كتابات فكرية

العودة إلى طاولة الحوار ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل

العودة إلى طاولة الحوار ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل

  • حسن الدولة

الأحد 24 أغسطس 2025_

باعتباري أحد مواطني هذا البلد المنكوب بالحروب، واستشعارًا مني بالمسؤولية الملقاة على عاتق كل يمنيٍّ يسوءه أن يرى بلده يتشظّى، ونسيجه المجتمعي يتمزق، وتتناهشه خمس سلطات أمر واقع، وإيمانًا مني بأن هناك من يدفع باليمن نحو مصير مجهول من خلال الشحن المذهبي، والفرز العرقي، والمناكفات السياسية المؤلمة، التي راكمت الأحقاد حتى أصبحت كبرميل بارود ينتظر شرارة الانفجار؛ ذلك الانفجار الذي إذا ما وقع، لن يُبقي ولن يذر، وستطال شظاياه الجميع، دون أن تفرّق بين صديق وعدو — فإنني أرفع صوتي بهذه الدعوة الصادقة للعودة إلى طاولة الحوار.

في ظلّ تعقيدات المشهد الوطني، والتدهور المستمر في الأوضاع الإنسانية والمعيشية، تزداد الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة الاعتبار لمسار الحوار، والعودة الجادة إلى مخرجات الحوار الوطني الشامل بوصفها مرجعية توافقية جامعة، عكست إرادة مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، وأرست أسس الدولة المنشودة.

لقد أثبت الواقع أن مسارات القوة وفرض الأمر الواقع لم تُنتج سوى مزيد من التصدع، وأن كلفة الانقسام السياسي والاجتماعي تُدفع من حساب المواطن البسيط، الذي يرزح تحت وطأة الفقر، وانعدام الأمن، وغياب مؤسسات الدولة. في مقابل ذلك، يظل الحوار هو المسار الآمن والضامن الوحيد لبناء يمن عادل، ومستقر، وشامل لكل أبنائه دون استثناء.

إن مخرجات الحوار الوطني الشامل، بما حملته من مبادئ للعدالة، والمواطنة المتساوية، وتقاسم السلطة والثروة، والحكم الرشيد، ما زالت تمثل مرجعًا يمكن البناء عليه للخروج من دوامة الصراع. وهي ليست نصوصًا جامدة، بل اتفاقًا وطنيًا مفتوحًا على التطوير، شرط أن يُحترم الإطار التوافقي الذي أُنجز بمشاركة الجميع.

وإننا إذ نعيش لحظة فارقة من تاريخنا، بما تحمله من مخاطر على وحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي، فإن المسؤولية الوطنية تفرض علينا أن نغلب منطق العقل والحكمة، وأن نكف عن اللهاث خلف المشاريع الضيقة والأجندات الخارجية. فالحوار لم يكن يومًا ضعفًا، بل هو أعلى درجات الشجاعة، والتسامي فوق الجراح، من أجل مصلحة الوطن العليا.

إن العودة إلى طاولة الحوار لا تعني العودة إلى الوراء، بل هي خطوة متقدمة نحو المستقبل، وإعلان استعداد وطني لتجاوز الخلافات بروح الشراكة والمسؤولية. وهذه العودة يجب أن تكون شاملة، غير مشروطة، وواضحة الأهداف، وتضع مصلحة الوطن فوق كل الحسابات الضيقة.

وإننا في هذا السياق نوجه دعوتنا إلى جميع الأطراف والمكونات، دون استثناء، بأن تغلّب لغة التفاهم على منطق التغالب، وأن تدرك أن لا مشروع وطني سينجح بالقوة أو الإقصاء، بل بالشراكة والتوافق والانفتاح على الآخر.

لقد آن الأوان لإعادة ضبط البوصلة، ووضع حدٍ لهذا النزيف المستمر، والانطلاق في مسار حقيقي يعيد بناء الثقة، ويعيد الأمل لليمنيين بدولة تحمي الحقوق وتصون الحريات وتوفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

إن اليمن لا يُبنى بالسلاح، بل بالحوار؛ ولا يقوم على الإقصاء، بل على التوافق والشراكة. فالتاريخ علمنا أن الحروب لا تبني الأوطان، وإنما تدمر نسيجها وتبدد مقدراتها. أما الحوار، فهو السبيل الوحيد لصياغة عقد وطني جديد، يضمن الاستقرار والكرامة والعدالة لجميع أبناء هذا الشعب.

وفي هذا السياق، لا يسعني إلا أن أؤكد أن ما يجري اليوم من احتقان سياسي، وصراع خفي يتصاعد بين أنصار الله وأنصار الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، يُعد بمثابة الشرارة التي قد تُفجّر الأوضاع، وتُعيد البلاد إلى مربع الصراع المفتوح. وإن تجاهل هذا التوتر، أو التقليل من خطورته، هو عبث بمستقبل اليمن، واستهانة بدماء أبنائه، وهو ما يحتم علينا جميعًا أن نتحلى بالمسؤولية، وأن نُسارع إلى إطفاء فتيل الأزمة بالحوار والتفاهم، قبل أن تشتعل النار ويستحيل إخمادها.

فلنُعد الاعتبار للكلمة، ولنجعل من طاولة الحوار ملتقى يجمعنا لا ساحة يفترق فيها المصير.

اقرأ أيضا للكاتب: رد وتعقيب على مقال “الواقعية السياسية والخلل في موازين القوى” للأستاذ محمد حسن زيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى