من طوفان الأقصى إلى إسرائيل الكبرى الأسباب والنتائج!!

من طوفان الأقصى إلى إسرائيل الكبرى الأسباب والنتائج!!
- حسن الدولة
الجمعة15اغسطس2025_
الاهداء:
إلى الذين لا يقيمون الأحداث المصيرية بنتائجها ويفترضون حسن النوايا في المتسببين فيخدمون العدو من حيث لا يدرون!!.
بداية لا خلاف على أن الجرائم التي ترتكبها الصهيونية في فلسطين لا تحتاج إلى دليل، فقد باتت موثقة بالصوت والصورة، وتتناقلها حتى بعض وسائل الإعلام التي كانت تسعى في السابق لتجميل وجه الاحتلال.
إن ما يحدث في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م يُعدّ بحق جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان.
لكن لا بد من الإشارة إلى نقطة جوهرية تستحق الدراسة، وهي ما يتعلق بقيادة حركة حماس وقرارها باحتجاز الأسرى الإسرائيليين منذ بداية عملية “طوفان الأقصى”. هذا القرار، بغض النظر عن النوايا التي تقف وراءه، ألقى بظلال كثيفة على الوضع الإقليمي، وساهم في استدعاء ردود أفعال عنيفة، بل وغير مسبوقة، على المدنيين في قطاع غزة.
إن تحليل ما قبل وما بعد الطوفان يُظهر أن غزة – التي كانت تعاني أصلًا من حصار خانق – دخلت مرحلة من التدمير المنهجي والاستنزاف الكبير، ليس فقط عسكريًا، بل إنسانيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. كما أن محور المقاومة، وفي مقدمته حزب الله وسوريا وإيران، وجد نفسه مضطرًا إلى التفاعل مع حدث لم يكن جزءًا من قراره المباشر، وهو ما وضع الجميع في حالة استنزاف سياسي وعسكري، وفتح أبوابًا لتوترات إقليمية معقدة.
إننا لا نُنكر مشروعية مقاومة الاحتلال، ولكننا نؤمن في الوقت نفسه أن أي عمل مقاوم يجب أن يكون محسوبًا ومدروسًا بعناية، خاصة عندما تكون نتائجه بحجم ما نراه اليوم من تدمير شامل لغزة، وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء، وتوسع الصراع إلى جبهات أخرى.
الحكمة تقتضي اليوم وقفة شجاعة لتقييم التجربة، دون مزايدات أو تخوين، بل بروح من المسؤولية والحرص على دماء الأبرياء ومستقبل القضية الفلسطينية. لقد علمتنا التجارب أن النصر لا يتحقق فقط بالشجاعة، بل أيضًا بحسن التدبير وقراءة الواقع قراءة واعية.
ومما سبق فإنه ليس من الحكمة في شيء أن نقرأ الأحداث الكبرى بعين العاطفة وحدها، ولا أن نغض الطرف عن التداعيات تحت شعار “المقاومة لا تُسأل”. فالمقاومة التي لا تراجع تجربتها ولا تعيد تقييم خياراتها قد تقع، دون أن تدري، في خدمة خصومها، مهما صدقت النوايا وطهرت الأهداف.
إن ما جرى في السابع من أكتوبر 2023، والذي أطلق عليه قادة حركة حماس اسم “طوفان الأقصى”، لم يكن مجرد عملية ميدانية ذات بعد عسكري، بل شكل نقطة تحول خطيرة في مجريات الصراع، ليس فقط بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، بل في توازنات الإقليم بكامله.
لقد كسب “الطوفان” تأييدا واسعا في الشارع العربي والإسلامي، خاصة في ساعاته الأولى، حيث بدا وكأنه اختراق نوعي لـ”هيبة” الاحتلال. غير أن الأيام التي تلت، والأشهر التي جرّت خلفها سيلا من الدماء والركام، أثبتت أن ما حدث لا يمكن النظر إليه بسطحية أو بانبهار اللحظة.
غزة اليوم، بعد قرابة عامين من طوفان الأقصى، باتت عنوانا لأوسع حملة تدمير ممنهج في تاريخ القضية الفلسطينية. أكثر من ستين ألف شهيد، واضعافهم من الجرحى والمعاقين والمشوهين معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من مليوني مشرد، ومئات الآلاف من المنازل المهدمة، والبنية التحتية التي تحولت إلى ركام. مدارس، مستشفيات، جامعات، وأحياء بكاملها أُزيلت من الوجود، وكل ذلك تحت ذريعة أن “إسرائيل تحاول استرجاع أسراها”.
نعم، هذا هو جوهر الأمر. عملية الطوفان بُنيت على هدف اختطاف عدد من الأسرى الإسرائيليين من أجل مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، وهو هدف نبيل لا شك في ذلك. لكن هل تحقق هذا الهدف؟ الواقع يشير إلى عكس ذلك تماما، حيث لم تحقق حماس اي نجاح في كل عمليات التبادل مقارنة بعمليات التبادل التي مع الكيان واحمد جبريل ومع حزب الله وبخاصة في مبادلة الجندي الاسرائيلي “شاليط” بأكثر من الف سجين من المحكوم عليهم بالإعدام والسجن المؤبد. بل إن إسرائيل أعادت اعتقال بعض المفرج عنهم، وضاعفت من أعداد الأسرى الجدد لتصل إلى أكثر من ثلاثين ألفًا.
ومع هذا، لا تزال قيادة حماس متمسكة بما تبقى لديها من أسرى – أربعة أحياء وقرابة عشرين جثة – وكأنها لم تدرك بعد أن الاحتفاظ بهؤلاء صار ذريعة تبرّر لإسرائيل كل ما تقوم به. بل إن هذا التمسّك بات يشارك، بطريقة غير مباشرة، في استمرار آلة الحرب ضد شعب غزة، ويمنح الاحتلال ورقة أخلاقية مزيفة أمام العالم تحت عنوان “استعادة المخطوفين”.
المشكلة لا تقف عند حدود غزة. “طوفان الأقصى” وضع محور المقاومة برمته في مأزق عسير. حزب الله، وسوريا، وإيران، وجدوا أنفسهم في مواجهة تداعيات لم يكونوا طرفا مباشرا في قرارها. فُتحت جبهات، استنزفت قدرات، ووُضعت أوراق الضغط الاستراتيجية على الطاولة دون استعداد كافٍ، بل وجرى تقديم هذه الأوراق، من حيث لا نعلم، على طبق من ذهب لإسرائيل، تُهدّد بها الجميع، وتستخدمها لتبرير توسيع دائرة الحرب.
إننا لا نطعن في مشروعية مقاومة الاحتلال، ولا نزايد على شجاعة المقاومين. ولكن الشجاعة وحدها لا تكفي إن لم تقرن بالحكمة، ولا البطولات تصلح إن لم تُبنَ على رؤية إستراتيجية ناضجة. فليس كل حدث نصرا، ولا كل ما يهزّ العدو يعد إنجازا، إن كان ثمنه أن تُجتث الأرض، ويُفنى الشعب، وتُغلق أبواب الأمل.
ما أحوجنا اليوم إلى وقفة شجاعة مع النفس، لا وقفة تخوين أو مزايدة، بل لحظة مراجعة تليق بدماء الشهداء وآهات الأمهات وصرخات الأطفال تحت الركام. يجب أن نقف على الحقيقة كما هي، وأن نُفرّق بين التضحيات التي تثمر، وتلك التي تُهدر، بين من يخدم القضية، ومن يُقدّمها قربانًا لأوهام النصر.
إن المأساة الكبرى ليست فقط في حجم المجازر التي ارتكبت بحق غزة، بل في استمرار التوهم بأن ما جرى كان “نجاحًا استراتيجيًا”، أو أنه “زلزل الكيان”. الكيان اليوم أقوى دبلوماسيا، وأكثر تحالفا مع قوى دولية، ويخوض معركته بمباركة عالمية، بدعوى الرد على عملية اختطاف. وها هو الاحتلال يُمعن في القتل، ونحن نُمعن في التبرير.
فليُفتح النقاش، ولتُفتح ملفات التجربة، ولنعترف أن ما جرى كان أكبر من قرار منفرد. ولنسأل بصراحة: هل كانت غزة مستعدة لحمل تبعات طوفان بهذا الحجم؟ وهل كانت جبهة المقاومة موحدة على قراره؟ وما هي المكاسب الفعلية التي تحققت؟ وما الثمن الذي لا يزال يُدفع كل يوم؟
رحم الله شهداء غزة، وأسكنهم فسيح جناته، وجعل دماءهم لعنة على كل من فرّط أو قرّر دون بصيرة، وجعل تضحياتهم وقودًا لصحوة عقلانية تعيد للمقاومة توازنها، وللقضية الفلسطينية وهجها، بعيدًا عن استراتيجيات تُبنى على رهان العاطفة، لا على قواعد الصراع.
والله من وراء القصد.
اقرأ أيضا:الأستاذ عبد العزيز البغدادي أمن النظام من امن الوطن وليس العكس!
