون الأمر له”.
إن داء الاستبداد أو الفردية التي آثر الأستاذ زيد أن يطلقها عنوانًا لكتابه على حكم المتسلط الفرد بمعزل عن رضا الأمة ومشاركتها- لازمَ الأمة إلى يوم الناس هذا، وهي سبب جل -إن لم نقل كل- أدوائه التي تخبط فيها-، وهي العلة الرئيسة لهذا الانحطاط الشامل في حياة العرب والمسلمين.
لكن سؤال الأستاذ زيد -وسؤال من يهمهم الأمر أيضًا- هو: لماذا بقيت هذه الفردية الرئاسية مطنبة خيامها حتى اليوم؟ بعد أن كانت دولة المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تدار بشكل جماعي وشوري؛ فالأمة- لا الفرد- هي التي تدير شئونها.
ويخلص الأستاذ زيد أن تديين الخلافة، وتديين صلاحيات الحاكم، وتديين طاعته وضع الفقه السياسي في قالب حديدي لا يسمح بالفكاك منه. (انظر: المقدمة، ص12).
يحتوي كتاب «الفردية» على أقسام. فالقسم الأول يتحدث عن نظام الأمة، ويضم تحته عدة أجزاء. فالجزء الأول (المرايا المعكوسة). وفيها ينكر المؤلف على السنية والأشاعرة وضع الانقلاب الأموي مع الخلافة الراشدة في سلة واحدة من حيث التقدير والتقديس، ويقول أيضًا أن الصفويين والفاطميين مع مخالفتهما للسنية إلا أنهما كرستا نمطية رتيبة استمرت تفرز ألوانًا واحدة ذات طبيعة واحدة ونكهة واحدة ومذاق واحد مرير.
كما يقول:” إن تداول السلطة عن طريق العنف من أجل أُسَر، لا من أجل نظام، وترسيخ الفردية عن طريق تقديس الخليفة والخلافة هو القاسم المشترك بينها جميعًا”. (ص26).
وفي الجزء الثاني: نظام أمة لا تسلط دولة. وفيه يشيد بقيادة الجماعة، وحرية العقيدة التي كان ينعم تحت ظلها سائر المليين، ويتحدث عن المال بصفته وظيفة اجتماعية، كما يتحدث ويشيد بحاكمية الأمة لا حاكمية الحاكم بأمره.
وفي الجزء الثالث: يتحدث عن خلافة الخمسة الخلفاء: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن بن علي، ويشيد بتجربة هؤلاء الخلفاء الراشدين، ويصف -محقًا- تجربة عثمان ببداية الوهن. ففي أيامه تسلط أقاربه على رقاب الناس، واستأثروا بالمناصب والغنائم والأموال.
أما القسم الثاني، فيتحدث عن الدولة العضوض التي ابتدأها معاوية بن أبي سفيان، وهنا حلت الأثرة والاستئثار بدلاً عن الشورى، وصار معاوية خليفة الله، وظله الممدود على الأرض، ثم ما كان من فرض ابنه يزيد بالإكراه؛ فكانت بدعة التوريث التي شرعها، وجعلها سنة يعمل بها ولاة الجور من بعده.
في القسم الثالث: المقاومة دم الفكر
يشيد بالمعتزلة، ويثمن إعلاءها لقيم الحرية والعقل، لكن ذلك لم يمنعه من انتقادهم حين تسلطوا، وفرضوا آراءهم بقوة الدولة كما حصل أيام المأمون والمعتصم، ويجعل الأستاذ الوزير الخوارج ضمن فرق المقاومة إلا أنهم أضاعوا بوصلة المنطق، وكذلك الكيسانية الفرقة المحسوبة على الشيعة التي يصفها بأنها فقدت رشدها.
ولا شك أن رأي المعتزلة والخوارج بالنسبة للإمامة، وكما بينها الأستاذ زيد تحسب لهم، فقد أجاز جمهور المعتزلة، وجميع فرق الخوارج بأن الإمامة في جميع الناس لا فرق بين أن يتولاها عربي أو أعجمي، وهذا أيضًا اختيار علامة الزيدية المجتهد الحسن الجلال كما حكاه وأنكره عليه يحيى بن الحسين بن القاسم في تاريخه «بهجة الزمن».
يوضح الأستاذ زيد كيف أن السلطة السياسية جنت على الفكر، وعلى السياسة، وعلى الدين حين ألزمت الناس بالاقتصار على التمذهب بأربعة مذاهب فقط هي مذاهب سنية؛ فحجرت واسعًا، أما في الاعتقاد، فكان البيان القادري صاحب الرؤية السنية الواحدة التي تنفي كل ما عداها، وأما في مجال الحكم، فحصر الخلافة في قريش.
ولعل من أهم أجزاء الكتاب هو الجزء السادس، وهو بعنوان: رياح التغيير: الفعل ورد الفعل، ويتحدث فيه عن بداية الصدمة التي هزت المسلمين عميقًا حين هالهم تقدم الغرب وما حققه من إنجازات في مختلف المجالات بسبب من سلطان العقل الذي جعلوه إمامهم يصدرون عنه في جميع شئونهم؛ فنشأ إثر ذلك تياران نقيضان في العالم العربي والإسلامي، الأول: يذهب إلى علمنة الدولة كما حصل في أوروبا، والثاني يذهب إلى الحاكمية.
ويتحدث الأستاذ زيد بن علي الوزير ، بإنصاف وفهم عميق لهذه القضية، وهذا الجدل والصراع الدائر من حول الديمقراطية والعلمانية، فيقول: “علينا أن ننطلق من مسلمة لا يختلف عليها، وهي أن العلمانية والديمقراطية توأم لا ينفصل، وأنهما ليستا ضد الدين ولكنهما ضد حكم الدين- الكهنوت. (ص618).
ويقول أيضًا: “كما أن علينا أن نفهم منذ البدء أن العلمانية كالديمقراطية ليست قالبًا ثابتًا أو صورة جامدة بمعنى أنها لا تقبل إضافة ولا تطويرًا. إنها تتوسع وتضيق، ولكن ضمن ثوابت لا يمكن الخروج عليها. (نفس الصفحة).
ويخلص قائلاً: ومن خلال هذه الحقائق يتبين أن المجتمعات العلمانية هي تلك المجتمعات التي تقبل كل جديد وتتفاعل معه، وفي الوقت نفسه ترفض التقيد-بصفة دائمة- بأفكار لا تتغير؛ أي مقدسة”. (ص623).
وعندما يعرض آراء أبي الأعلى المودودي عن الحاكمية يقسم الناس إزاءها إلى ثلاثة أقسام، فقسم ابتلعها ابتلاعًا كاملاً، وآخر تجرعها تجريعًا، وثالث تناولها برفق وأناة، واستخلص منها ما يفيد معتقده.
ثم شرع ينتقد الصنفين الأولين، فقال: “والمبتلع والمتجرع كلاهما قد ازدرد ما تلقف ازدرادًا دفعة واحدة، فلم يهضمها؛ وهذا يعني أن تلك الجرعات والابتلاعات كانت أكبر من طاقة المتلقي على هضمها؛ ومن هنا أصيب المجتمع الإسلامي بعسر هضم شديد، ولم يتمكن من ثم من استيعابها، فتبناها مسلوقة غير ناضجة”. (ص 637).
وفي الأخير .. يطرح كتاب “الفردية” الذي بيد أيدنا للأستاذ والفكر الكبير زيد بن علي الوزير ،أسئلة لطالما بحث الكثير عن أجوبة لها، والأجوبة هي حصيلة عمر قضاها الأستاذ زيد في البحث والتنقيب عن سر هذه المعضلة التي ابتلي بها المسلمون؛ وهي مسألة الواحد الفرد الذي لا يقبل القسمة على شئون الحكم، أو حتى المشاركة في الرأي.
اقرأ أيضا:رحلة الألف والمئة والستين عامًا..جديد الباحث والمفكر زيد بن علي الوزير