كتابات فكرية

الرشوة وتشويه سمعة القضاء

الرشوة وتشويه سمعة القضاء

بقلم/ عبدالرحمن علي الزبيب

 يمتنع الكثير من المواطنين في اليمن اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم المشروعة بسبب انتشار وتفشي الرشوة في المحاكم والنيابات، ودفع مبالغ مالية دون سند رسمي لاستكمال أي إجراء وحتى القضايا المنظورة لدى القضاء تتباطأ إجراءاتها بسبب الرشوة والذي تعتبر وفق للقانون اليمني دفع أي مبالغ مالية لموظف حكومي للقيام بعمله أو إخلالا به واقعة رشوة ولكن في مؤسسات القضاء بسبب استمرارها وتغليفها وتبريرها تحت مسميات عدة ،أصبحت رشوة مقنعة لها مبرر لأخذ أموال الناس بالباطل وتشويه سمعة القضاء وفقدان القضاء ثقة المجتمع فيه والذي سنتناول هذا الموضوع وفق مبدأ النقد البناء وصحافة الحلول بتشخيص وعرض المشكلة ثم إيجاد المعالجة لتلك المشكلة وتوضيح ذلك في قسمين رئيسيين كالتالي :

القسم الأول : مشكلة انتشار وتفشي الرشوة في المحاكم والنيابات

جميع المواطنين الذين دخلوا المحاكم والنيابات سواء كانوا مدعين أو مدعى عليهم عانوا من الرشاوى، ولم تحت مسميات أخرى ، ووجوبية دفعها لاستكمال الإجراءات وتعطلت قضاياهم بسبب عدم قدرتهم على دفع مبالغ مالية دون سندات رسمية والذي تعتبر وفقا للقانون اليمني جرائم رشوة حيث نصت المــادة(151) من قانون الجرائم والعقوبات على :

(  يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات كل موظف عام طلب أو قبل عطية أو مزية من أي نوع أو وعدا بها لأداء عمل أو الامتناع عن عمل إخلالا بواجبات وظيفته وتكون العقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته على ثلاث سنوات إذا كان العمل أو الامتناع حقا ويعفى الشريك من العقوبة إذا بادر بإبلاغ السلطة القضائية أو الإدارية بالجريمة او اعترف بها قبل قفل التحقيق الابتدائي .)

ووفقا لهذا التعريف القانوني للرشوة يكون أي مبلغ مالي يدفعه احد أطراف النزاع في مؤسسات القضاء أو الجهات ذات العلاقة بها دون سند رسمي تعتبر رشوة ونوضح أهم وقائع الرشوة الذي يرتكبها قضاة وموظفي القضاء والشرطة كالتالي :

1-           تكاليف النزول إلى موضع النزاع للمعاينة أو لمطابقة وثائق ملكية الأطراف أو لأي سبب آخر حيث يدفع أطراف الخصومة القضائية مبالغ كبيرة دون سند رسمي تحت مبرر تكاليف نزول بالإضافة إلى تكاليف العزومة ووجبه الغداء الدسمة وقيمة قات من النوع الممتاز والذي تعتبر رشوة يساءل مرتكبيها.

2-           تكاليف طباعة أو تحصيل الاحتكام والقرارات القضائية حيث يدفع أطراف النزاع مبالغ مالية دون سند رسمي لتنفيذ ذلك والذي تعتبر رشوة وفقا للقانون يساءل مرتكبيها.

3-           تكاليف تحرير المذكرات وأوامر تكليف الحضور والإحضار والقبض القهري وأوامر الحبس و الإفراج وأي وثائق قضائية أخرى من المحررات في مؤسسات القضاء حيث يدفع أطراف النزاع مبالغ مالية دون سند رسمي لتنفيذ ذلك وتعتبر جريمة رشوة يساءل مرتكبيها.

4-           تكاليف إعلان وتسليم المذكرات وتكاليف الحضور وأوامر الإحضار والقبض القهري وأوامر الحبس و الإفراج وغيرها من المحررات في مؤسسات القضاء لايتم تنفيذها إلا بعد دفع مبلغ مالي دون سند رسمي تحت مبرر تكاليف التسليم والذي تعتبر جريمة رشوة يساءل مرتكبيها.

5-           تكاليف نقل الملفات من النيابات إلى المحاكم أو إلى جهات أخرى لا يتم تنفيذ ذلك إلا بعد دفع مبلغ مالي دون سند رسمي والذي تعتبر جريمة رشوة يساءل مرتكبيها.

6-           تكاليف قيد الدعاوى وإحالتها للقاضي المختص لتحديد جلسة محاكمة حيث يدفع أطراف النزاع مبالغ لتنفيذ ذلك دون سند رسمي والذي تعتبر جريمة رشوة يساءل مرتكبيها.

7-           تكاليف تصوير محاضر الجلسات وملفات القضايا وتكاليف تأكيد الضمانات وغيرها حيث يدفع أطراف الخصومة القضائية مبالغ مالية دون سند رسمي لتنفيذ ذلك والذي تعتبر جريمة رشوة يساءل مرتكبيها.

8-           تكاليف تنفيذ أحكام وقرارات القضاء حيث يدفع أطراف النزاع مبالغ مالية دون سندات رسمية تحت مبرر تكاليف تنفيذ والذي تعتبر جريمة رشوة يساءل مرتكبيها.

9-           تكاليف الحراسة القضائية حيث يدفع أطراف النزاع مبالغ مالية دون سندات رسمية بمبرر تكاليف حراسة قضائية والذي تعتبر جريمة يساءل مرتكبيها.

10-        غرامات المخالفات المضبوطة في مؤسسات القضاء أثناء جلسات التحقيق والمحاكمة وغيرها الذي لا يتم توريدها إلى خزينة المحكمة بسند رسمي وتعتبر جريمة رشوة يساءل مرتكبيها.

11-        مبالغ مالية يستلمها جنود الشرطة القضائية وأقسام الشرطة وعقال الحارات دون سندات رسمية لتنفيذ إعلانات وتكاليف حضور أو للقيام بأي عمل تقرره المحاكم والنيابات والذي تعتبر جريمة رشوة يساءل مرتكبيها.

12-        تكاليف أخرى ومبالغ مالية يدفعها المواطنين دون سندات رسمية في المحاكم والنيابات والذي تعتبر رشوة يساءل مرتكبيها.

ونؤكد أن وقائع الرشوة في مؤسسات القضاء ليست وليدة اللحظة بل هي مستمرة منذ عقود ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات فاعلة لمنعها وضبط مرتكبيها ولم يقم مجلس القضاء الأعلى بأي دور إيجابي يحد منها ويمنعها ويجعل من صرح القضاء ابيض نزيه خالي من الرشاوى والفساد وملجأ للضعفاء والفقراء وليس فقط متاح للقادرين على دفع نفقات الإجراءات القضائية ولم يتم النظر في جرائم الرشوة واتخاذ إجراءات لمنعها وضبطها في حرم القضاء بسبب الاستخدام الخاطئ لمصطلح استقلال القضاء واقتناع البعض بأن استقلال القضاء يقصد به منع المواطنين ووسائل الإعلام وأي جهة أو شخص من انتقاد أي تصرفات خاطئة في القضاء باعتبار ذلك مساس باستقلال القضاء وبسمعة القضاء وهذا مفهوم خاطئ لاستقلال القضاء ويتسبب في انتشار وتفشي الأخطاء والرشاوى في مؤسسات القضاء .

ما أوضحناه سالفا من تفشي جريمة الرشوة  في المحاكم والنيابات معيق خطير لعمل السلطة القضائية يؤثر بشكل كبير على ثقة المجتمع في مؤسسات القضاء والذي تعتبر مشكلة

القسم الثاني : الحلول والمعالجات

بعد تشخيص مشكلة الرشوة في المحاكم والنيابات وعرض أمثلة ونماذج لها نصل الى الحلول والمعالجات للحد وإنهاء تلك المشكلة وإنهاء جرائم الرشوة في المحاكم والنيابات لتستعيد مؤسسات القضاء دورها الإيجابي وثقة المجتمع فيها كمؤسسات نزيهة خالية من الرشوة والفساد ونوجز أهم الحلول المقترحة في النقاط التالية :

1-           إصدار مجلس القضاء الأعلى تعميم إلى جميع المحاكم والنيابات في جميع المحافظات يتضمن التعميم منع استلام أي مبالغ مالية دون سندات رسمية في مؤسسات القضاء وتوضيح أنها تعتبر رشوة يساءل مرتكبيها .

2-           تشكيل لجنة عبر مجلس القضاء الأعلى للنزول الى جميع المحاكم والنيابات في جميع المحافظات لتوزيع التعميم المشار إليه في البند السابق الى جميع القضاة وموظفي القضاء وكل العاملين في مؤسسات القضاء من شرطة قضائية وغيرها وكذلك الجهات الأخرى ذات العلاقة من أقسام شرطة وعقال حارات وغيرها وإلزام الجميع بتوقيع التزام وتعهد بعدم استلام أي مبالغ مالية دون سند رسمي وإذا ثبت فيحق لمجلس القضاء الأعلى فصله من العمل وتعليق اسمه في قائمة سوداء تعلق في جدران المؤسسة القضائية ونشرها في وسائل الإعلام وحفظ تلك الالتزامات في ملفات القضاة والموظفين وكل العاملين في القضاء أو ذوي العلاقة .

3-           تنفيذ حملة إعلانية واسعة في وسائل الإعلام المختلفة لتوضيح ونشر خطورة جرائم الرشوة في مؤسسات القضاء والنصوص القانونية المجرمة لها ودعوة المواطنين للامتناع عن دفع أي مبالغ مالية لموظفي ومنتسبي القضاء دون سندات رسمية حتى لا يكونوا شركاء في جريمة الرشوة و يساءلوا جنائيا وفقا للقانون وفي نهاية كل فلاش إعلامي أو مطبوعات أرقام تواصل للإبلاغ عن جرائم رشوة في مؤسسات القضاء.

4-           إنشاء مجلس القضاء الأعلى  إدارة مكافحة الرشوة وتظم في عضويتها موظفين من ذوي النزاهة والكفاءة للقيام بمتابعة إجراءات مكافحة الرشوة في مؤسسات القضاء بما فيها استمرار الحملات الإعلامية والتحقيق في وقائع الرشوة والتحري و جمع الأدلة والمعلومات عن مرتكبي جرائم الرشوة في مؤسسات القضاء واتخاذ إجراءات إدارية ناجزة بالضبط والتوقيف والفصل من العمل لكل من ثبت ارتكابه للرشوة في مؤسسات القضاء أيا كان المبلغ المستلم واستعادة تلك المبالغ ومصادرتها وفقا للقانون ولإدارة مكافحة الرشوة صلاحيات للتحري عن وقائع الرشوة عبر كافة الأجهزة والتقنيات بما فيها إنزال أشخاص إلى المحاكم والنيابات لعرض رشاوى للقضاة والموظفين واثبات تلك الوقائع وتصويرها وضبط مرتكبيها.

وفي الأخير :

نؤكد بأن المواطن اليمني يحلم في اليوم الذي يذهب الى مؤسسات القضاء للمطالبة بحقوقه القانونية او للرد على دعوى دون ان يتحمل تكاليف غير قانونية يتم تسليمها دون سند رسمي وان تستمر الإجراءات دون دفع ريال واحد سوى الرسوم القضائية فقط دون دفع أي مبالغ أخرى سواء لقاضي او موظف او جندي او عاقل حارة تحت أي مبرر كان لأنها وفقا للقانون رشوة ولا تبرير لجريمة ولا مسوغ لها لأنه اذا تحقق ذلك واغلق باب الرشاوى في مؤسسات القضاء ستتحرك جميع القضايا بشكل إيجابي وسريع وستتحقق العدالة الناجزة لأنها لا تنتظر حتى دفع الرشاوى لتحقيقها ولن تعرقلها الرشوة .

واقع القضاء اليمني يحتاج لدراسة وتشخيص ومعالجة ناجزة ونعتبر هذه الدراسة والمقال مساهمه بسيطة تهدف لتحقيق هدف عدالة ناجزة وقضاء نزيه خالي من الفساد والرشاوى.

ونؤكد بأن مكافحة الرشوة في المحاكم والنيابات سيسرع إجراءات التقاضي و يحد من الاختلالات.

 عبدالرحمن علي علي الزبيب

إعلامي مستقل ومستشار قانوني

law711177723@yahoo.com

اقرأ أيضا للكاتب:تأثير الأيدلوجية السياسية على ترجمة الأخبار السياسية المتعلقة بالحرب على اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى