أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (17)


أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (17)
حقائق التاريخ ودروس{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}
(سورة يوسف – آية ١١١)
«الفطرة» المتسق مع الموقظ «للعقل» الهادي إلى «العلم»
بقلم :عزيز بن طارش سعدان
الاحد16فبراير2025_
ذلك الروح واستهدفت تلك الحركات جميعاً إقامة مجتمع الإسلام» و «دولة الإسلام»، وهي وإن نجحت في إيجاد جماعات إسلامية ملتزمة» و «تيار فكري إسلامي مميز»، إلا أنه منذ أكثر من نصف قرن من تاريخ الصحوة الإسلامية المعاصرة» لم تقم للإسلام دولة تمثله، ولا كيان يضم قواه ويوجهه،عالمياً، نحو غاياته، لا في البلاد الإسلامية العربية، ولا في أي بلد كان “، وذلك راجع بطبيعة الحال، إلى «قصور الوسائل وعدم تفهم «السنن» والأخذ بها. إن على الباحثين والدارسين أن يولوا هذه الناحية جل اهتمامهم وعليهم أن يتوصلوا إلى تحديد أسباب ذلك
إن «التدبير» و «التنظيم» و «استخدام الوسائل الكفيلة بتحقيق الغايات كلها أمور يبت فيها اجتهاد الإنسان ونوعية مداركه، وهي ميدان اجتهاده، وفيها أجره وثوابه، وطبيعة مصيره، وعلى الباحثين والدارسين – وخاصة أولئك المتفرغين لعلم الاجتماع والمثقفين ثقافة إسلامية صحيحة واعية لزمنها – عليهم أن يقدموا نتائج دراساتهم وأبحاثهم إلى العاملين الساعين لتحقيق الغايات المنشودة. ومن المهم تسليط الأضواء على أمراضنا الاجتماعية والخلقية المختلفة.. ووضع حد للغيبوبة الصوفية المغرقة في الشرود، وعلى الكسل الفكري وخضوعه للرجع الكهنوتي اللامنطقي وعلى النفاق وتملق الذات والجنوح إلى تبرير الأخطاء ..
في هذا العام الذي يمضي نحو عام الختام للقرن الرابع عشر الهجري برزت الثورة الإسلامية الكبرى في إيران بقيادة الإمام آية الله الخميني التي أذهلت العالم في الشرق والغرب، والتي أصبحت الشغل الشاغل لوسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية في العالم للتحذير من يقظة المسلمين ووعيهم لذاتهم ورسالتهم، ولقد وقف قادة العرب من هذه الثورة نفس الموقف الذي وقفته الجاهلية من ظهور الإسلام.وأننا على يقين، سواء نجحت الثورة أم فشلت، بأن الإسلام هو مستقبل البشرية كلها رغم المكر والمؤامرات التي تكاد تزول منها الجبال، فشعار المسلم أمام كل قوى الشر: الله أكبر، و—–سبيله الدائم:{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}(انتهى)تقف البشرية اليوم على حافَة الهاوية في القرن الخامس عشر، التي يمكن أن تنمو فيها الحياة الإنسانية في ظلالها نموًا سليمًا وتترقى ترقيًا صحيحًا. وهذا يوضحأن العالم الغربي، الذي لم يعد لديه ما يعطيه للبشرية بعد أن تدمرت قلعة الشيوعية التي تنكر وجود الله.
وفي ظل مناخ التسلط والظلم والارتهان، والتهديد والوعيد، ظل مفكرنا يتنقل بين عواصم العالم وشبه جزيرة العرب، لسنوات عدّة، وتعرف في ديار الدعوة على “الآخر” بكل إنجازاته الحضارية ومنظومته العرفية بأبعادها الفلسفية، وخالط كثيرًا من المستشرقين، وتعرف إليهم، وخبر أهواءهم، واستفاد في ديار الإسلام من شيوخ العصر الوسطية في الفهم، وإقامة التوازن المطلوب بين الأمنيات والإمكانات في التعامل مع الأحداث والمواقف، مما مكنه من مغالبة الأقدار، وتذليل العقبات وتقريب البعيد.
ذلك هو مفكرنا الكريم الذي له باع كبير في الفكر والسياسة طوال حياته، وكان يتألم للوطن كثيرًا عندما يرى تعامل أبناء وطنه بعضهم لبعض، فتناكر البعض منهم وأضمر الحقد والكراهية والعداوة للبعض الآخر، مما أدى إلى الاقتتال الداخلي، واستباحة الأعراض والأموال، وجرت الدماء أنهارًا، دون أن تكون في هذا التعبير مبالغة أو غلو، في مشهد مرعب تنخلع له القلوب، وتميد له الجبال فرقا.
في وَسَط هذه الأهوال القاسية الفظيعة، نكتب عن مفكر جليل قدّم في سبيل عزة اليمن الكثير، ولعل الغاية في نفسه ما وجده من فقه هذا التراث والإفادة منه في تشكيل الحاضر واستشراف المستقبل، من أجل استئناف الحياة الكريمة في ظل مجتمع إسلامي تسوده عقائد الإسلام، وتزكيه عبادات الإسلام، وتحركه مشاعر الإسلام، وتحكمه تشريعات الإسلام، وتوجه اقتصاده وفنونه وسياسته تعاليم الإسلام ونحن في طريق الهُدى وطريق الخير في العمل وتنظيم الاتحاد، حتى نضمن الفكر الذي خطط له مفكرنا، ونحن من طلابه.
إن الخطوات التي فيها النجاة لوطننا وأمتنا العربية والإسلامية لابد أن ننطلق نحو وطن خالٍ من العَتَمَة المظلمة التي شكلت ضبابًا على منتجاتنا في الصناعات الخفيفة، ولدينا إبداعات في هذا المجال، ومن الواجب على الحكومة دعم هذه المبادرات التي كانت همًا من هموم مفكرنا، لأن أول الخطوات هي المنتجات الخفيفة، وليس ذلك مقصورًا على المنتجات الغذائية، بل لابد من توسيع الصناعات الخفيفة في مجالات عديدة.
نحن كمجتمع إسلامي نريد أن نحول الإنسان إلى منتج في المجالات التي تخدم الأمة العربية والإسلامية، مستفيدين من مبدأ الشورى كهدف لنا كما تعلمنا من مفكرنا، وهي أساس الحكم في الشريعة الإسلامية، والمشاركة الشعبية في اختيار من يمثلهم في مفاصل الدولة، حتى نصل إلى أن تحكم الشعوب نفسها بنفسها. ومن هنا، لابد من تحقيق الوحدة الإسلامية، وتكون تلك هي غايتنا وهدفا من أهدافنا التي تكون السبيل إلى تلك الوحدة التي فيها العزة لنا والخير في الأرض، لأننا نؤمن إيمانًا قاطعًا بأنه لا سبيل لنا لتحقيق ذلك إلا بالوقوف أمام مخططات الغرب وبالانتباه والفهم لسيعهم الجاد ببث سمومهم في حياتنا ومن خلال وسائل الإعلام …
أولًا: الصِّحافة والمجلات: إن معظم الصحف العربية اليومية تقع تحت تأثير الآراء والوسائل الغربية، فالصحافة العربية ليست دينية في اتجاهها، والصحافة والمجلات تقوم بدور إفسادي من طريق “فتاة الغلاف”، حيث أصبحت فتاة الغلاف أمرًا لازمًا لا تفريط فيه في أي من تلك المجلات، وإظهار الصور الماجنة الخليعة بحجة الجمال والرشاقة، أو بحجة تخفيف الوزن، أو بحجة ملكات الجمال، مع ما فيها من مواضيع الحب والغرام. وهذا يهدف إلى تهوين أمر الفواحش وقلب المفاهيم الراسخة، وإحلال مفاهيم جديدة بعيدة عن هُوِيَّة الأمة ودينها.
إن فتح الباب، من قبل الصحف والمجلات، لمن لديه مشكلة عاطفية أو اجتماعية أو جنسية، بإرسالها للمجلة لتعرض على مختصين بزعمهم، يكون الحل دائمًا بعيدًا عن الحل الإسلامي. دائمًا الحل يدعو الشباب والشابات إلى الاستمرار في البعد عن الله، ويُسهل عليهم كثيرًا تجاوز الحدود الإسلامية. لا شك أن باب الاستطلاعات في بعض المجلات يعتبر من أخطر الأبواب، لحرصه على إظهار المرأة المتبرجة في البلدان التي يستطلعها، ويثني عليها وعلى تحررها، ويتهم الفتاة المحجبة ويستهزئ بها ويقلل من شأنها، ويثني على المرأة المتحررة. وهذه الوسيلة من أخبث الوسائل وأقواها، فتُحْرص بعض الصحف والمجلات على عمل مقارنة بين صورتين لتمدح المتحررة وتنتقص من المتحجبة.
وفي الآونة الأخيرة، أخذت الصِّحافة المحلية تحت اسم حرية الرأي تطرح بشكل واضح وسافر معارضات صريحة لمسلّمات في الدين لا تقبل النزاع. فباسم حرية الرأي، تدعو صراحة إلى نبذ الحجاب، وإلى العمل جنبًا إلى جنب مع الرجل، وإبراز المتبرجات والسافرات والمنحلات كقدوات للجيل. تُجرى معهن المقابلات وتبرز سيرهن وأعمالهن وخدماتهن الجليلة للمرأة، هكذا يزعمون.
ثانيًا: التلفزيون: يُعتبر من أخطر الوسائل الإعلامية، لما له من تأثير على المشاهد، وذلك لقدرته على جذب الانتباه وتركيزه على دقائق الصور والحركات واللقطات الحية. وفي تقرير لليونسكو، يُقال إن الإنسان يحصل على 90% من معلوماته عن طريق النظر، والتلفزيون يحرص على إظهار المرأة بالصورة العاطفية، ويظهر ذلك من خلال الأغاني واللقاءات المحرمة، ومشاهدة الإثارة الجنسية.
ثالثًا: السينما والفيديو هي من الوسائل التي لا تقل خطورة عن التلفزيون إن لم تكن أكثر، وتكمن الخطورة في هاتين الوسيلتين أكثر من غيرهما.
رابعًا: القنوات الفضائية: وهذه جمعت شرور وسائل الإعلام جميعًا، ونقلت جميع القنوات الفضائية العالمية إلى العالم الإسلامي، بما فيها القنوات الإباحية، وهي تعمل على مدار الساعة، وأثرت تأثيرًا كبيرًا على المسلمين رجالًا ونساءً، وإن كان التأثير على النساء أعظم وأشد، خاصة أن بعض القنوات متخصصة لذلك.
خامسًا: شبكة المعلومات العنكبوتية، مما زاد المشكلة ونشر الرذيلة، المواقع الإباحية التي تستغل المرأة وسيلة لنشر سمومها واستغلال جسدها، وقد بلغ الحد أنها لا يمكن أن تكون لها ضوابط. كما استُغلت الشبكة في تبني الأفكار المخالفة لدين الأمة في قضايا المرأة. وهذه الوسائل جميعًا تكوّن ثقافة في المجتمع مخالفة تمامًا لثقافة المجتمع الإسلامي، ويتقبلها المجتمع الإسلامي بسبب كثرة طرحها، وتعدد وسائل الطرح وتنوعها، وعدم ظهور الإنكار عليها أو ضعفه، فتتحول إلى مسلّمات لا يناقش فيها، بل يصبح من ينكرها شاذًا في نظر المجتمع. إننا في حاجة ماسة إلى الرِّقابة التامة من قبل الجهات الرسمية على تلك الوسائل، والحرص التام على الهُوِيَّة الإسلامية، وعلى الجهات المختصة سواء كانت في بلادنا أو بلاد الأمة العربية والإسلامية أن تعي ذلك، والتوجيه المبكر للحد منها والقضاء عليها قبل فوات الأوان. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.
ولنا لقاء في الحلقة القادمة…
اقرأ أيضا للكاتب:أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (16)
