اخبار محليةكتابات فكرية

المنهج الرسالي والفكر بين الشعار والمحتوى كما يعرفه السياسي الكبير زيد بن علي الوزير

المنهج الرسالي والفكر بين الشعار والمحتوى كما يعرفه السياسي الكبير زيد بن علي الوزير

المنهج الرسالي والفكر بين الشعار والمحتوى

(من وحي مقولة للمفكر الإسلامي والسياسي الكبير الأستاذ زيد بن علي الوزير)

  • بقلم: حسن الدولة

السبت19يوليو2025_

(من المعلوم أن التسلط السياسي قد تمكن من إعادة خلق نفسه من رفات أنظمته التاريخية الفردية مع أصباغ شكلية باهتة من تسميات جمهورية وديمقراطية ومدنية، واعتمدت في هذا الخلق المشوه على فقه التسلط السياسي، الذي ما يزال يعمل بقوة على الحفاظ على دوره التسلطي، و إخماد دور الفكر الخلاق والمبدع، ولن ينكر أحد أن وراء هذا الصنيع الشنيع مدارس فقهية متجمدة، ولكنها فاعلة  وفعالة في مواجهة التطور العقلاني الحضاري، ونحن نعرف أن “فقه المعاملات” لا يستطيع أن يبني حضارة، لأنه بطبيعته منحصر في تنظيم علاقة الزواج والورث والبيع والشراء الخ.

 فهو اقرب إلى علم المجتمع، ولكنه إن نجح في نسج علاقات أخوية ممتازة ومجتمع عادل فهو يشكل الأرضية الصالحة لتقوم عليها حضارة.) المفكر الإسلامي والسياسي الأستاذ “زيد علي الوزير” حفظه الله ورعاه.

بهذا التشخيص العميق، يضعنا المفكر الإسلامي والسياسي الكبير الأستاذ زيد بن علي الوزير أمام مأزقنا الحضاري والسياسي، لا بوصف سطحي، بل بتحليل دقيق لطبيعة التسلط المعاصر، الذي تزيّن بأسماء وشعارات جديدة بينما استبقى جوهره القديم: الاستبداد وقمع الفكر. لقد أعاد التسلط السياسي إنتاج نفسه من “رفات أنظمته التاريخية الفردية”، مستخدمًا مسميات من قبيل الجمهورية والديمقراطية والمدنية، لكنها أصباغ باهتة لا تغطي تشوّه الأصل.

في عالمٍ تُهيمن عليه الشعارات وتُصاغ فيه الهياكل على هيئة الكلمات لا على أساس القيم، تصبح الحقيقة أولى ضحايا “فقه التسلط السياسي”، وهو الفقه الذي لم يكتفِ بتجميد العقل، بل تحوّل إلى آلة نشطة في قمع الفكر الخلاق وحراسة الامتيازات القديمة، تحت مسمى الدين تارةً، والأصالة تارةً أخرى.

وغني عن البيان أن الشعار لا يصنع حضارة، وأن الفكر لا يُقاس بما يرفعه من عناوين، بل بما يُنتجه من نظم وسلوك ومؤسسات. فكما أشار الأستاذ زيد، فإن “فقه المعاملات” لا يمكنه بمفرده أن يشكل حضارة، لكنه قادر – إن وُجِّه توجيهًا عقلانيًا – أن يكون أرضية صلبة لبناء مجتمع عادل.

ومن هنا، تبرز أهمية مراجعة مناهج التغيير التي سادت في تاريخنا السياسي والفكري، لنفهم كيف ضلّ الفكر أحيانًا، وكيف يمكن أن يصحّح مساره. ويمكن تصنيف أبرز هذه المناهج إلى أربعة أطياف رئيسية:

1. منهج أهل السنة والمحافظة

منهج يتمسّك بالماضي تحت عنوان “الأصالة”، ويستمد شرعيته من تراث الأجداد. لكنه كثيرًا ما يُبتلع أمام التغيرات العصرية، فيصبح عاجزًا عن تقديم حلول حقيقية. يرفع شعار التغيير لكنه محصور في “ما وجدنا عليه آباءنا”، فيؤسس لجمود يحول دون الإبداع ويعيق التقدم.

2. المنهج الثوري

يسعى إلى هدم القديم بجرة واحدة، دون أن يدرك أن البنية الذهنية والعادات الاجتماعية لا تزول بإسقاط الأنظمة فقط. يكرر الأخطاء باسم الثورة، ويعيد إنتاج الاستبداد بقناع جديد، كما حدث في كثير من التجارب الحديثة، وأثبت التاريخ أن الثورات التي لا ترافقها ثورة في الوعي غالبًا ما تنتهي إلى أنظمة أكثر قمعًا من سابقاتها.

3. المنهج الإصلاحي

منهج يوازن بين الواقع والمأمول، ويهدف إلى التغيير العميق التدريجي، دون هدم البنية المجتمعية أو تجاهل إرثها. يتعرّض لاتهامات من كل الأطراف؛ المحافظون يرونه خطرًا على الثوابت، والثوريون يرونه متخاذلًا، لكنه يحمل بين طياته إمكانية التغيير الهادئ والدائم، ويؤسس لعقلانية منهجية تحترم الإنسان وتبني مؤسسات عادلة.

4. المنهج الرسالي

وهو المنهج الذي لا يشتغل على الأسماء والشعارات، بل على المعنى والمضمون. لا يهتم بتغيير العناوين بل بتغيير الوعي والبنية الداخلية للمجتمع. منهج النبي محمد ﷺ، الذي لم يُلغِ الشعار القديم “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا”، بل أضفى عليه بُعدًا جديدًا: “أن تمنعه من الظلم”. كما لم يُلغِ الكتب السابقة بل أقرها وأعاد توجيهها إلى جوهرها النقي. وقد عبّر الإمام علي بن أبي طالب عن هذا المعنى حين قال: “لو حكمه أهل التوراة لَحكم لهم بالقرآن كما أُنزلت التوراة”، أي أن الرسالة القرآنية جاءت لتعيد المعنى إلى الدين بعد أن غمرته شوائب العادة والمصلحة.

وهذا هو المنهج الذي نحتاجه اليوم، منهج يُحيي الفكر لا الشعار، ويعيد للإنسان كرامته لا مجرد اسمه، منهج يقوم على تجديد العقل لا على تجميل الألفاظ.

لقد رأيت بنفسي تجارب كثيرة تُبرهن على أن الأسماء لا تُبني بها الأوطان. في الأردن، رأيت الملك حسين يقود سيارته بنفسه، والأمير الحسن يحتسي قهوته بين المثقفين. بينما في دول تتغنى بالجمهورية والديمقراطية، لم يكن من المسموح حتى الاقتراب من مكاتب رموز النظام. في اليمن، حلم الثورة تحوّل إلى كابوس من السجون والملاحقة، وفي العراق وسوريا قُتل الإنسان تحت شعارات عظيمة لا تساوي في حقيقتها شيئًا.

إن تجربة واحدة كافية لتثبت أن المضمون هو الأساس، وأن الشعار لا يصمد أمام الواقع. فكم من نظام “ملكي” أكثر عدالة من “جمهوريات” لا تعرف من الشعب إلا اسمه.

ولهذا، فإن البداية لا تكون من تغيير الأنظمة فقط، بل من تغيير العقول التي تنتج الأنظمة وتعيد إنتاج القهر. إننا بحاجة إلى ثورة داخلية تبدأ من الوعي، من إدراك الفارق الجوهري بين الشعار ومضمونه، بين الاسم وحقيقته.

وهكذا، نجد أن فكر الأستاذ زيد بن علي الوزير يضعنا أمام مفترق طرق: إما أن نظل أسرى للأسماء الجوفاء، أو نعيد تشكيل وعينا ومجتمعنا ومنهج تفكيرنا بروح رسالية وعقل نقدي. فالفكر، كما بيّن، لا يُقاس بالشعارات، بل بقدرته على تحرير الإنسان من الجهل، ومن الخوف، ومن التسلط. وهذا هو جوهر دعوته، ومفتاح نجاتنا.

اقرأ أيضا للكاتب:في أفق المجاز والتأويل نطالب بإعادة قراءة النص الديني (القرآن)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى