الأستاذ عبد العزيز البغدادي يتساءل عبر صوت الشورى هل العنصرية جريمة أم مرض؟!

الأستاذ عبد العزيز البغدادي يتساءل عبر صوت الشورى هل العنصرية جريمة أم مرض؟!
يوميات البحث عن الحرية .. هل العنصرية جريمة أم مرض؟!
- عبد العزيز البغدادي
سبق أن كتبت مقالين: الأول: في 16 / 7/ 2024بعنوان :(جريمة العنصرية وآثارها) منشور في صفحتي على الفيس بوك.
والثاني في 4/ 2/ 2025 بعنوان: (العنصرية بكل أشكالها وألوانها مرض علاجه دولة المواطنة المتساوية) نشر بصحيفة: صوت الشورى الالكترونية.
هذا مبعث التساؤل موضوع هذا المقال: (هل العنصرية جريمة أم مرض ؟!، وفي اعتقادي أنه لا تناقض بين الجريمة والمرض مع أن كل جريمة مرض وليس كل مرض جريمة!.
وهناك حالات للعنصرية يغلب عليها وصف الجريمة والمرض معاً وأخرى يغلب عليها وصف المرض وتفصيل ذلك في فلسفة القانون يرتبط بدراسة نظرية الجريمة والعقاب والسياسة التي تقوم عليها والتي تختلف باختلاف الأنظمة السياسية ومدى تمسكها بمفهوم العدالة الذي تنطلق منه!.
والحالات التي يغلب عليها وصف الجريمة يكون بيد من يمارسها سلطة يستخدمها في ممارسة الركن المادي لجريمة العنصرية يتمثل في تصرفه بالمال العام والوظيفة العامة خدمة للعنصر الذي ينتمي إليه حسب زعمه المريض!.
وقد أشرت في المقال المنشور في 16/ 7/ 2024المشار إليه في بداية هذا المقال إلى الأضرار التي تلحقه جريمة العنصرية بالمجتمع، والعقوبات التي يستحقها مرتكبها، والتي قد تتجاوز المباشر إلى غيره من المنتمين إلى العنصر ولو لم يكن ممن أقترف الجريمة أو شارك فيها بالقول أو الفعل أو الامتناع وهذا تجاوز يجافي العدالة بالمفهوم القانوني والديني والأخلاقي.
وعقوبة جريمة العنصرية قد تتولاها سلطة حريصة على تطبيق مبادئ العدالة أو سلطة رعناء يحركها دافع الانتقام فيعميها عن التمسك بقدسية العدالة، ومن هنا تأت أخطاء الثورات والانقلابات وتغيير الأنظمة، وهي حالات تختلف باختلاف من يقود عملية التغيير ثقافة وعلماً وأخلاقاً وفهما وتأويلا لجوهر الدين في البلدان المتدينة.
كما قد تكون العقوبة على يد المجتمع الذي يندفع بفعل الانتقام التلقائي أو الموجه من أي طرف سياسي ضد آخر وهذه الحالة سبب رئيس لما يصيب الأبرياء في الظروف الانتقالية وهو افتئات على حق السلطة الشرعية في ممارسة الولاية العامة.
في كل الأحوال تسعى المجتمعات الأكثر وعياً إلى ضبط الأحداث في هذه الظروف كي لا تخرج عن السيطرة وتتمسك بروح القانون والعدالة.
أما حالات العنصرية التي يغلب عليها وصف المرض فتتعلق بمجرد الفكر والاعتقاد بالتميز العرقي أو الديني أو المذهبي أو أي فكر أو عقيدة وتدعي أحقيتها في احتكار السلطة والقرار بناء على هذا الاعتقاد دون تجاوزه إلى الفعل المادي.
ومن يستولي على فكره ومشاعره هذا الاعتقاد فهو مريض بلا شك ومرضه يظل كامنا بداخله بانتظار أي فرصة لوصوله إلى السلطة تظهر المرض سواء سعى إليها بوسائل مشروعة – الانتخابات مثلاً- أو بالانقلاب ويمارس من خلال السلطة كما أشرنا يباشر الركن المادي لجريمة العنصرية.
ولا عقاب على مرحلة التفكير والاعتقاد ما لم تتجاوزها إلى البدء بالركن المادي.
وهذا لا يعني أن يظل المجتمع مكتوف الأيدي في التعامل مع الفكر الضال من خلال ثقافة وطنية قائمة على العلم ونشر مبادئ الإخاء وثقافة السلام والتسامح.
يجب البدء بما يشبه الطب الوقائي الفكري الذي يدرس كوامن وبواعث العنصرية والعمل على إزالة أسبابها في إطار مجتمع سوي يؤمن بالحرية والمساواة ومبادئ العدالة ولن تكون إلا من خلال الديمقراطية الحقيقية التي ينتجها المجتمع بناء على حوار وطني صادق يضع في اعتباره المنطلقات النظرية والظروف الموضوعية ووفق خطة لتطوير وتنفيذ آلياتها بما يهيئ المجتمع المحلي الوطني للتقارب والتعاون مع المجتمعات الإقليمية والدولية لبناء نظام عالمي جديد تحقق المصالح المشروعة لكل شعوب ودول العالم!.
ومن المحزن وصول حالة الغيبوبة في الوعي العربي إلى ما وصلت إليه من التسليم والقبول بما يسمى : (أمن إسرائيل ) ليس من باب الاستهداف الديني وإنما بالنظر لما يرتكبه هذا الكيان تحت هذا العنوان من جرائم باتت محل اشمئزاز من كل صاحب ضمير إنساني ، التسليم والقبول يشرعن لعملية الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون منذ العام 1948، وآخر حلقاتها ما يجري في غزة من مجازر وإبادة منذ بداية ما أطلق عليها عملية طوفان الأقصى في 7/ اكتوبر2023والمستمرة حتى اللحظة باستخدام أفتك الأسلحة التي تنهال على رؤوس الغزيين والفلسطينيين عموما .
هذه الفظائع ترتكب بزعم معلن (الدفاع عن أمن إسرائيل)!!، أما الحقيقة غير المعلنة فهو التطهير العرقي بأبشع الصور ضد الفلسطينيين لمحوهم من الوجود بالجملة والمفرق خدمة لمشروع صهيوني قائم على الخرافة وحماية حمامة السلام (إسرائيل) رمز الديمقراطية وعاصمة الشرق الأوسط الذي يجري التحضير للإعلان عن ميلاده بدعم وترحيب بعض الأنظمة الخليجية والعربية!!.
هذا المشروع القائم على الدماء والدمار والعنف لا يمكن أن يحقق السلام الدائم وإنما يؤدي إلى المزيد من العنف وتغذية روح الانتقام!.
هذا أحد النماذج الواضحة الفاضحة للعنصرية وهي جريمة بحق الإنسانية وضد المواطنة المتساوية ودولة القانون تمارس بأشكال متعددة ، والتأريخ القديم والحديث على مستوى العالم مليء بالأمثلة من ذلك ما أثارته النازية في التأريخ الحديث (هتلر في ألمانيا- وموسي ليني في إيطاليا وستالين في الاتحاد السوفيتي وغيرها من الأنظمة التابعة لها أو المتفرعة عنها ناهيك عن الأنظمة القائمة على الديماغوجية التي تخلط الدولة بالدين في البلدان الأكثر تخلفاً اقتصادياً وسياسياً وثقافياً!.
وتفاعلات المثال الصارخ من التأريخ ما تزال قريبة منا زماناً ومكاناً يمثلها ما ورثه بعض المسلمين من بعض اليهود من ادعاء الأفضلية مع اختلاف الروايات والتفسيرات الدينية التي عززت من مساحة ثقافة الكراهية الحاكمة المتحكمة في ذهن من بيده القرار من الطرفين لتقف سداً منيعاً أما م ثقافة التسامح والقبول بالآخر.
ثقافة التسامح القائمة على حرية الدين والعقيدة والفكر والتعبير عنها تزداد بعداً رغم كثرة الحديث عن حركة التنوير بفعل طاحونة القتل والتدمير اليومي الممنهج لبعض الأنظمة العنصرية أبرزها حجم المجازر والجرائم المروعة المشهودة اليوم في غزة وفلسطين ، وهناك ما يشير إلى ان البشرية بصدد مغادرة هذا النفق ..
سنين
أتت ثم غابت
والهوى مُثْقَل بالهوى
أقرأ أيضا للكاتب: الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب لصوت الشورى عن المطلق والمقيد بين الدين والسياسة!
