البن اليمني .. أصل الحكاية ومنتهاها

البن اليمني .. أصل الحكاية ومنتهاها
البن اليمني .. أصل الحكاية ومنتهاها
- عبدالرحمن مطهر
الاحد16فبراير 2025_ سنحت لي الفرصة اليوم الأحد، بتذوق العديد من أنواع القهوة اليمنية ، القهوة المرة ، والقهوة الحلوة ، والقهوة بالعسل ، والقهوة بالهيل ، والقهوة المقطرة ، وووألخ، لذلك البن اليمني .. أصل الحكاية ومنتهاها .
تذوقت قهوة فريدة وسالت من قدم لي كاس منها هل هذه القهوة بالزبيب أو العسل، فأجاب بالنفي ، قائلا انه بن يمني فقط من بني مطر ، وهناك قهوة مرة كطعم الكاكاو أو الشكلاته الداكنة لكنها في الأصل بني يمني اسماعيلي فريد من نوعه.
هناك أنواعه عديدة للقهوة اليمنية تتميز بها كل منطقة من مناطق اليمن المختلفة، وذلك خلال افتتاح معرض صنعاء للقهوة الذي تنظمه وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية ممثلة بالمؤسسة العامة لتنمية وتسويق البن ويستمر خمسة أيام بحديقة السبعين بصنعاء.

القهوة اليمنية كما يعلم الجميع هي المستخرجة من حبوب شجرة “البن” هذه الشجرة التي امتازت بها اليمن على مر العصور ، فكانت بمثابة الذهب الذي تبحث عنه كل شعوب العالم القديم ، فعرفت اليمن ببلاد أشجار البن، ومنه يتم صنع القهوة اليمنية ، هذا المشروب الذي لا يضاهيه أي مذاق لأي مشروب آخر قديما وحديثا، حتى أن السائح لليمن لا يبحث عن أي هدية يجلبها من اليمن سوى ثلاثة أشياء لا غير هي البن اليمني والعسل والزبيب.
وهناك من يصنع قهوة البن في الكثير من المناطق بالعسل وليس بالسكر والبعض بالزبيب وما إلى ذلك.
فلماذا تعتبر القهوة اليمنية أفضل قهوة في العالم؟
للإجابة على هذا السؤال يقول محمد نايف الصعفاني ، وهو بالمناسبة مختص في هذا المجال ، كونه احد مزارعي أشجار البن في منطقته صعفان حراز محافظة صنعاء ،كما يعلم الجميع أن القهوة اليمنية هي أفضل قهوة في العالم ،ويعود السبب لجودة ثمار البن اليمني بشكل عام في مختلف المحافظات والمناطق اليمنية كله ممتاز وأفضل بن على مستوى العالم ، ومع ذلك جودة البن في اليمن درجات ، درجة أولى ودرجة ثانية ودرجة ثالثة ، وهكذا بالرغم أن كل أنواعه بمختلف درجاته هو الأفضل على مستوى العالم كما ذكرت لكم .
وجودة البن تختلف حسب كل منطقة ، وذلك لخصوبة الأرض ، وأيضا ارتفاعها من سطح البحر ، وطقس المنطقة معتدلة ، أو باردة وما إلى ذلك،أيضا كل منطقة

ويقول حسب رايه : ليس تعصبا لمنطقتي ، البن الحرازي الصعفاني أو الإسماعيلي فلي شرق حراز هو الأفضل على مستوى كل أنواع البن في اليمن ، وبذلك يعتبر البن الحرازي هو الأفضل والأشهر والأكثر طلبا من مختلف دول العالم.
ويقول ان البن الحرازي له طلب كبير في السعودية بدرجة رئيسية ، ثم دول الخليج ، ثم أمريكا والدول الاوربية ثم مصر .
لماذا يتميز البن الحرازي عن غيره؟
وعند سؤالنا له عن سبب تميز البن الحرازي عن غيره؟قال محمد نايف الصعفاني بأن ذلك يرجع كما ذكر لخصوبة الأرض وارتفاعها وما إلى ذلك ، إضافة تطوير العملية الزراعية لأشجار البن في حراز ، فهناك تحديث ورعاية دائمة لزراعة البن في حراز ، أيضا هناتك طرق معينة في عملية التجفيف والتحميص ووالخ وهذه من أسرار المهنة التي نمتاز بها في حراز.
كما أن البن اليمني بكل اشكاله لا يزال لم يدخل عليه أي تحسينات كيمائية أو غير ذلك ، فما زال على طبيعته في مختلف المناطق اليمنية ، ومن أهمها إلى جانب حراز هناك بني مطر ، وخولان وبني حماد في تعز ، ويافع في لحج وغيرها.

رمز لحضارتنا وتاريخنا
مضيفا بان اغلب المزارعين قلعوا أشجار القات واستبدلوها بأشجار البن ، التي تعد رمز لتاريخ وحضارة وتراث اليمن ، وعلينا كيمنيين أن نفتخر بحضاريتنا وتاريخينا ، فمثلما تمتاز دول الشام كفلسطين ولبنان مثلا بأشجار الزيتون ،وجهلوها رمزا لهم كما نلاحظ في العلم الخاص بهم ، نحن أيضا في اليمن نمتاز بأشجار البن ، وليس صحيحا ما يروجه البعض أن أصل أشجار البن اثيوبيا ، أو بلاد الحبشة ، نعم أشجار البن موجودة في الحبشة لكن ليس هناك ما يثبت يقينا أن أصل هذه الشجرة هو الحبشة، لكن الشيء الأكيد والمثبت هو أن البن اليمني هو الأفضل على مستوى العالم ، لذلك الكثير من الدول كالبرازيل مثلا وغيرها تضيف إلى منتجها من البن بعضا من البن اليمني حتى يضيف له رائحة ونكهة معينة ليكون مقبولا.
تاريخ القهوة اليمنية.
وعن تاريخ القهوة اليمنية ، هناك من يقول أن راهب صوفي اكتشف القهوة في اليمن في القرن الخامس عشر ، عن طريق تسخين حبوب البن اليمني ثم نقعها ،وكان يستخدمها كعلاج مهدئ للأعصاب ، أو للتفكير العميق ،لانجاز بعض الدراسات، وطاردة للنوم ، كما أنها ليست مخدر ولا تذهب العقل مهما تناول الشخص أي كمية من هذا المشروب.
وسرعان ما انتشرت العادة في اسطنبول والقاهرة ودمشق ومكة. وبحلول القرن السابع عشر ، كانت مدينة المخا اليمنية مركزًا لتجارة البن الدولية ، هكذا أصبحت كلمة “موكا” مرادفة للقهوة ، للقرن التالي ، كان اليمن هو المورد الوحيد للقهوة. لكن في عام 1726 ، بدأت مستعمرة جاوة الهولندية في التنافس معهم ، مما أدى إلى زيادة المعروض الخاص بها وهدد احتكار اليمن لسوق البن ،ورغم انخفاض إنتاج اليمن من البن خلال العقود الماضية لأسباب يطول شرحها خلال هذه الأسطر، إلا أن اليمن عازمة على إعادة أمجاد هذه الشجرة خاصة أن تهافت على البن اليمني من مختلف دول العالم .
السفير المصري السابق
السفير المصري السابق في اليمن الدكتور اشرف عقل ، الإنسان الذي عشق اليمن يقول من جانبه بالرغم من اكتشاف اليمنيين للبن كمشروب منذ أكثر من ثمانية قرون ، إلا أن تاريخ إنتاجه وتصديره في اليمن يعود إلى أوائل القرن الرابع عشر الميلادي . ويعد المزارع اليمنى أول من استزرع هذا المحصول وحوله إلى سلعة قابلة للتبادل التجاري ، واحتكر تجارته لأكثر من ثلاثة قرون ، ليصبح حاليا المشروب الثاني عالميا في التبادل التجاري ، وذلك بعد الماء الذي هو سر الحياة .
_ وخلال فترة طويلة من زراعة البن في مناطق بيئية متباينة ، استنبط المزارع اليمنى العديد من الأصناف والطرز الوراثية المتلائمة والمتكيفة مع الظروف البيئية والزراعية والحيوية لزراعته في اليمن ، الأمر الذي مكنها من البقاء والاستمرار في الإنتاج والعطاء وإكسابها صفات جودة خاصة ومميزة لدى المستهلك .
يزرع في معظم محافظات اليمن
ويضيف الدكتور عقل قائلا : ورغم أن معظم أنحاء اليمن مناسبة لزراعة أشجار البن مناخيا وبيئيا ، إلا أنه يزرع حاليا في ١٥ محافظة من أصل ٢١ محافظة يمنية تبدأ من السلاسل الجبلية الواقعة في محافظة صعدة شمالا والممتدة حتى مرتفعات يافع في الجنوب ، وما يتخللها من وديان عميقة وقيعان تسود فيها الظروف البيئية المناسبة . وهناك ٣ أنظمة لزراعة البن هي :

– قيعان الوديان التي تروى بالسيول والمياه الجوفية .
– السفوح المتوسطة الارتفاع والتي تعتمد على الأمطار والري الجوفي ومياه العيون الصغيرة .
– المدرجات المطرية التي تعتمد كليا على الأمطار والخزانات التي أنشئت لتخزين هذه الأمطار .
أسماء البن اليمني
_ وتتوزع أصناف البن بين المحافظات اليمنية ، وهناك العشرات من الأسماء المحلية لأصناف البن المختلفة في اليمن ، وعلى الرغم من أنها تشترك فى بعض الخصائص ، إلا أنها يمكن أن تبدو مختلفة عند التذوق عن بعضها البعض . ومن أهمها : المطري ، الدويري ، الحرازي ، التفاحي ، الاسماعيلي ، الجعدي ، الحوري ، الحيمي ، الصنعاني ، المحويتي ، العديني ، الفضلي ، الشرفي الصعفاني ، الحمادي ، الملحاني، الحوفاشي، اليافعي ، الحفاشي ، العيسائي ، القطي ، الطسوي ، الحمومي ، الريمي ، البرعي ، الكوباري ، الناخبي ، الشبريقي ، الصغيري ، جبل الرس ، الشامي ، البازي ، الجعاري ، المسرحي ، الصافي ، الشاني ، الملحاني ، الدواراني ، الخولاني ، ، وغيرها .
ارتباط شجرة البن باليمن
– وقد ارتبطت شجرة البن طيلة عدة قرون باليمن ، الذي احتكر أسرار زراعته وطرق تحميصه وتصديره إلى أسواق العالم ، ومن ميناء ” المخا ” غرب اليمن اشتق اسم القهوة Mocha Cofee . وبحسب التصنيف فإن أي قهوة تسمى موكا يجب أن تكون يمنية الأصل . وقد كان اليمن في القرنين ١٧ و ١٨ يحتل المرتبة الأولى عالميا في زراعة وتجارة وتصدير البن ، مما أعطى اليمن حضورا عالميا في هذه الصناعة حتى العقود الأخيرة .
_ ومع كل ذلك التميز والتجدد والتنوع في البن اليمنى ، يظل الحديث عن موطنه الأصلي محسوما كواقع مثبت في مدونات تاريخية تتحدث عن اليمن كموطن أصلى للبن العربي ، وأول مكتشف للمشروب ، وأول مصدر للحبيبات الخضراء عبر قرون من الزمن ، وأن أرضه زاخرة بأقدم التنوعات الوراثية ، ومحتفظة بالبن الفريد الأعلى فى سعره ، والأفضل في مذاقه ونكهته على مستوى العالم حتى اليوم .

_ وتتسم الثقافة اليمنية عموما بأنها ثرية وواسعة ومتجذرة في أعماق التاريخ . كذلك ، فإن ثقافة القهوة عند اليمنيين تميزت بشكل كبير ، وكانت جزءا أساسيا من حياة المجتمعات اليمنية وعاداتهم وتقاليدهم . وللقهوة طقوسها وثقافتها الخاصة والمميزة التي يتفاخر بها اليمنيون ، ولعل أبرز ما اتسمت به القهوة سواء آنيتها أو وعائها أو أساليب تقديمها ، أو ظروف تعاطيها فى مختلف المناسبات مثل : الأعراس والمواليد والوفيات ، كما إنها إحدى الوسائل لتبادل الزيارات وتجمع الأهل والمعارف حول جمان وأواني القهوة والقوازي والحياسي والصياني مختلفة الأشكال والألوان والأحجام .
_ وتتشابه وتتقارب طقوس القهوة في أنحاء اليمن ، وإن كانت هناك بعض الاختلافات البسيطة هنا وهناك ، فإن ذلك لا ينفى واحديه الطقوس ، لذا نشير إلى بعض المؤشرات المشتركة في جميع المناطق ، ومنها :
– إنه حتى وقت قريب ، ظلت الأدوات الرئيسية المستخدمة في إعداد وتجهيز البن وتقشيره وطحنه هي حجر الرحى ” المطحنة ” التي مازال العمل بها ساريا حتى اليوم في بعض المناطق الريفية .
وكان الناس يفضلون طحن الصافي من البن مخلوطا مع القشر واستخدامه لإعداد القهوة . وغالبا ما تكون قهوة خفيفة وغير مركزة فاتحة اللون لأن درجة التحميص تكون خفيفة ، عدا بعض المناطق البدوية التي يميل أهلها لتحضير القهوة العربية باستخدام حب البن الصافي فقط.
كما ظلت القهوة المشروب الأكثر انتشارا بين كافة الطبقات الاجتماعية فى اليمن ، حيث تقدم في كافة المناسبات ، حتى بدأ الشاي يتخلل حياة اليمنيين ، تلاه العصائر والمشروبات الغازية ، فأخذت القهوة تفقد مكانتها شيئا فشيئا وخاصة فى المدن ، بيد أن المشروبات الجديدة لم تغير كثيرا من طباع سكان الريف الذين استمروا على وفائهم لمشروع الآباء والأجداد .
– أنه على مدى عقود طويلة ، ظلت الأواني المستخدمة في إعداد وشرب وحفظ القهوة تقتصر على ما يتم صناعته محليا من أوان خشبية وخارجية ونحاسية .

_ وأخيرا ، يظل فنجان القهوة ، مهما كان شكله ، عنوان محبة ، ويظل الأسلوب المتبع في تقديمه وسيلة من وسائل التعبير عن الترحاب والحفاوة ، كما أن فنجان القهوة ، عدا عن كونه تعبيرا عن كرم الضيافة ، فإنه يحمل رسائل ذات مضامين معترف بها وبمغازيها عند كثير من أمم وشعوب العالم .
نكهة القهوة اليمنية.
للقهوة اليمنية نكهة ورائحة فريدة ، معقدة وترابية بطبيعتها ، وغالبًا ما تحتوي على فروق دقيقة من الفواكه المجففة لأنها تجف مع قشر الفاكهة المجففة ، تحتوي هذه القهوة العربية اليمنية أيضًا على ملاحظات من الشوكولاتة أو القرفة أو الهيل أو التبغ ، أقوى هذه المكونات هي الشوكولاتة ، وهو ما يفسر الاستخدام الحديث لكلمة “موكا” بالنسبة للقهوة اليمنية. تشتهر القهوة اليمنية عادة برائحتها الغنية من النبيذ والتوابل مع لمحات من الشوكولاتة ، تخيل أن نكهات التمر والقرفة والشوكولاتة تتجمع في فمك ، هذه هي المقارنات الرئيسية التي تتبادر إلى الذهن عندما تهبط القهوة على براعم التذوق لديك. فسواء كان ذلك أول شيء تشربه في الصباح أو كنت تقيم حفلة مع الأصدقاء ، فلا يوجد وقت سيء لتناول القهوة على الإطلاق، فوقت القهوة أو البن اليمني في كل وقت ، لذلك البن اليمني .. أصل الحكاية ومنتهاها .
اقرأ أيضا:قرية يمنية تتوسع في زراعة البن وتحرم القات والتدخين