ثقافة وسياحةكتابات فكرية

أنس الشريف .. يا صادقَ الوعد “قصيدة للبروفيسور / أحمد قايد الصايدي”

أنس الشريف .. يا صادقَ الوعد “قصيدة للبروفيسور / أحمد قايد الصايدي”

في رثاء الصحفي أنس الشريف مراسل قناة الجزيرة الشهيد ورفيقه محمد قريقع

  • تقديم / حسن حمود الدولة

الثلاثاء 26 أغسطس 2025_

في فجرٍ جديد من المأساة الفلسطينية المستمرة، ارتقى الشهيدان أنس الشريف ومحمد قريقع، مراسلا شبكة الجزيرة في قطاع غزة، في غارة إسرائيلية غاشمة استهدفت خيمة للصحفيين أمام مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، خلال أوائل أغسطس 2025.

وغني عن البيان بأن الشهيدين لم يكونا سوى صوتٍ للحقيقة، كانا يحملان الكاميرا والميكروفون في وجه آلة حربٍ لا تفرّق بين مدني أو إعلامي، بين طفل أو امرأة، بين مقاوم أو ناقلٍ للحقيقة.

استشهادهما، إلى جانب زملائهما المصورين إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل، جاء خلال تغطية صحفية ميدانية للعدوان الإسرائيلي على غزة، في واحدة من أبشع الجرائم المرتكبة بحق الإعلاميين، حيث لم يكن موقعهم عسكريًا أو سريًا، بل واضحًا تمامًا كموقع صحفي معروف.

وقد أدانت الحادثة مؤسسات إعلامية ونقابية دولية ومحلية، وعلى رأسها نقابة الصحفيين الفلسطينيين وشبكة الجزيرة، مؤكدين أن استهداف الصحفيين يُعد جريمة حرب بموجب القوانين الدولية، لا سيما اتفاقيات جنيف التي تحمي المدنيين والعاملين في المجال الصحفي في مناطق النزاع.

وفي رثاءٍ مهيب، خطّ البروفيسور أحمد قايد الصايدي قصيدة عصماء بعنوان “يا صادقَ الوعدِ”, مجّد فيها الشهيد أنس الشريف ورفاقه، مشيرًا إلى بطولتهم في كشف جرائم الاحتلال، وإلى ثباتهم رغم التهديدات المتواصلة. وجاءت القصيدة شاهدة على التضحيات الجليلة التي قدّمها الإعلام الفلسطيني، حيث تحوّل الصحفي من ناقلٍ للخبر إلى شاهدٍ وشهيد في آنٍ معًا.

تتناول أبيات القصيدة تفاصيل النضال الإعلامي الشريف، وتدين الجريمة البشعة التي ارتكبها الاحتلال، وتؤكد أن الكلمة الصادقة تزعج المحتل أكثر من السلاح، وتجسّد حقيقة أن الصحفيين، وهم يوثّقون المأساة، يدفعون أرواحهم ثمنًا للحقيقة، وسط صمتٍ دولي مخزٍ وتواطؤ من قوى لا ترى في الدم الفلسطيني مأساة تستحق الإدانة.

إن اغتيال أنس ومحمد ورفاقهما لم يكن حدثًا عابرًا، بل يمثل فصلًا جديدًا من فصول الاستهداف الممنهج للصحافة الحرة في فلسطين، ومحاولة مدروسة لطمس الحقيقة وإسكات الصوت الفلسطيني المقاوم.

إنها جريمة مكتملة الأركان، لا تسقط بالتقادم، وستبقى وصمة عارٍ تلاحق كل من صمت عنها، أو برّرها، أو تقاعس عن مناصرة أصحاب الكلمة الحرة.

ودعونا نذرف الدموع السخينة مع قصيدة البروفيسور أحمد قايد الصايدي، ونواسي أنفسنا، ونعزي الشعوب العربية والإسلامية على ما وصلت إليه حكوماتنا من تخاذل وهوانٍ وانفصام عن قضايا الأمة المركزية.

فلنقرأ هذه القصيدة بخشوع، رثاءً للشهداء، ومقاومةً بالكلمة، ووثيقة وفاءٍ لمن صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

 القصيدة الكاملة

يا صادقَ الوعدِ

إلى الشُّهداءِ، أنَسَ الشَّريفِ ورفاقِه

 أ‌. د. أحمد قايد الصايدي

يا صادقَ الوعدِ يا مغوارُ يا أنسُ   

يا طاهرَ النَّفسِ يا نبراسُ يا قبسُ

أسمعتَ صوتاً يخافُ الإفكُ نبرتَه   

كشفتَ عمَّا يواريهِ ويحترسُ

 أرعبتَ بالصوتِ من لا صوتَ يرعبُهم  

إن جاءَ من صوبِ من خاروا ومن يئسوا

برزتَ كالَّليثِ والنِّيرانُ صاعدة      

وحولكَ انهارتِ الجدرانُ والأسُسُ 

برزت (بالمايك) تروي من فظائعهم  

ما حاولوا ستره عمداً وما طمسوا

لم يشهدِ النَّاسُ في التاريخِ مثلَهمُ      

وحوشُ غابٍ، أفاعٍ فعلُها دنِسُ

لا يُشفِقون على طفلٍ ولا امرأةٍ        

إذا أسالوا دماً ينتابهم هوَسُ

القتلُ بالجوعِ والإفناءِ نهجهمُ     

مِمَّا جرى للهنودِ الحمرِ مُقتَبَسُ  

تطوفُ من منزلٍ يبكي سواكِنَه      

إلى مآوٍ بها الأطفالُ قد هُرسوا

إلى مشافٍ يجول الموتُ منفلتاً   

فيها، يطيحُ بمن يلقى ويفترسُ

وفي الشَّوارعِ أنت العينُ، ترصدهم   

تحكي جرائمَهم والقومُ قد خرسوا

لا بارك اللهُ في قومٍ بُليتَ بهم        

الحقُّ عندهمُ بالزَّيفِ ملتبسُ

لا يحشدون لأعداءٍ تهدِّدهم          

لا يشعرون ولو نصلاً بهم غَرسوا

لا يحزنون إذا طفلٌ قضى سغباً       

الحزنُ ليس لمن أيَّامُهم عرسُ 

طفلٌ يجوع وكفُّ الموت تجذبه         

وأمُّه تستغيثُ اللهَ تلتمسُ

يا ليتهم من فُتاةِ المالِ قد وهبوا         

لجائعٍ أو فقيرٍ هدَّهُ التَّعَسُ

المالُ حملٌ ثقيلٌ يُبتلون بهِ         

حتى يُخفِّفَ عنهم طامعٌ شرسُ

ما بالهم يمنعون المالَ صاحبَه،       

ويستبدُّ به لصٌّ ومختلسُ؟!!

هل يحسبونَ بأنَّ الَّلصَّ حارسُهم؟       

لم ينج قومٌ لهم أعداؤهم حرسُ

ظنُّوا بأعدائهم خيراً، وليتهمُ        

لم يجهلوا مكرَهم، أو ليتهم درسوا

دعهم يوالون شرَّ النَّاسِ من بَلَهٍ    

لن يشعروا في غدٍ إلَّا وقد كُنِسوا

حذَّرتَهم طامَّةً كبرى ستدهَمُهم   

إن غزَّةَ استسلمت أو أهلَها اندرسوا

ضاقت عصاباتُ صهيونٍ بما نطقت  

به لسانُك واحتارت بكَ العسسُ

فما يطيقون تحذيراً لمن غفلوا

ولا يطيقون إيقاظاً لمن نعسوا

كم هدَّدوكَ ولم تضعف أمامَهمُ     

ولم يخيفوكَ يا حادي وإن عبسوا

فاستحضروا القتلَ، والتَّقتيلُ شِرعتُهم         

مُذْ أعدموا أنبياءَ اللهِ وانتكسوا

لك البقاءُ شهيداً لن تموتَ وقد       

زكَّاك ربُّك واستصفاكَ يا أنسُ

واختارَ صحبَك أطهاراً، بسالتُهم      

لن تُنتسى ما توالَى الصُّبحُ والغلسُ

روَّادُ حقٍّ مضوا والنَّاسُ تذكرهم     

ذكراً جميلاً بما أوفوا وما غرسوا

وغيرهم تخجلُ الأجيالُ إن ذُكروا       

ويبرأُ الشيخُ والأحبارُ والقسسُ

لك البقاءُ، وصحب ما تركتَهمُ      

حيَّاً وميْتاً، بهم في الخلدِ تأتنسُ.

اقرأ أيضا للكاتب:الاحتلال الصهيوني يقتل شهود الحقيقة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى