المسك والعنبر..أنواعه واستخداماته
المسك والعنبر.. أنواعه واستخداماته
الأربعاء5يوليو2023 : في 16 فبراير/شباط 2021 عثر صيادان يمنيان في مدينة عدن جنوب اليمن على ”حوت عنبر” نافق تطفو جثته في مياه خليج عدن، كان في بطن هذا الحوت العملاق قطعة عنبر كبيرة بلغ وزنها 127 كيلوغرام، وقد وصلت قيمتها إلى 4 ملايين و 800 الف ريال سعودي (نحو 1.3 مليون دولار) وقد بيعت فعلاً بهذا المبلغ، عبر وسيط محلي، لرجل أعمال إمارتي.
تقاسم 35 صياداً اشتركوا في استخراج العنبر، هذا المبلغ بالتساوي، جميعهم من منطقة واحدة في عدن اسمها ”قرية الخيسة”، حصل كل صياد على 120 ألف ريال سعودي (32 ألف دولار)، وهذه الأرقام أكدها لرصيف22 أحمد بن عامر، صياد عدني معروف.
رائحة جثة الحوت كانت سيئة للغاية، كما قال الصيادون، في المقابل كانت المادة المُستخرجة من جثته تساوي ثروة كبيرة.
هذا المبلغ ساعد على تغيير حياة الصيادين إلى نحو أفضل، كون من يعملون في مهنة الصيد في اليمن يواجهون صعوبات ومتاعب كثيرة، بالكاد يوفر لهم عملهم قوت يومهم.
صرف البعض منهم ما حصل عليه من المال في مشروع خاص، وآخرون استطاعوا الزواج، ومنهم من اشترى منزلاً جديداً وهناك من اشترى لنفسه قوارب صيد جديدة، وقيل أيضاً إن جزءاً من قيمة العنبر وزع على بعض المحتاجين. وقد وصف الناس ما حدث وقتها بالكنز الذي وجد في بطن الحوت وقلب حياة من عثروا عليه رأساً على عقب.
طريقتان لاستخراج العنبر
يتكون العنبر، الذي يُعرف باسم الذهب القيء ” أو الذهب العائم ، داخل أمعاء حيتان العنبر، على شكل مادة شمعية قوية بلون رمادي أو أسود.
يشرح عبد الباري محمود، صياد شاب من مدينة عدن، كيفية استخراج العنبر، وبكم يباع وأين، وما أنواعه واستخداماته؟
قائلا:يستخرج العنبر من الحوت بطريقتين: الأولى أن يتقيأ الحوت نفسه ويُخرج قطعة العنبر الصلبة التي تشكلت داخل جسده لسنوات، ويحدث ذلك لعدة أسباب كأن يتناول الحوت أعشاباً بحرية حارة هي مصدر مادة العنبر، فتتحول الأعشاب مع مرور الوقت إلى مادة صلبة، وتسبب للحوت اختناقاً فيخرجها من بطنه.
أما الطريقة الثانية كما يقول عبد الباري، فهي أن يقوم الصيادون بشق بطن الحوت بعد موته ويستخرجون العنبر، تماماً كما حدث في قصة الصيادين قبل عامين.
أنواعه واستخداماته
للعنبر ثلاثة أنواع معروفة، أفضلها وأثمنها قيمة ”العنبر الدخني”، الذي يقدر سعر الكيلوغرام الواحد منه في عدن بـ50 ألف ريال سعودي حوالي (13 ألف دولار)، ثم يأتي العنبر البقري، وأخيراً العنبر الأسود.
يستخدم العنبر لأغراض عدة، فيدخل في صناعة العطور والبخور، ويتداوى به الناس من بعض الأمراض المستعصية كالسرطان، كما يستخدم أيضاً للتسمين والمساعدة على الإنجاب بحسب الأفكار المتوارثة عنه
وله قيمة كبيرة خاصة في صناعة العطور الفاخرة والبخور، فهو يعمل على تثبيت رائحتها أطول فترة ممكنة؛ لذا نجد أن أسعاره باهظة الثمن، وأن العثور على كمية قليلة من العنبر يشكل فرقاً في صناعة العطور، وحتى إن وجدت بدائل كيميائية له نظراً لندرته لكنها لا تقارن به.
يباع العنبر في اليمن ويصدر للخارج. أكثر الدول التي تستورده هي السعودية، وعُمان، والإمارات، والولايات المتحدة الأمريكية، وماليزيا، يقوم بتصديره بعض التجار المحليين من خلال تسويقه عبر شركات متخصصة، تلعب دور الوسيط بين البائع والمشتري، هذا بالإضافة إلى الأنواع التي تباع في الأسواق المحلية، في محلات البهارات والعطور والبخور، بأسعار متفاوتة.
رصيف22 التقى عدداً من صيادي محافظة الحديدة الساحلية، الذين يبيعون غلتهم من الصيد في مدينة إب، وأوضحوا أن العنبر عندما يستخرج من الحوت يكون نوعاً واحداً، بعدها تضاف إليه مواد تجعله أنواعاً متعددة، لكل نوع استخدام مختلف؛ فمثلاً العنبر البقري يؤكل وتصنع منه خلطات التسمين، والعنبر الدخني والأسود للبخور والعطور، كما يستخدم بعضه ضمن وصفات طبية شعبية.
ثنائية المسك والعنبر
لا يذكر العنبر في اليمن إلا ويذكر قبله المسك، يتبادل الناس التحية هكذا: ”يا صباح المسك والعنبر” ، ونجدهما معاً في النصوص الأدبية والشعرية، وفي الأغنية اليمنية، ما يعكس قيمتهما الجمالية.
يدندن الفنان اليمني الراحل فيصل علوي في واحدة من أغانيه الجميلة:
يا مسك ياعنبر
يا عقد ياجوهر
لؤلؤ ومرجان
يتشابهان في كونهما سلعتين باهظتين مفيدتين، ومصدرهما حيواني، العنبر من الحوت والمسك من الغزال.
حوت العنبر العملاق
لا تحتوي بطون كل الحيتان على العنبر، يقول الصياد العدني أحمد بن عامر: ”حوت العنبر نوع واحد مميز عن غيره، فمه صغير، ورأسه مختلف، وقد وجدوا عام 2008 واحداً واستخرجوا منه العنبر”.
ويضيف: ”تأكل حيتان العنبر من الأعشاب البحرية بعمق مئات الأمتار ومن هذه الأعشاب يتكون العنبر في جسم الحوت، ويكون عبارة عن قطعة صلبة تكبر مع الحوت شيئاً فشيئاً حتى أن وزن بعضها يتجاوز 100 كيلوغرام”.
ويشير بن عامر إلى أن لكل نوع سعراً مختلفاً، مثلاً يراوح سعر العنبر الدخني درجة أولى للكيلوغرام الواحد بين 55 و 60 ألف ريال سعودي حوالي (16 ألف دولار)، وهناك نوع نادر جداً وأعلى قيمة هو العنبر الدخني الأبيض، الذي يصل سعره إلى 80 ألف ريال سعودي (21 ألف دولار)، أما سعر العنبر البقري فيراوح بين 38 و 45 ألف ريال سعودي (من 10 إلى 12 ألف دولار)، فكلما كان العنبر جافاً، كانت قيمته أكبر، لأنه عند استخراجه يكون مبللاً.
وعن سعره الباهظ، يعلق محسن جميل، وهو أحد الصيادين أيضاً بالقول: ”العنبر طعام وبخور الملوك، ولأنه نادر فسعره مرتفع ويصدر إلى الخارج بالغرام وليس بالكيلو”.
صياد عدني: “لا تحتوي بطون كل الحيتان على العنبر، حوت العنبر نوع واحد مميز عن غيره، فمه صغير، ورأسه مختلف، وقد وجدوا عام 2008 واحداً واستخرجوه منه”
ينتمي حوت العنبر إلى فئة الحيتان المسننة ويعد من أضخم أنواع الحيتان في العالم، إذ يقدّر طول الأنثى بـ 11.5 متراً، وطول الذكر 16 متراً. أما الوزن فهو في المتوسط 12 طناً للأنثى و40 طناً للذكر.
مسك الغزال الطبيعي
يتكون المسك في غدة كيسية في جسد أحد أنواع الظباء، ويسمى غزال المسك، توجد هذه الغدة في الذكور ولا توجد في الإناث، وتعمل كجاذبٍ جنسي في الحيوان.
ذهبنا إلى محل يبيع العطور المركزة والعنبر والبخور، في مدينة إب، حيث أكد لنا صاحبه الحاج محمد المعلومة السابقة مفنداً الشائعات التي تقول بأن المسك الطبيعي هو عصارة مجموعة من الأعشاب والنباتات.
يقول لرصيف22: ”المسك الطبيعي يوجد في غدة غزال المسك، وهو نادر جداً، لكن ما هو متوفر في الأسواق في الغالب عبارة عن مسك صناعي مستورد، يتم إنتاجه من زيوت نباتات رائحتها تشبه رائحة المسك الطبيعي”. عطّار من إب: “المسك الطبيعي الذي يستخرج من غدة الغزال نادر جداً، معظم المتوفر في الأسواق هو النوع الصناعي” طلبنا منه أن يبيع لنا مسكاً طبيعاً وسألناه عن الأسعار، فاعترف بأمانة التاجر القديم بأن ما لديه في المحل هو مسك صناعي، لكنه ممتاز وأضاف مازحاً: ”إذا كان لديك ألف دولار فسأبحث لك عن علبة مسك طبيعي بحجم إصبع اليد” في إشارة منه إلى أسعاره الفلكية.
ومع هذا، فالمسك الصناعي الذي يباع في الأسواق ذو جودة متفاوتة، وأسعاره تبدأ من 2000 ريال يمني (أقل من 4 دولارات)، ويتوفر في معظم محلات العطور في اليمن.
إذا كان اليمن يصدر العنبر إلى الخارج؛ فهو اليوم يستورد مسك الغزال من دول مجاورة، أبرزها قطر والبحرين، حيث يقوم بذلك عدد محدود من التجار، ويتم طلبه بشكل خاص لأغراض التداوي من بعض الأمراض ومن “المس والسحر والعين”، إذ يعتقد الناس أن فيه شفاء، لكون المسك هو عطر النبي بحسب السنة المتوارثة، ومن بين أشهر العطور التي عرفها العرب قبل الإسلام وحملتها قوافلهم التجارية إلى جانب العنبر والعود، ويقال بأن أصل كلمة مسك فارسية وتعني”المشموم”.
مسك الغزال
يزيد طول حيوان غزال المسك عن المتر، ويرتفع إلى نصف متر، وهو يستوطن في مناطق أواسط آسيا وغرب الصين وشمالها والتبت وسيبيريا وغابات الهملايا.
يحتضن التجويف البطني لغزال المسك ما يسمى بـ”فأرة المسك، وهي عبارة عن كيس جلدي أسود تستخرج مادة المسك من الغزال عندما تنمو وتمتلئ هذه المادة داخل الكيس، يعيش الغزال حالة من الضجر والغضب ويشعر بحكة شديدة، فيصعد إلى الجبال ويحك جسده بالصخور حتى تبدأ المادة التي يتكوّن منها المسك بالسيلان مع الدم،
فيلتقطها المتخصصون في ذلك ويجمعونها. أما الطريقة الثانية فهي قتل الغزال، وفصل الكيس ثم تجفيفه، وهي طريقة ممنوعة قانونياً ورسمياً حفاظاً على هذه الفصيلة النادرة التي تعرف باسم ”أيل المسك”، كذلك الحال مع صيد حوت العنبر الذي يعتبر صيده جائراً في معظم أنحاء العالم.
أقرأ أيضا:من أغرب التقاليد..شرب دماء البقر ومباركة العروسين والمواليد بالبصاق عليهم