كتابات فكرية

لا يتناهون عن منكر فعلوه

لا يتناهون عن منكر فعلوه

  • حسن الدولة

الاثنين 29 سبتمبر 2025-

لقد نعى إلينا القرآن الكريم أحوال الأمم التي هلكت من قبلنا، لا لأنهم فقط فعلوا المنكر، بل لأنهم “لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون”.

وإن من أعظم ما نُبتلى به اليوم هو السكوت عن الباطل، وتطبيع الناس مع تكميم الأفواه، في زمن أصبحت فيه الكلمة أخطر من الرصاصة، وأشد تأثيرا من المدفع.

دون أن نسمع صوتا مسؤولا يرفض الخطابات المذهبية والطائفية التي تُفرّق بين أبناء الوطن الواحد، وتزرع الفتن في كل زاوية من زواياه.

إن من واجب كل مواطن أن يُدرك أنه سيد نفسه، لا عبد لسلطان ولا تابعٌ لبطانة فاسدة.

فالشعب قد شبّ عن الطوق، وها نحن نعيش في عصر الحريات، في عالم لم يعد فيه شيء يُخفى، ولا رأي يُقمع دون أن يُفضح.

عصر صار فيه العالم بحجم راحة اليد، فلا عذر للصمت، ولا مكان للجبناء، فالصمت فيه عار وشَنار.

بلد تُحجَب فيه الأخبار، وتُكتم فيه الأصوات، ويُرعب فيه الصحفيون، ليس وطنًا، بل سجنٌ في قبوٍ مظلم.

لقد أصبح اليوم مبدأ الخروج على الظالم قولا ورفضا ونقدا فرضَ عين لا نافلة، بل ضرورة وجودية.

ولا صحة لتلك الروايات الضعيفة التي شوهت الدين، فزجّت بالأمة في مستنقع الطاعة العمياء، كقولهم: “أطع الحاكم وإن زنا، وإن سرق، وإن جلد ظهرك”.

تلك الروايات التي خدم بها فقهاء السلاطين طغاة الأمس واليوم، ومنهم قاضي قضاة ثلاثة من الأئمة – المنصور علي، والمتوكل أحمد، والمهدي عبدالله – القاضي محمد بن علي الشوكاني، الذي قال في كتابه أدب الطلب إن طاعة الحاكم واجبة، فإن كان الحاكم ظالما فعليه وزر ظلمه، وللرعية أجر الصبر!

ويُروى عن أحد فقهاء السلاطين لا يضرني أسمه أنه قال: “من أراد القرب من السلاطين، فليكن أصنجا أبكم، لا يسمع ولا يتكلم، وإلا فأبسط زلة أو كلمة قد تودي به إلى المهالك.”

وهكذا حياة؟ إنها ثقافة العبودية…!!

إنها ليست حياة، بل موتٌ مؤجل.

فما قيمة عمر يُقضى تحت سقف الخوف، محرومًا من الحرية التي وهبها الله لعباده؟

إن الحياة بلا حرية، بلا كلمة صادقة، بلا نقد، ولا نصيحة، ولا مساءلة، هي حياة تُهدَر على جدران الصمت.

والكلمة الحرة ليست ترفًا، بل هي ركيزة الكرامة، وأول أبواب الإصلاح.

فلنرفع الصوت، لا نخشَ الصدى. فالسكوت في حضرة الظلم شهادة زور، والضمير لا يُقتل إلا حين تموت الحقيقة، والموت الحقيقي…هو الصمت عن قول الحق في وجه سلطان جائر.

واليوم، هناك من يتبنى خطابا مذهبيا يمزق النسيج الوطني، ويعيدنا إلى عصور التقسيم والانقسام.

لذا لا بد أن نقول كما قال الراحل الدكتور عبدالعزيز المقالح، طيب الله ثراه:

 الصمت عار

الخوف عار

من نحن؟؟

عشاق النهار

نحيا … نحب

نخاصم الأشباح

نحيا في انتظار…

سنظل نحفر في الجدار

إما فتحنا ثغرة للنور

أو متنا على وجه الجدار…

 لا يأس تدركه معاولنا

ولا ملل انكسار

إن أجدبت سُحبُ الربيع

وفات في الصيف القطار

سُحبُ الربيع ربيعنا

حُبلى بأمطارٍ كثار

ولنا مع الجدب العقيم

محاولاتٌ واختبار

وغدًا يكون الانتصار

وغدًا يكون الانتصار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى