الطائفية .. آخر ورقة للعالين في الأرض

الطائفية .. آخر ورقة للعالين في الأرض
الطائفية .آخر ورقة للعالين في الأرض قراءة تحليلية في خطاب الوحدة الإسلامية

بقلم / إبراهيم الحبيشي
الأحد24 أغسطس 2025_
يُعد كتاب “الطائفية آخر ورقة للعالين في الأرض للأستاذ إبراهيم بن علي الوزير واحدا من أبرز المؤلفات الجريئة التي تناولت قضية الانقسام المذهبي في العالم الإسلامي. فلم يكتفي الأستاذ إبراهيم الوزير برصد الظاهرة، بل قدّم رؤية استشرافية تنبّه إلى خطورة استغلال الطائفية كأداة لتفتيت الصف الإسلامي وإضعاف الأمة من الداخل، بعد أن فشلت مشاريع الاستعمار في فرض بدائل أخرى مثل القومية والعلمانية.
ينطلق الأستاذ الوزير من قراءة واعية للواقع الإسلامي في ظل ما سمي بالصحوة الإسلامية المعاصرة، مستحضرا تجارب الأمة مع الاستعمار وما خلفه من تقسيم مصطنع للدول الإسلامية. ويضع الطائفية في هذا الإطار كـ”الورقة الأخيرة” التي يلجأ إليها أعداء الأمة حين تسقط الشعوب مشاريعهم السابقة. بهذا يربط المؤلف بين الحاضر والتاريخ، ليثبت أن جذور الفتنة الطائفية ليست من صميم الإسلام وإنما من صناعة المستعمر.
الأطروحة الرئيسية للكتاب:
يرى الوزير أن الطائفية انحراف عن جوهر الإسلام الذي يدعو إلى الوحدة في إطار التنوع والاختلاف. فالخلاف الفقهي والاجتهادي لا ينبغي أن يتحول إلى أداة فرقة، بل يمكن أن يكون مصدر إثراء وتسامح. ويستدل على ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، مؤكدا أن روح الإسلام الحقيقية تقوم على التعايش واحترام الآخر.
فقد وظف الأستاذ إبراهيم الوزير منهجا يجمع بين الاستدلال الشرعي والتحليل التاريخي. فقد استحضر سيرة الصحابة وأئمة المذاهب الذين تعايشوا رغم اختلافاتهم، ليبرهن أن التعددية المذهبية ليست نقيض الوحدة بل هي جزء من ثرائها. كما وجه نقدا حادا للخطابات الطائفية التي تختبئ خلف شعارات مثل “أهل السنة والجماعة”، معتبرًا أنها تحوّلت إلى وسيلة لإقصاء المخالف ونفي شرعيته.
قدم الاستاذ الوزير تفنيدا واضحا لبعض الادعاءات التاريخية التي استخدمت لإثبات تحريف القرآن، مؤكدا أن القرآن محفوظ بالتواتر، ورافضا الاعتماد على الروايات الضعيفة التي تستخدم لتأجيج الصراعات. كما حمّل بعض المثقفين والعلماء جزءا من المسؤولية عن إذكاء نار الفتنة، سواء عن قصد أو عن جهل، داعيا إياهم إلى استحضار ثقل الكلمة وأمانة العلم.
كما ختم الاستاذ إبراهيم الوزير كتابة بدعوة صريحة إلى تجاوز الخلافات الجزئية، والالتفاف حول المقاصد الكبرى للإسلام: العدل، الحرية، نصرة المستضعفين، وتحقيق الوحدة. ويرى أن التماسك الداخلي شرط للنصر، مستشهدا بقول الله تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا”.
أن الكتاب الطائفية اخر ورقة للعالين في الارض يخاطب وجدان الأمة وضميرها الجمعي. يتميز بوضوح الطرح وقوة الحجج، وإن كان يغلب عليه الطابع الخطابي أحيانًا. لكنه يظل وثيقة فكرية مهمة في مواجهة الانقسام المذهبي، ورسالة إصلاحية في زمن تتزايد فيه خطابات الكراهية.
“الطائفية: آخر ورقة للعالين في الأرض” ليس مجرد نقد للطائفية، بل هو صرخة تحذير ودعوة صادقة لإحياء قيم الوحدة والتسامح التي جاء بها الإسلام. ولذا يبقى مرجعًا لا غنى عنه لفهم جذور الصراع الطائفي وسبل مواجهته، خاصة لكل من يسعى إلى إعادة بناء الأمة على أسس العدالة والأخوة الإسلامية.