أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (27)

أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (27)
سلبيات الحركة الإسلامية المعاصرة
{قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} (سورة آل عمران – آية ١٦٥)
بقلم الأستاذ :عزيز بن طارش سعدان
الخميس15مايو2025_
ومما هو جدير بالذكر ونحن بصدد تسجيل سلبيات الحركة الإسلامية أن نذكرها أن الإعداد وسيلة وليس غاية يستغرق الزمن وأن من هذه السلبيات الاستغراق في الإعداد وعدم استخدام القوة المتاحة، فالإعداد لأي فكرة لا يعني إقناع الأغلبية إلا في حالة واحدة هي توفر حرية الدعوة والبلاغ، أما في حالة تسلط الطواغيت، وقوى الإكراه فمن العبث ترك الدفاع عن الحرية، وتحطيم العوائق التي تحول بين الإنسان وحقه في حرية الاختيار.
إن مشروعية الجهاد، والخروج على الظلمة – الثورة – تتم بل تكون واجباً مقدساً عند غياب الحرية، وتسلط آلهة مزيفة يكون لديها القوة على الاستعباد والإكراه وسلب الكرامة الإنسانية من بني الإنسان.. ذلك الجهاد هو ما عمد إليه سيد شباب أهل الجنة وأئمة آل البيت وأيد موقفهم هذا الأعلام من أئمة المذاهب الإسلامية الكبرى في هذه الأمة، فالإمام أبو حنيفة وصف خروج زيد بتلك الكلمة الرائعة:ضاهی خروجه خروج رسول الله يوم بدر»وأيد ثورة النفس الزكية في المدينة وإبراهيم الإمام في البصرة فنصح الناس وحثهم على مبايعة ومساندة الإمام إبراهيم وأفتى بأن الخروج معه أفضل من الحج النفل خمسين أو سبعين مرة، بل لقد قال لرجل اسمه أبو اسحق الفزاري : مخرج أخيك أحب إلي من مخرجك يعني مساندة أخيك لإبراهيم بن عبد الله أفضل من جهادك الكفار. وقد نقل لنا أبو بكر الجصاص والموفق المكي أن البزاز صاحب الفتاوى البزازية وهم من أجلة الفقهاء لآراء أبي حنيفة هذه ومعناها الواضح الجلي أن الجهاد لتخليص النظام الداخلي للمجتمع المسلم من سطوة القيادة المنحرفة عند أبي حنيفة أفضل من قتال الكفار خارج المجتمع المسلم. وقد لاقى الإمام أبو حنيفة في سبيل ذلك الأهوال ومات في السجن مضيئاً للأمة الطريق وهذا الإمام مالك» ينقض بيعة الإكراه الوراثية «لأبي جعفر المنصور» تأييداً لثورة «النفس الزكية» في «المدينة» فأفتى ببطلان البيعة جبراً، أو الحلف کرها، أو الطلاق قهراً (كان العباسيون عند أخذ البيعة يستحلفون الناس بطلاق نسائهم إن هم نقضوا بيعتهم ولذلك ذكر الإمام مالك مسألة الحلف والطلاق كرهاً إلى جانب مسألة البيعة حتى لا يستغل العباسيون الدين في ظلال الإكراه والتحريف) وقد جُلد خلعت كتفاه حتى وهذا الإمام الشافعي محمد بن ادريس يؤتى به مغللاً في أصفاد الحديد من صنعاء حتى بغداد لاتهامه بالمشاركة في الإعداد للثورة الإسلامية لتصحيح الانحراف في الحكم وموالاة الثائرين ولم يتنازل الإمام أحمد بن حنبل عن حرية رأيه وحقه في الفهم ولو واجه الموت في سبيل ذلك الثبات الرائع،إن التاريخ علم البشرية أن الطواغيت لا يتنازلون عن تسلطهم على الناس إلا بالقوة ، وإذا لم تستخدم ضدهم استخدموها هم للتنكيل والإرهاب والتعذيب المهول ينزلونه بمناوئيهم في الرأي.(انتهى الاقتباس)
إن الطغاة في تاريخنا الإسلامي لا يمكن أن نحصي عددهم ومللهم واعتقاداتهم ونهجهم، لأنها مليئة بسمات الانفراد بالسلطة وكأنها ملك خاص. وهم لا يهمهم سفك الدماء في الأرض، المطالبين بعودة النظام الإسلامي على منهج النبوة وعلى صاحبها أفضل الصلاة والسلام، المعلم الأول للنظام الشورى استجابةً لأمر الله سبحانه وتعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}. ونهجوا على نهج الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
وكانت الثورة الأولى ضد الطغاة قد قام بها سيد شهداء الكرامة والحرية والشورى الحسين بن علي رضي الله عنه. وقال عباس محمود العقاد في كتابه (أبو الشهداء الحسين بن علي): “ولكن الصالحين بهذه الصيحة مع معاوية قد عاشوا حتى رأوا بأعينهم مبلغ الغَيْرَة على تراث عثمان، وعلموا أن الملك هو الغرض المقصود من وراء تلك الفتن والأرزاء، وأن معاوية لا يقنع بأن يملك لنفسه حتى يورث الملك ولده من بعده، وليس هو من أهل الرأي، ولا هو من أهل الصلاح، ولا هو ممن تتَّفق عليه آراء هؤلاء، ولكنه فتى عربيد يقضي ليله ونهاره بين الخمور والطنابير، ولا يفرغ من مجالس النساء والندمان إلا ليهرع إلى الصيد، فيقضي فيه الأسبوع بعد الأسبوع بين الأديرة والبوادي والآجام، لا يبالي خلال ذلك تمهيد الملك ولا تدريبًا على حكم، ولا استطلاعًا لأحوال الرعية الذين سيتولاهم بعد أبيه؛ ثقة بما صار إليه من التمهيد والتوطيد وما سوف يصير”.
فكل خلاف جاز في المفاضلة بين علي ومعاوية غير جائز في المفاضلة بين الحسن ويزيد، وإنما الموقف الحاسم بينهما، موقف الأريحية الصريحة في مواجهة المنفعة الصريحة. مزاجان تاريخيان وقد بلغ كلاهما من موقفه أقصى طرفيه وأبعد غايتيه، فانتصر الحسن بأشرف ما في النفس الإنسانية من غَيْرَة على الحق وكراهة للنفاق والمداراة، وانتصر يزيد بأرذل ما في النفس الإنسانية من جشع ومراء وخنوع لصغار المتع والأهواء.(انتهى)
الإمام زيد بن علي رضي الله عنه قام بثورته العظيمة ضد الظلم الذي تعرضت له الأمة من بني أمية. وقد حدثت ظلمات كبيرة منذ قيام معاوية بلعن علي بن أبي طالب على المنابر، ولم يؤخذ بنصيحة الناس بترك هذه السنة السيئة. وقد قام بقية من تولوا بعده بإتباع هذه السنة المشينة، إلا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذي غير هذه السنة وأنهى سب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
وقد قامت عدة ثورات في عهد الدولة الأموية، منها ثورة الحسين بن علي رضي الله عنه سنة 61 هجرية ضد يزيد بن معاوية الذي ورث الحكم بعد والده. وهناك الكثير من الصحابة أحق منه وأعلم منه، وقد قام الأمويون بهتك حرمة المدينة المنورة في يوم الحرة سنة 64 هجرية، وقد استباحت مدة ثلاث أيام. وقتل مسلم بن عقبة، وقام عبد الله بن الزبير وطلب لنفسه الخلافة، واستشهد رضي الله عنه سنة 73 هجرية بعد ضرب الكعبة بالمنجنيق والنار، وقاد تلك الحملة الحجاج.
وكذلك قامت عدة ثورات، منها ثورة التوبة سنة 65 هجرية وثورة المختار بن عبيد الثقفي الذي قتل من قتلوا الإمام الحسين رضي الله عنه، وثورة الخوارج سنة 41 هجرية. ولم تتوقف الثورات ضد الدولة الأموية إلا عندما تولى الإمام العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، لأنه عدل فحكم. ولقد كانت تلك الثورات لها تأثير في نفسية الإمام زيد رضي الله عنه الذي قام بثورته في سنة 122 هجرية.
وقد كان الإمام زيد يبين عددًا من المظالم التي حدثت من الأمويين ويقول: “إنما خرجت على الأمويين الذين قتلوا جدي الحسين رضي الله عنه وأغاروا على المدينة يوم الحرة وضربوا الكعبة بالمنجنيق.” وقد سأله أتباعه عن سبب خروجه، فقال لهم: “إن هؤلاء الظالمين لي ولكم ولأنفسهم، إن ثورته كانت حقًا ضد الباطل، وأن تعاد الحكم على منهج النبوة والخلافة الراشدة من أجل العدل والشورى حتى تكون الأمة هي المرجع لتختار من يحكمها وفقًا لمبادئ الشورى.” ولكن خذلوه من بايعه من أهل العراق كما خذلوا جده الحسين بن علي رضي الله عنه.
إن الثورات بعد الإمام زيد رضي الله عنه لم تنقطع سوى أنها كانت في عهد الإمبراطورية الأموية أو العباسية، ولم يسلم من بطشهم أحد من الأمة، كبارًا كانوا أم صغارًا، كأحمد بن حنبل، وأبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، لأنهم كانوا سندًا لتلك الثورات العظيمة لأنها ضد الطغيان والاستبداد في عصر الإسلام. وهي ملفتة للمنهجية الإسلامية. إن صفحات التاريخ مليئة بتلك الدويلات الظالمة التي هي مقززة، وفيها من يمجد تلك الإمبراطوريات على غير علم من أمره ولا إدراك. وكما قال الشاعر الجاهلي.
لا يصلح الــنــاس فـوضـى لا سـراة لـهـم
ولا ســــراة إذا جهالهم ســـــــــادوا
ولابد للبشرية من سلطة تحكمها وتنظم حياتها وفق المؤسسات الدستورية، لأن التنظيم يحتاج إلى سلطة منظمة تخضع لها الجماعة، إذ لا يمكن تصور المجتمع السياسي دون سلطة حاكمة تنظمه وتضع له القواعد. لذلك فإن النظام السياسي يفترض حتمًا وجود سلطة تتولى إدارة الجماعة. وهكذا ينشأ المجتمع السياسي عندما يحدث فيه ما يسير شؤونه، ويسميه فقهاء القانون بالاختلاف السياسي (التمييز السياسي)، أي عندما ينقسم هذا المجتمع إلى فئتين: فئة حاكمة تتولى السلطة السياسية وتصدر القرارات والأوامر، وفئة أخرى محكومة. ونظرًا إلى ما للسلطة السياسية من صفات ذاتية خاصة، فإن لها الطاعة والتنفيذ. {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }
اقرأ أيضا للكاتب:أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (26)
