أهمية توثيق مجازر العدوان الإسرائيلي
أهمية توثيق مجازر العدوان الإسرائيلي
أهمية توثيق مجازر العدوان الإسرائيلي
محمد كريشان
كما لم ينس اليهود يوما واحدا ما جرى لهم في المحرقة في أوروبا زمن النازيين، وهذا حقهم وواجبهم، يجب ألا ننسى نحن ما فعله، ويفعله إلى حد الآن، أحفادهم بالفلسطينيين.
كان سلاحهم الأقوى توثيق كل كبيرة وصغيرة وصولا إلى محكمة نورنبيرغ الشهيرة التي أصدرت أحكامها في 1 أكتوبر/تشرين الأول 1946 وفيها حرص المدعي العام الأمريكي روبرت جاكسون أن يعتمد في إدانة المتهمين على وثائق دامغة بدل أقوال شهود العيان حتى لا تُتهم المحاكمة بالاعتماد على شهادات مزورة أو مغشوشة.
أما سلاحنا اليوم لتوثيق ما يجري حاليا في غزة وقبله في الحروب الخمس التي شنتها إسرائيل على القطاع (2008، 2012، 2014، 2021، 2022) فضلا عن انتهاكاتها العديدة منذ قيامها عام 1948 ثم بعد 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة فهو كذلك وثائق دامغة من مواد فلمية بالصوت والصورة يشاهدها العالم كله منذ أكثر من شهر على الهواء مباشرة.
في يناير / كانون الثاني 2009 أنشئت «الهيئة الفلسطينية المستقلة لملاحقة جرائم الاحتلال الصهيوني» بحق الفلسطينيين لرصد وتوثيق جرائم الحروب الإسرائيلية ومتابعة رفع الدعاوي لدى المحاكم الدولية والوطنية، وهي الجهة الرسمية الفلسطينية الوحيدة المكلفة بذلك لكن ذلك لا يعفي غيرها من هيئات حقوقية مستقلة من المهمة نفسها.
قامت هذه الهيئة بعقد عدة ندوات في الجامعات والكليات الفلسطينية، بعنوان «تعزيز الوعي المجتمعي حول توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي» مستهدفة الطلبة، لاسيما طلبة القانون والإعلام والمهن الطبية، لارتباط تخصصاتهم بعملية الرصد والتوثيق عبر التركيز على كيفية التعامل مع مسرح الجريمة، وأهمية توثيق الجرائم في تعزيز مبدأ المحاسبة والمساءلة القانونية لقادة الاحتلال أمام القضاء الدولي.
نقابة الصحافيين الفلسطينيين من جهتها تقوم بتوثيق ورصد الانتهاكات والجرائم ضد الصحافيين في هذه الحرب. وبالنظر إلى صعوبة الاتصال في غزة وعدم القدرة على الحصول على معلومات مؤكدة، لجأت النقابة إلى استبيان لحصر الجرائم التي تمت منذ بداية الحرب راجية من الصحافيين تعبئة هذه الاستمارة «لنقل حقيقة ما يجري بكل مصداقية».
مواضيع متعلقة:أطفال غزة يفضحون ازدواجية المعايير الغربية
الجرائم التي يجري توثيقها حاليا عديدة وكلها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من بينها القتل المباشر للنساء والأطفال، وهما ثلاثة أرباع الضحايا، فضلا عن قصف المباني السكنية والمستشفيات وسيارات الإسعاف والتهجير القسري
وحين قطع الاحتلال الانترنت والاتصالات عن قطاع غزة، وهو ما اقترفته أكثر من مرة، انتقدت منظمة العفو الدولية ذلك مؤكدة أنه بات من الصعب على منظمات حقوق الإنسان توثيق الانتهاكات وجرائم الحرب ضد المدنيين في غزة، بسبب تعمد الاحتلال الإسرائيلي قطع الاتصالات خلال القصف العنيف الذي يشنه على القطاع.
الجرائم التي يجري توثيقها حاليا عديدة وكلها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من بينها القتل المباشر للنساء والأطفال، وهما ثلاثة أرباع الضحايا، فضلا عن قصف المباني السكنية والمستشفيات وسيارات الإسعاف والتهجير القسري، إلى جانب ما يجري في الضفة الغربية من عربدة للمستوطنين المسلحين والاعتقال التعسفي والقيود غير المبررة المفروضة على التنقل وتجريف الشوارع بلا أي موجب إلى جانب سياسات الفصل العنصري بأوجهها المختلفة.
ورغم الإجماع المعروف في القانوني الدولي على أن الأراضي التي احتلتها إسرائيل سنة 1967 هي أراضٍ محتلة، وأن الاستيطان فيها غير شرعي، ورغم الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لاتفاقية لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة، اللتين نصتا على عدم قانونية الاستيطان ونزع الشرعية عن نقل السكان إلى الإقليم المحتل والاستيلاء بالقوة على الأملاك الخاصة فيه إلا أن إسرائيل ما زالت غير مكترثة بذلك مستفيدة من الدعم الأمريكي والأوروبي الذي يجعلها فوق أي محاسبة مما يجعلها دائما تفلت من العقاب.
وطالما أن هناك في القانون الدولي جرائم معيّنة لا تسقط بالتقادم، على عكس أغلب أنظمة القانون المدني التي تتراوح فيها فترة التقادم بين عام وثلاثين عامًا اعتمادًا على خطورة الجريمة، فإن المطلوب الآن العمل الدؤوب ودون كلل لتوثيق كل ما اقترفه الاحتلال الإسرائيلي، ليس فقط في حربه الحالية في غزة وانتهاكاته المستمرة في الضفة، وإنما أيضا في كل حروبه السابقة وفي كل ما اقترفه المستوطنون المحميون به.
لقد تشبّث اليهود بهذا المبدأ بالقانون الدولي لملاحقة أي نازي أو غيره استطاع أن يفلت من المحاسبة وقد يكون اختفى بهوية مزيفة لعقود في أي بقعة من العالم، على الفلسطينيين أن ينسجوا على منوالهم. وإذا كانت هزيمة النازيين هي من فتحت الباب طبعا أمام ذلك، فإن الحماية الأمريكية لإسرائيل لن تستمر إلى أبد الآبدين وسيأتي اليوم المناسب للمحاسبة سواء عبر الهيئات الدولية القائمة كمحكمة الجنايات الدولية، أو هيئات يتم إحداثها لهذا الغرض، مما يجعل ما يقوم به حاليا المراسلون الصحافيون عملا توثيقيا بامتياز، وكذلك النشطاء في مواقع التواصل، ولهذا يتم استهدافهم حتى قارب عدد الصحافيين الذين قتلتهم إسرائيل الخمسين، كأعلى رقم في أي نزاع مسلّح في العالم.
لم يكن قتل الاحتلال الإسرائيلي لهذا العدد من الصحافيين صدفة بل هو ممنهج ومقصود ولكن قتل الشهود لن يدمّر ما تركوه من أدلّة سيأتي يوم تعتمد فيه لإدانة هذا الاحتلال الوحشي.
محمد كريشان :كاتب وإعلامي تونسي