اخبار محليةكتابات فكرية

مؤتمر أمن البحر الأحمر: شراكة أم استحواذ على حساب الدول الساحلية؟

مؤتمر أمن البحر الأحمر: شراكة أم استحواذ على حساب الدول الساحلية؟

  • إعداد: حسن حمود الدولة

الجمعة 19 سبتمبر 2025-

هذا المقال لا يعد تحليلا دقيقا بالمعنى المهني المتكامل، وإنما هو قراءة أولية في ضوء ما توفر لنا من معلومات عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، في ظل غياب البيانات الرسمية والمعلومات التفصيلية التي تمكن من إعداد تحليل استراتيجي شامل. وقد قمت بتحرير هذا المقال استجابة لطلب من الأستاذ عبدالرحمن مطهر، رئيس تحرير صحيفة “الشورى” الإلكترونية، وسأحاول، وفي حدود المعلومات المتاحة، أن ألبي هذا الطلب، مع الالتزام بالموضوعية قدر الإمكان.

وذلك لقراءة نتائج المؤتمر الدولي الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض، يوم الثلاثاء الماضي حول أمن البحر الأحمر، بمشاركة أكثر من ثلاثين دولة، في خطوة تعكس حجم التحولات الأمنية والجيوسياسية في هذه المنطقة الحيوية، لا سيما مع تصاعد الهجمات التي تُتهم حركة “أنصار الله” في صنعاء بالوقوف خلفها، ما أدى إلى ارتفاع كلفة التأمين البحري وتأثر حركة التجارة العالمية، ودفع القوى الكبرى للتحرك.

يأتي هذا المؤتمر في توقيت بالغ الحساسية، وسط تنامي الضغوط الدولية من أجل تأمين أحد أهم الممرات البحرية في العالم، حيث بدا أن الهدف الضمني من هذه المبادرة هو تحميل الدول الساحلية مسؤولية تمويل وحماية أمن الملاحة، تحت غطاء “الشراكة الدولية”. لكن القراءة المتأنية للمخرجات والتوجهات تُشير إلى ميل واضح نحو استحواذ قوى إقليمية ودولية على زمام الملف الأمني، مع الإبقاء على إشراف استراتيجي خارجي، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار لدى الدول المطلة، وفي مقدمتها اليمن.

ورغم حديث المشاركين عن دعم القدرات المحلية وتعزيز الأمن البحري للدول المشاطئة، إلا أن التركيز ظل على سبل التنسيق الإقليمي والدولي، بما يوحي بإعادة ترتيب أدوار النفوذ في المنطقة، مع تهميش الفاعلين الأصليين، خصوصًا الدول الأضعف سياسيًا واقتصاديًا، مثل اليمن، التي لا تزال تعاني من الانقسام الداخلي وغياب الدولة المركزية القوية.

في سياق موازٍ، وقّعت السعودية اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان يوم الأربعاء الماضي، تنص على اعتبار أي تهديد لأحد الطرفين تهديدًا للطرف الآخر. ورغم أن هذا الاتفاق يبدو في ظاهره ثنائيًا، إلا أنه يحمل دلالات استراتيجية أوسع، تعكس رغبة السعودية في تعزيز تحالفاتها الأمنية خارج الإطار العربي، في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وتراجع الثقة بالمظلة الغربية التقليدية. ومن غير المستبعد أن تكون لهذه الاتفاقية علاقة غير مباشرة بترتيبات أمن البحر الأحمر، عبر توسيع خيارات الردع والتحرك العسكري في حال تفاقمت التهديدات.

أما على صعيد اليمن، فتبدو الصورة أكثر تعقيدا. إذ لا يمكن تجاهل الحديث المتكرر عن دعم خفر السواحل اليمني، في إطار استراتيجية تعزيز الأمن البحري. وهذا في حد ذاته أمر قد يبدو إيجابيا، لكنه ينم عن خطة مبيتة تجاه صنعاء، أما إذا ما توافر له الإطار الشفاف والمستقل الذي يضمن توجيه الموارد لمصلحة اليمن لا لمصلحة أطراف خارجية أو قوى محلية متصارعة. غير أن التجارب السابقة لا تبعث على كثير من التفاؤل، في ظل هشاشة الوضع السياسي والمؤسسي، وغياب سلطة موحدة داخل اليمن تضمن سلامة القرار السيادي.

فغني عن البيان بأن اليمن لا يحتمل، في ظل أوضاعه المعقدة، أن يُزج به في ترتيبات أمنية دولية دون أن يكون شريكًا حقيقيًا فيها. وتحميله عبء حماية الممرات المائية الدولية دون أن يُمكّن سياسيًا واقتصاديًا، يضعه في موقع الأداة المنفذة لا الطرف الفاعل، ويُفاقم من حالة التبعية، بدل أن يسهم في استعادة الدولة ومكانتها الإقليمية.

المؤتمر، في حقيقته، بدا أشبه باستجابة لضغوط دولية على الرياض أكثر من كونه مبادرة صادرة عن توافق إقليمي مشترك. وهو ما يُحتم على اليمن وسائر الدول الساحلية أن تتعامل مع مخرجاته بحذر شديد، وتسعى لتثبيت دورها وضمان عدم تهميشها. فالانخراط في منظومات أمنية دون قدرة على التأثير في مسارها قد يُكرّس حالة التبعية، ويفتح الباب أمام إعادة صياغة نفوذ القوى الدولية والإقليمية في البحر الأحمر، دون أن تكون الدول المطلة شريكة حقيقية في ذلك.

من جهة أخرى، فإن استمرار التهديدات البحرية وارتفاع كلفة التأمين قد يرتد سلبا على الداخل اليمني، سواء من حيث الضغط الاقتصادي أو من حيث الصورة السياسية لحركة “أنصار الله” التي تحمّل المسؤولية عن هذه الهجمات اقليميا وعربيا ودوليا. وإذا لم يبادر اليمنيون إلى عقد مصالحة وطنية والتوصل إلى حلول عملية في ظل مخرجات الحوار الوطني الشامل والاتفاق على توحيد كلمة اليمنيين بشقيه السياسي والعسكري، والتوصل إلى تقديم حلول ذاتية جادة تعلي من شأن المصلحة الوطنية، وتفتح باب الحوار والتفاهم بين القوى المتنازعة، فإن الأبواب ستظل مفتوحة أمام التدخلات الخارجية، بكل ما تحمله من أثمان باهظة على حساب السيادة.

ختاما، فإن الدعوة لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر لا ينبغي أن تكون مدخلًا لتقويض سيادة الدول الساحلية، ولا ذريعة لاستبعاد اليمن من دوره الطبيعي. فالجغرافيا لا تقبل التحييد، والتاريخ لا ينسى من يغفل عن موقعه في لحظة مفصلية. فهل يدرك اليمن – بمختلف قواه – أن حماية مصالحه تبدأ من الداخل، وأن الشراكة الحقيقية لا تُمنح بل تُنتزع؟ هذا ما ستكشفه التحولات القادمة، والمواقف التي ستتخذها صنعاء وبقية الأطراف من واقع جديد يتشكل على حدودها، وربما فوق مياهها.

اقرأ أيضا: الاتفاق الدفاعي السعودي الباكستاني وتأثيره على مسار التسوية في اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى