كتابات فكرية

وحدة بن غفير: عسكرة المستوطنين ونسف أي أفق للتهدئة

 وحدة بن غفير: عسكرة المستوطنين ونسف أي أفق للتهدئة

  • د : عبدالرحمن المؤلف

الخميس10يوليو2025_

في خطوة تعكس مزيدًا من الانزلاق نحو الفاشية المنظمة، أعلن وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف المجرم إيتمار بن غفير تشكيل وحدة شرطية جديدة من عشرات المستوطنين في الضفة الغربية، تحت مسمى “وحدة الاستجابة الأولى”. هذا الإعلان لم يأتِ من فراغ، بل تمّ وسط مراسم رسمية نظّمت في قلب مدينة الخليل المحتلة، وتحديدًا من الحرم الإبراهيمي، في رسالة سياسية واضحة: لا تهدئة، ولا انسحاب، بل “سيادة صهيونية” بالقوة على كل الأرض.

تفاصيل الإعلان: شرطة أم ميليشيا؟

بحسب بيان رسمي صادر عن شرطة الاحتلال يوم الخميس (4 يوليو 2025)، فإن الوحدة الجديدة تضم أكثر من 100 مستوطن ممن يقيمون في مستوطنات الضفة الغربية، تلقّوا تدريبات قتالية مكثّفة، وجهّزوا بأسلحة وصلاحيات شرطية خاصة. الهدف المعلن هو “الاستجابة السريعة للطوارئ” و”تعزيز الأمن الشخصي”، لكن السياق السياسي والأمني يُفصح عن دلالات أعمق.

الموقع: الإعلان من داخل الحرم الإبراهيمي، موقع شهد مذبحة ارتكبها مستوطن بحق 29 مصليًا فلسطينيًا عام 1994، ليس صدفة. بل هو إعادة ترميز للهيمنة الاستعمارية، ورسالة بأن هذا المشروع يُبنى على الدم، لا على القانون.

التركيبة: متطوعون مسلّحون من المستوطنات، يتلقّون أوامر مباشرة من الشرطة ويُمنحون صلاحيات تنفيذية. عمليًا، نحن أمام ميليشيا نظامية بمباركة حكومية.

أهداف الوحدة الحقيقية:

1. فرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة كما عبّر بن غفير، وهو ما يعني إنهاء أي فكرة لوجود فلسطيني سياسي أو إداري مستقل.

2. ترهيب الفلسطينيين، وردعهم عن أي نشاط شعبي أو مقاومة سلمية، خاصة في ظل تصاعد الاستيطان وهدم المنازل والمداهمات.

3. تقويض المفاوضات الجارية بشأن غزة، من خلال إرسال رسالة واضحة: إسرائيل ماضية في مشروعها الاستيطاني والعسكري، ولا هدنة تعني إنهاء الاحتلال أو تجميده.

الربط مع مفاوضات غزة: اليد اليمنى تفاوض.. واليسرى تطلق النار

بينما يجتمع الوسطاء في الدوحة لمحاولة إنجاز هدنة تمتد لـ60 يومًا في غزة، تمهيدًا لاتفاق تبادل أسرى، يُطلق بن غفير وحدته الجديدة في الضفة. المفارقة ليست شكلية، بل تُعبّر عن حقيقة التوجه الإسرائيلي: لا نية لإنهاء الحرب، بل إعادة توزيع أدواتها جغرافيًا.

خطة “المدينة الإنسانية المغلقة” في رفح، والملاحق الأمنية في مقترحات الهدنة، والرفض الرسمي لتعديلات حماس، ثم عسكرة المستوطنين في الضفة، كلها تشير إلى أن الاحتلال يريد هدنة تكتيكية، لا اتفاقًا يفضي إلى تسوية حقيقية.

الانعكاسات الميدانية: الضفة على صفيح مشتعل على الفلسطينيين: يشعر السكان في الضفة أن تشكيل هذه الوحدة هو مقدمة لمزيد من العنف المُشرعن ضدهم. المستوطنون معروفون باعتداءاتهم الدموية، فكيف الحال إذا باتوا يحملون صلاحيات شرطية ويتلقّون أوامر رسمية؟

على صورة إسرائيل دوليًا: تتورط إسرائيل أكثر فأكثر في عسكرة الحياة المدنية، ما قد يعمّق عزلة نتنياهو دوليًا، خاصة مع تصاعد الاتهامات بارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة، وتزايد الاحتجاجات في العواصم الغربية.

على المفاوضات: هذه التحركات تقوّض ثقة الوسطاء، وتُضعف أي آمال ببناء بيئة مستقرة تسمح بحوار حقيقي حول إنهاء الحرب.

خاتمة: تهدئة لا تعني استسلامًا

من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تُدير المعركة على جبهتين: التفاوض لكسب الوقت دوليًا، والميدان لتكريس واقع استعماري جديد. قرار بن غفير ليس شأناً أمنياً بقدر ما هو خيار سياسي استراتيجي: لا للسلام، نعم للضم التدريجي.

وفي ظل صمت المجتمع الدولي، فإن وحدة “الاستجابة الأولى” قد تكون فقط البداية لمرحلة جديدة من الصراع، لا تُدار بالدبلوماسية، بل بالبندقية والخرائط.

المصادر:

شرطة الاحتلال – بيان رسمي (4 يوليو 2025)

وكالة “وفا” الفلسطينية – تغطية الخليل (4 يوليو 2025)

قناة “كان 11” الإسرائيلية – تقرير حول المراسم العسكرية

شبكة الجزيرة – تغطية ملف مفاوضات غزة (2–4 يوليو 2025)

منظمة العفو الدولية – تقارير سابقة عن عنف المستوطنين (2024)

اقرأ أيضا: حماس .. نتنياهو يواصل وضع العراقيل أمام اتفاق وقف العدوان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى